الخبرة السياسية البريطانية في عدن (-1955 1967).. دراسة وثائقية قراءة في كتاب د. صادق عبده علي

> «الأيام» د. قاسم المحبشي:

> تاريخ مدينة عدن، حاضرة الجنوب وأميرة المدائن، مازال يكتنفه الجهل والغموض، فضلا عن رغبة البعض ومحاولاتهم المحمومة لطمسه ونسيانه وإسدال الستار عليه، واختلاق تاريخ بديل ومزيف لهذه المدينة المنكوبة المنهوبة.

وكل محاولة للكشف عن تاريخ عدن والجنوب عامة تلبي حاجة حيوية إلى إعادة بناء الهوية والذات الاجتماعية والثقافية المستلبة والمستبعدة قهرا وعدوانا، ويعبر عن نمط من أنماط الدفاع عن الحقيقة التاريخية ومقاومة كل ألوان القوة والعنف والكذب والخداع والتزوير والغش والفساد وغيرها من القيم والأفعال التي أخذت تجتاح كل شيء في حياتنا الراهنة.

من هنا تأتي الأهمية الخاصة للدراسة الوثائقية عن (الخبرة السياسية البريطانية في عدن -55 1967) التي أصدرها الزميل العزيز د.صادق عبده علي في كتابين الأول بعنوان «السلطات التشريعية والقضائية»، والثاني عن «السلطة التنفيذية» عن دار عبادي للطباعة 2007، وكلا الكتابين يقع في 500 صفحة من القطع الكبير في عدد من الأبواب والفصول والمباحث التي جاءت غنية بالمعلومات والحقائق والمعطيات الجديدة والمثيرة.

ويمكن القول من دون مبالغة إن هذه الدراسة المنجزة عن الخبرة السياسية البريطانية في عدن، وفي هذه المدة الزمنية المحددة بدقة بـ(12) عاما فقط تعد بكل المقايس عملا فريدا وجديدا ومثيرا، فضلا عن كونها إضافة معرفية وعلمية في حقل الدراسات التاريخية العربية الإسلامية.

ورغم اقتصار الدراسة على بضع سنوات فقط من تاريخ عدن القريب، وهذا ما يضاعف صعوبة البحث على الباحث المؤرخ، إذ قلما نجد من يجرؤ على الكتابة في حيز ضيق جيدا من الزمن التاريخي، وربما تظهر حنكة ومهنية أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة عدن في قدرته على اقتناص هذه اللحظة الزمنية الحاسمة التي تعد ثمرة الخبرة البريطانية الاستعمارية، وحصاد سنينها الطويل على مدى (129) عاما.. فكيف كانت عدن في تلك الأيام.. وكيف كانت حياة أهلها.. وماهي المؤسسات والنظم والقوانين والتشريعات والأجهزة والسلطات التي كانت تنظم حياة السكان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والحقوقية..إلخ.. وكيف كانت تعمل السلطات الإنجليزية في عدن السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية التي كانت تدير شؤون الناس في عدن آنذاك؟ لا سيما إذا ما حاولنا أن نقارنها بأوضاع اليوم التي فرضت على عدن و الجنوب كله. وهذا ما حفّز المؤرخ لاختيار موضوع بحثه، إذ أكد في مستهل كتابه «جاء اختيارنا للموضوع.. متسقا مع التطورات الجديدة التي أخذت تشهدها اليمن منذ 1995، فقد لاحظنا أنها تراجعت بصورة متسارعة عن الأخذ بالنظم والتقاليد الإدارية، فضلا عن القوانين المنظمة للعلاقة بين الدولة والمجتمع التي ظلت نافذة في اليمن الجنوبية (سابقا)، واستبدلتها بالنظم والتقاليد والأعراف والقوانين السائدة في الجمهورية العربية اليمنية (سابقا) التي هي مزيج من النظام الإسلامي في العصور الوسطى والنظام العثماني التقليدي.

وهذا ما جعلها تفتقر للمؤهلات الواقعية الحديثة.. فلا وجه للمقارنة بين عدن الإنجليز وعدن العثمنة القبلية الشمالية..وبين عدن المدينة المنظمة تنظيما سياسيا وإداريا وحقوقيا واجتماعيا وثقافيا وتجاريا قانونيا دقيقا وواضحا وشفافا في الأمس، وبين عدن الفوضى والفيد والذهب والعثمنة والعنف واختلال المعايير اليوم، عدن التي أصبح سكانها يشعرون ويعيشون في حالة ساحقة من الاغتراب والصياع والإقصاء».

إن هذه الدراسة الجادة هي وثيقة دافعة وإدانة صادقة لتلك الجريمة البعشة التي ارتكبتها القوى التقليدية الهمجية بحق مدينة عدن والجنوب عامة، وبحق القيم الإنسانية الراقية قيم المدنية والحداثية والمؤسسية والقانونية والجمالية والأخلاقية الحضارية التي اكتسبتها عدن طوال السنوات الماضية من خبرة التثاقف والاحتكاك التاريخي مع الشعوب والنظم المتفوقة الأخرى.

لقد أسدى الصديق صادق عبده علي خيرا بإنجازه هذا المشروع القيم وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات، وإنه بعمله هذا لم يكشف عن الحقائق والمعطيات التاريخية التي تتحدى كل مجالات التزييف والطمس وإعادة التعريف والتصنيف فحسب، بل منحنا وثيقة شهادة أمينة وجديدة بالثقة والاحترام تعد إدانة صارخة لكل القوى المهيمنة والمتسلطة على عدن اليوم، فكم هم أولئك الذين يترحمون على زمن الإنجليز في عدن، وكل كتابه موضوعية عن عدن، هي بمثابة مواساة لعدن وشد أزرها في لحظة محنتها، فضلا عن كونها فضحا وتعريةا لأطماع وأهداف القوى الحاقدة أفرادا وجماعات من مزوري التاريخ ولصوص الثروة.

ولا يسعني في ختام هذه العجالة إلا أن أتمنى للأخ العزيز د. صادق عبده علي مزيدا من النجاح والتوفيق، كما أدعو القراء الأعزاء إلى الإسراع في اقتناء هذه الدراسة الوثائقية المنشورة في كتابين متوفرين في الأسواق منذ العام الماضي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى