مَن يَهُن..!!

> فضل النقيب:

> جاء العام الجديد 2009 تحت ستار من الدَّخان والحرائق والقتل الوحشي في «هيروشيما» غزة، وكأن تلك هي الهوية التي يستحقها العرب في عامهم الجديد جزاء وفاقا على نكوصهم الحضاري وهدرهم الإمكانات الضخمة التي يجلسون عليها.

وهي ليست في حاجة إلى بيان لشدة وضوحها للعيان. تضرب إسرائيل في غزة فيسري الفزع في كل عاصمة عربية وينادي المنادي: لقد ظهر البلطجي وهرواته الأمريكية في يده فاذهبوا إلى بيوتكم واقفلوا أبوابكم عليكم فذلك أنجى وأسلم لكم.

النظام العربي الذي تمزّق نسيجه تعرّى حتى من ورقة التوت فأصبح الكبار صغارا والصغار أصفارا كأنما هذه الأمة الممتدة من المحيط إلى الخليج «قبض الريح وباطل الأباطيل»، وماعاد يفيد البكاء على هذا الهوان المستشري الذي طال أمده وتعددت أوجهه وكلما أوغل في دمائنا وشرايين كرامتنا أنبأنا أن الآتي أعظم:

مَن يَهُن يُسهلِ الهوانُ عليه

ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ

حقا.. ما لجرح بميت إيلامُ، ولأن النصر يدعيه كل بطل ليلمع اسمه في التاريخ، فإن الهزيمة يتيمة، ينسبها كل مقصر إلى الآخر، لذلك فالعرب اليوم يتشاتمون، ويشمت بعضهم ببعض، وغدا عندما يتحدث التاريخ وتُروى الحقائق وتنجلي المواقف ستسودُّ وجوه كثيرة وتبيضُّ وجوه قليلة!!.. ولكن ربما يكون الأوان قد فات لاستخلاص العبر، ذلك أننا نعيد ما أخطأنا فيه بالأمس، ونكرر ما قلناه من أكاذيب حتى نصدق أنفسنا، ثم نعلن انتصارنا بالميكروفونات بانتظار هزائم أخرى ومذابح جديدة وهوان جديد.

نعم - أيها السادة - جاء العام الجديد فدخلنا معه النفق المظلم والدرك الأسفل من الهوان، ولا عزاء لشاربي كؤوس الذل. أما الضجيج الذي تسمعونه في الشوارع والفضائيات فليس سوى حشرجات الموت البطيء والصمم الأكيد والعمى الشديد:

لقد أسمعت لو ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادي

ما الذي ستجترحه الأقلام أو تبدعه الكلمات في حقول الموت؟.. ماذا ستضيف الميكروفونات إلى أنات الثكالى وأشلاء الأطفال والأرض المحروقة؟! لا شيء.. الصمت أبلغ، فربما خجل القائمون على أمر هذه الأمة من تقصيرهم وإهدارهم وقت الشعوب في الترهات وصراعات الكرسي وتكديس الأموال الحرام، والسهر على محاسيبهم وجماعات المنافقين الذين يتلاشون كفقاقيع الصابون حين يجد الجد:

إني لأفتح عيني حين أفتحها

على كثير ولكن لا أرى أحدا

معذرة يا غزة ويا أطفال غزة ويا نساء غزة.. قاتلوا لوحدكم إنا ها هنا قاعدون. وفي عامنا الجديد سننظر إلى وجوهنا في المرايا فإذا صدمتنا بسوادها الممزوج بدمائكم ستكسر كل المرايا ونرتاح، فما عدنا نستطيع حتى البكاء، وربما وبما رحمة من الله نفقد كل ذاكرة حتى لا نعلم من بعد علم شيئا فترانا في شوارع المدن العربية وأريافها كالمجانين نحفُّ شواربنا ليس إلا:

أغاية الدّين أن تحفوا شواربكم

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى