محمد عبده غانم .. قصائد مجهولة

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد :

> في عام 2004م صدرت الأعمال الشعرية الكاملة في طبعتها الثانية وهي من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، وكانت قد صدرت الطبعة الأولى لأعمال الشاعر الخالد د.محمد عبده غانم عن دار العودة في بيروت عام 1981م، وهذه الطبعات لا تحتوي على المسرحيات الشعرية.

د.محمد عبده غانم (15/1/1912) (10/8/1994) شخصية أدبية وتربوية وثقافية وظاهرة تاريخية في تاريخ عدن الحديث، وأحد الرواد الذين أسهموا في نقل المسار الإبداعي في عدن من مراحل المحاولات إلى مستويات الفكر الراقي.

وقد صدر أول ديوان له عن دار «فتاة الجزيرة» في عدن عام 1946م وعنوانه (على الشاطئ المسحور) وأول مسرحية شعرية صدرت له هي (سيف بن ذي يزن) عن دار العلم للملايين في بيروت عام 1964م، وغير مجال الشعر له عدة دراسات في كتب، ومقالات صحفية نشرت في بعض الصحف والمجلات الصادرة في عدن قبل عام 1967م ولم تجمع بعد.

كما نشرت الكثير من القصائد بعضها لم تصدر ضمن أعماله حتى أصبحت في حكم المجهول لبعد زمانها عن أيامنا، مما جعلها خارج إطار البحوث والدراسات التي تناولت مكانة شعره في حياتنا الإبداعية، وهذه محاولة للاقتراب من هذا الجانب من تاريخ هذا العالم الخالد.

أول قصيدة نشرها د. محمد عبده غانم كانت في صحيفة «فتاة الجزيرة» السنة الأولى العدد 3 يوم الأحد 14 يناير 1940م

شكوت إلى النجم

نفت ظلمة الليل عني الهجوع

وضن الصباح بقرب الطلوع

ففي مقلتي تجول الدموع

وتجري فتمسحها راحتي

وفي الهادئ الساكن المظلم

دنوت بطرفي إلى الأنجم

وبحت بشكواي لم أكتم

لقد عيل صبري فما حيلتي

لقد طاح في الحب كم من فتى

وكان صليباً شديد القوى

رماه الغرام بسهم النوى

فأمسى يئن من الحرقة

تحيرت في أمر من أعشق

يرى ذل حالي فلا يشفق

ويعجبه أنني مرهق

بوجد تلاشت له قوتي

فأواه من صدرك النافر

ومن خصرك الناحل الضامر

ومن طرفك الناعس النافر

فكل تثير به لوعتي

ويعجبني منك هذا النفور

كأنك تعلم مافي الصدور

فتمزج حزن الشقا بالسرور

ومر التألم باللذة

فوا لهفتي أيهدا الحبيب

إلى وقفة عند ذاك الكثيب

فأرشف فاك الصغير

وأنقع من برده غلتي

ستعلم إن مت أني شهيد

وأن فؤادك مثل الحديد

وأن صدودك كان شديد

أضعت به عبثاً مهجتي

شكوت إلى النجم ما حل بي

ولكنه ضاق عن مطلبي

فولى إلى جهة المغرب

وألقى إلى صدى زفرتي

(عدن- صدى صيرة)

لا نعرف الأسباب التي دفعت محمد عبده غانم إلى ترك هذه القصيدة دون إدخالها مع مجموعته الشعرية الأولى المنشورة، ربما نظر إليها على أنها دون المستوى الشعري فنياً، فلم تنل من تقدير الشاعر إبداعياً ما نالت في نفسه القصائد الأخرى.

ونحن نجهل بدايات محمد عبده غانم الأولى مع الشعر، فهذه القصيدة وغيرها التي تعود إلى نفس الفترة توضح بأن عام النشر ليس هو البداية.

ولكنها تعود إلى أبعد من ذلك وحول هذا الموضوع يقول الشاعر:

«عندما أحاول أن أتذكر الآن بعد خمسين عاماً من تجربتي الأولى مع الشعر لا أتذكر إلا مقطوعات كنت أكتبها على قصاصات من الورق ثم لا ألبث أن أتلفها.

ولا أذكر لماذا كنت أتلفها، ألأني كنت غير راضٍ عنها أم لأني كنت أخشى أن يطلع عليها زملائي في المدرسة الثانوية فيضحكون عما يجدونه فيها من عبارات الحب والهيام.

ما أن غادرت المدرسة والتحقت عضواً في نادي الإصلاح العربي بمدينة التواهي الذي كان يرأسه والدي رحمه الله، حتى عدت إلى كتابة الشعر وإن كنت لا أذكر أيضاً مما كتبته في تلك الفتر إلا بيتاً واحداً من الشعر من قصيدة نظمتها أثناء زيارتي لبلاد الحبشة في رحلتي الأولى فارقت فيها اليمن إلى الخارج، أما البيت فهو:

غابني اليوم إنني مستجير بك فاحمي الجوار ينأى العذاب

ولا ريب أني نظمت القصيدة التي منها هذا البيت متأثراً بما شاهدته في الحبشة يومئذ من غابات الصنوبر والكافور.

وأذكر أنني ألقيت هذه القصيدة في إحدى الأمسيات في النادي بعد عودتي إلى عدن».

والمعروف عن د. محمد عبده غانم أنه أول خريج جامعي في الجزيرة العربية، حيث حصل على شهادة من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1936م، بكالوريوس في الآداب بدرجة امتياز.

وقد كانت له إسهاماته الشعرية في الجامعة، وهذ يدل أن الكتابة سبقت النشر، ولكن عند الاختيار يكون الأفضل ما يقدم للناس في نظر الشاعر.

إلى سمو الأمير الكريم

في العدد 5 من «فتاة الجزيرة» الصادر بتاريخ 28يناير 1940 نشرت هذه القصيدة وهي تحية للشاعر والأمير أحمد فضل القمندان:

وأمير لم يكفه كل ما حاز

من المجد والثراء العريض

فانبرى ينظم اللذيذ من الألحان

يحيي بها ليالي (الغريض)

يرسل النغم صافياً في بهيم

الليل من روضة الأريض

فإذا بالأثير يهتز كالنشون

من لحنه الشجي الغريض

طرب يملأ الصدور إذا ما

رن بالانشراح بعد الجريض

وهو للبائسين خير عزاء

ودواء لذي الفؤاد المريض

إن في النغم ما يعيد ضجيع

اللحد حيا ويرتقي بالحريض

فأحي عهد المأمون يا أحمد

بن الفضل بالعلم والغناء والقريض

الفترة الزمنية تعود إليها هذه القصيدة هي مرحلة الحرب العالمية الثانية، وقد كان بين عدن ولحج في تلك الحقب من الاتصال والتقارب ما أوجدته أسباب وعوامل الحرب، حيث انتقل العديد من سكان عدن إلى لحج بعد تعرض مدينتهم لضرب الطائرات الإيطالية القادمة من الحبشة والتي كانت من المستعمرات الإيطالية.

وكانت القوات الإيطالية قد شنت هجوماً على مستعمرة الصومال البريطاني في 5 أغسطس 1940م، لما عجزت القوات البريطانية على الصمود أمرت بالانسحاب إلى عدن تاريخ 11 أغسطس 1940م، وأصبحت أول مهام الإيطاليين ضرب عدن لذلك كان الهروب إلى لحج، وتحولت عدن إلى مركز هام للعمليات البريطانية.

لذلك تظل هذه القصيدة منتسبة إلى أحداث مرحلتها التاريخية، وهي توضح نوعية الصلة الإبداعية بين الأمير الشاعر أحمد فضل القمندان والأستاذ محمد عبده غانم، في زمن الريادة الشعرية بين عدن ولحج، حيث كانت لحج الحديقة الخضراء التي تسعى إليها النفوس الفيحاء المريحة لخيالات الشعراء، حيث ظلت حتى نهاية الغارات الإيطالية على عدن المكان الأمين لأهلها.

ليل الغرام

في العدد 13 من «فتاة الجزيرة» الصادر في 24 مارس 1940 نشرت هذه القصيد وتقع في 47 بيتاً نختار بعضاً منها:

