> ها نحن الآن في بلدة عماقين مركز وعاصمة الوادي الأخضر.. كنا في عماقين مع إشراقة الشمس الأولى.. ملامح الصباح هنا تبدو شفافة، حيث الشمس نشرت خيوطها الذهبية على الجبل الأصفر الذي يحيط بها وعلى الحشائش وأشجار السدر والمشط والصال.

الطريق الحلم

لقد أجمع الكل هنا من أبناء بلدة عماقين على أن همهم الذي يؤرقهم هو الطريق ثم الطريق، وهو ما يؤكد عليه العاقل محسن أحمد بن فهيد عاقل قبيلة آل فهيد رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس المحلي بمديرية الروضة قائلاً:«لاجدال هنا أن الحلم الذي يراود كل أبناء عماقين هو سفلتة وتعبيد الطريق المؤدية إلى مدينة الروضة، وهناك وعود الآن بأن يتم شق طريق عتق- باكبيرة - الشعيب - عماقين - الروضة وغرير، ولاشك أن هذا الطريق سينعش الحياة الاقتصادية والاجتماعية لأبناء عماقين كافة ولهذا أملنا كبير في القيادة السياسية أن تولي هذا الأمر اهتماماً».

وحول الطريق أيضاً أخبرنا بعض من أهالي بلدة عماقين أن فاعل خير من أبناء المنطقة وهو الشيخ عبدالله بامعبد قد بذل جهوداً طيبة وخيرة في سبيل ترميم الطريق بعد تدفق السيول، وقد سألناه عن الطريق فقال الشيخ بامعبد:«عندما تأتي السيول إلى المنطقة تخرب الطريق وتنقطع المواصلات لأن الطريق الحالية تمر في وسط الوادي وتتعرض منطقة عماقين للعزلة التامة حتى المرضى لا نستطيع نقلهم إلى المدن ولك أن تتخيل تلك المعاناة».

وأضاف: «لقد قمنا بجهود متواضعة في إصلاح هذه الطريق، لكن الذي ينبغي طرحه اعتماد مشروع استراتيجي وبإمكانيات كبيرة لهذه الطريق لأنها بحاجة إلى وضع جسور وعبارات، ونحن مستعدون للتعاون مع الجهات الحكومية في مثل هذا المشروع».

الزراعة

عماقين بلدة زراعية جميلة تنتشر فيها أنواع مختلفة من النبات الطبيعي وفي هذا الصدد يقول الأخ عبدالله حسن فهيد الشخصية الاجتماعية المعروفة في مديرية الروضة: «تعتمد الزراعة هنا على مياه الأمطار والسيول ولاتوجد أي آبار جوفية نظراً لبعد الماء في أعماق الأرض بأكثر من حوالي ثلاثمائة متر.

والزراعة هنا موسمية، حيث تزرع محاصيل الدخن - الذرة- السمسم والأعلاف ومن النباتات الطبيعية والصبار والمشط، ولكن الأهم من ذلك انتشار أشجار السدر والذي جعل المنطقة تشتهر بإنتاج أجود أنواع العسل العالمي».

ويضيف: «هناك مشروع سد في منطقة ثره تستفيد منه قرى الجنح ثرة وعماقين وغيرها وبتمويل من الصندوق الزراعي السمكي، وهذا السد في حالة إنجازه سيقدم خدمات كبيرة لأبناء المنطقة من حيث توفير المياه بكميات كافية وسواء كانت لأغراض الزراعة أو الشرب، والمواطنون يعولون على هذا المشروع آمال كبيرة جداً ولا شك أنه سيرفد الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مناطق وادي عماقين».

عادات وتقاليد

بلدة عماقين تسكنها قبيلة آل فهيد النهدية الذين يشكلون معظم سكان البلدة، وتربط بين آل فهيد علاقات وأواصر القربى والمحبة والتعاون والتكاتف ولها عاقل يجمع عليه الكل وهو العاقل محسن أحمد بن فهيد ويبلغ عدد سكانها نحو أربعة آلاف نسمة، وهي مركز لمناطق الوادي ويوجد فيها سوق متواضع للبيع والشراء ويتسوق فيه عدد من أبناء الوادي.

ومن العادات التي تميزت بها الزواج الجماعي، حيث يحدد يوم معين من أيام السنة ويكون عادة في فصل الصيف لإقامة زواج جماعي، وآخر زواج جماعي العام الماضي تم فيه زف 23 عريساً، وتقام الاحتفالات الكبيرة يتم فيه دعوة الناس والقبائل من أنحاء عديدة، وتقوم على العرس لجنة أهلية من أبناء المنطقة وتقام فعاليات ثقافية وفنية مختلفة مثل الشعر الشعبي والزامل والشرح وحفلات السمر وغيرها من الأفراح والأهازيج الشعبية التراثية.

التربية والتعليم

توجد مدرسة للتعليم الأساسي في عماقين يبلغ عدد طلابها 450 طالباً يدرسون في الفترة الصباحية بينما يدرس البنات في الفترة المسائية وعددهن مائة وسبعون طالبة يدرسن حتى الصف الرابع فقط.. ورغم أن الدراسة تسير بشكل طبيعي إلا أن المدرسة بحاجة إلى صفوف إضافية، وبالنسبة للبنات يطالب الأهالي ببناء مدرسة مستقلة للبنات وتوفير المعلمات وعندئذ يؤكد الأهالي أن بناتهم سيواصلون دراستهن حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي.

ولعلم الفلك وجود

اشتهرت عماقين بوجود الحجر الأبيض والتي هي بمثابة ساعة زمنية لضبط الأوقات وكانت تستخدم في السابق كموقت زمني للمنطقة، وفي نفس الاتجاه ذكر لنا الأهالي أن عماقين اشتهرت بوجود الفلكي أبو محيسن الذي اشتهر بمراقبة النجوم وحركة الشمس وحسابات الكواكب بدقة متناهية.

جنة الدنيا

لا تذكر عماقين إلا ويذكر ابنها وشاعرها الكبير (يسلم علي باسعيدة) الذي تغنى من كلماته عدد من كبار فناني اليمن والخليج كطلال مداح، أبوبكر سالم بالفقيه، محمد سالم بن شامخ، هود العيدروس، علي الصقير، أحمد يوسف الزبيدي وغيرهم.

ولا تزال أغانيه وقصائده تحقق من الشهرة والصيت مثل (ياعسكري فك الإشارة)جنة الدنيا عماقين) و(على سلم الطائرة) وغيرها..

هذا الشاعر الإنسان الذي غنى للمحبة والخير والسلام والوطن والثورة وقبل هذا وذاك غنى لعماقين البلدة الطيبة الجميلة.

عند زيارتنا للشاعر يسلم بن علي في منزله وجدناه طريح الفراش يصارع المرض وفي حالة يرثى لها.

حكى لنا بصعوبة بعضاً من تجربته الشعرية غير أن أنين المعاناة كان الصوت الذي شدنا كثيراً.. لاسيما شكواه من إهمال الجهات ذات العلاقة بوضعه الصحي والمعيشي والوظيفي.

هموم الاتصالات

إذا كانت الطريق واحدة من أسباب عزلة مناطق وادي عماقين فإن ضعف الاتصالات في المنطقة سبب آخر من أسباب تلك العزلة، وبهذا الصدد أبلغنا عدد من الأهالي بالمعاناة التي يلاقونها من جراء ذلك، ويناشدون عبر «الأيام» وزارة الاتصالات وشركة يمن موبايل تقوية شبكة الاتصالات في المنطقة.

حتى إشعار آخر

هكذا هي عماقين.. وهكذا هو واديها وأهلها وقراها.. حيث الأشواق الملتهبة والأحلام الوديعة.

وهنا فقط مرفأ السفينة ودليل خطواتنا نحو العودة ومن ذات الطريق، حيث الألم اليومي الذي يؤلم الناس هنا، لكنه الحلم الذي يظل باقياً عندهم حتى إشعار آخر..