في كل ركن عاشق بترقب

وبكل قارعة حبائل تنصب

سوق الهوى قامت يباع ويشترى

فيها وصال الغانيات وينهب

وبمعزل عن ذلك الجمع الذي

أضحى يجيء به الغرام ويذهب

خلف الكثيب لدى الأصيل تقابلت

بعض الكواعب وهي نشوى تلعب

رنانة أصواتها فتانة

حركاتها في ضحكها ما يطرب

حتى إذا ما أمعنت في رقصها

وتهالكت والرقص فن يجذب

أبصرت بعض الناس حين درى

بما خلف الكثيب من المفاتن يقرب

فتوقفت والغيظ ملأ صدورها

ومن التطفل ما يثير ويغضب

ولقد يشاطرها اللبيب شعورها

ماذا جنت إذ تستفز وترعب

ولقد تخيرت الكثيب لرقصها

كيما بعزلته الأذى تتجنب

ولقد يرى عذراً لمن قد أقبلوا

لما دروا بالرقص حتى يرقبوا

أغراهم الصوت الجميل بجرسه

إن الجميل إلى النفوس محبب

ومضت ذكاء بالنهار وأقبل

البدر المنير على السحائب يركب

وأطل يؤذي العاشقين بنوره

إلا الذين على الفساد تدربوا

فالمرء مالم تندثر أخلاقه

يخشى الفضحية في الأنام ويرهب

فإذا مشوا في الظل باتوا خلسة

يتلفتون كمجرم بتعقب

وإذا مشوا في النور أبدوا أنهم

في الحي ليس لهم هوى أو مأرب

بل قد أتوا يتفرجون كغيرهم

والقلب بالشوق العظيم معذب

تعبوا من التجوال بين منازل

سود تكيل لها الرياح وتسكب

لتخالهم في الليل حين تراهم

غبر الوجوه الجن إذ تتقلب

في الحسيني

في العدد 25 من «فتاة الجزيرة» نشرت هذه القصيدة في 16 يونيو 1940.

قد لقينا في (لحج) أهلاً وسهلاً

وغدونا بحسنها نتملى

في (الحسيني) بلبل يتغنى

فوق غصن من الغصون تدلى

قد شجانا تغريده فذكرنا

مجلساً من مجالس الأنس ولى

يوم كنا لا نعرف العيش إلا

متعاً يستبين قلباً وعقلاً

حينما تلعب الأنامل بالعود

فيبكي كأنما هو ثكلى

فكان الأوتار في قرعها قلبي

ورناتها صداه تجلى

ما أنا لو علمت إلا نسيج الفن

قد صاغني كما شاء شكلا

كل عرق في هيكلي وترشد

على نغمة تغنى وتتلى

في إهابي من المشاعر ما

لو حملته الجبال أصبحن رملا

كم أعاني من رقة القلب مهلا

يافؤادي فسوف تقتل قتلا

إن تبدي للعين شيء جميل

سبح القلب للجمل وصلى

لو تراني أجاهد النفس خوفا

أن يقولوا في الأقاويل جهلا

قلت هذا معذب في سبيل

الفن قد سامه التعقل ذلا

ليته مطلق السراح فيشدو

بنشيد الجمال أنى تولى

ليس يخشى إن قال في الحسن

قولاً يرتضيه من العواذل عذلا

أفحتم علي أن أحمل الضيم

وقلبي لا يرتضى أن يذلا

و(الحسيني) بالجداول قد

مال وألقت أشجاره فيه ظلا

وارتدى حلة مطرزة بالزهر

ما بين ياسمين ودفلى

روضة الشعر والأغاني فما

أطيب فيها المقام عندي وأحلى

آن يا(لحج) أن تتهي بروض

أن يزره أخو الهموم تسلى

وبسلطانك الكريم الذي

أسدى لدى الشدة العظيم فضلا

أظهر اللطف للنزيل وأوصى

أن يلاقي لديه أهلاً وسهلاً

إنما يعرف الصديق لدى الضيق

وفي المحنة الخلائق تبلى

روعتنا الخطوب وهي حسام

ففزعنا إليه شيخاً وطفلا

بيد أنا وقد عرفناه ملكاً

عبدلياً قد طاب فرعاً وأصلا

لم نكن في انتظار غير الذي

كان من الاحتفاء قولاً وفعلا

صدى صيرة

دون شك هناك العديد من قصائد د.محمد عبده غانم موزعة على صفحات المجلات والصحف العدنية، وهي تقدم لنا مراحل مختلفة من تطور إنتاجه واتجاهاته الشعرية التي اختلفت حسب التقدم الإبداعي في مسيرته الأدبية.

والدراسات الأدبية إن لم تلق نظرة على هذا الجانب من شعره المجهول، تظل في حالة قصور، لأنها لم تتبع البدايات المؤسسة والعوامل المؤثرة في أساليب كتابة الشعر عند الشاعر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى