الشاعر عبدالله هادي سبيت .. تعاطي الحب حرماناً!

> «الأيام» سند حسين شهاب:

> التنوع الخصب في الإيقاع اللحجي عكس نفسه إيجاباً في القصيدة، الأمر الذي قفز بالأغنية اللحجية إلى المربع الأول رغم هالة الأغنية الصنعانية التي تصل إلى مرتبة القداسة عند أهل الغناء.

بما تمتلكه من زيادة في الأدب اللحجي لا يشار إلى أي شاعر بالبنان إلا إذا وصل إلى ما يشبه المنظومة في الكتابة، فالقمندان كتب القصيدة الغنائية والنشيد الوطني والقصيدة الساخرة والمنولوج، وعلى هداه كان الأستاذ عبدالله هادي سبيت يكتب قصيدة الوصف وقصيدة المسرح والقصائد الدينية والوطنية ومثلهما كثير فعلوا كالأساتذة صالح فقيه وصالح نقيب ومسرور مبروك وغيرهم.

وإذا كانت هذه الظاهرة قد فعلت فعلها في الأغنية اللحجية التي صارت تردد على كل لسان فإن هناك تنوعاً آخر ظهر في إطار القصيدة نفسها، وبالذات عند الأديب الأستاذ عبدالله هادي سبيت.

ظاهرة الحرمان في شعر عبدالله هادي سبيت ظاهرة معروفة في أغلب أعماله، ولعل هذه الظاهرة ساعدت كثيراً في تميز أغاني سبيت عند المتلقي، بسبب ميل النفس البشرية إلى التعاضد مع كل من حرمته المقادير، غير أن ما يثير الدهشة حقاً هو هذا الاستمتاع بلذة الحرمان عند سبيت، وتلك لعمري فلسفة لا يستطيع سبر أغوارها سوى هذا السبيت نفسه:

قال لذي راجي ولوعي

قال لذي يشتي دموعي

خلني تايه وهيمان

ليه تتمنى وقوعي

ليه تحرمني هجوعي

مدفرك ياصاح ما هان

في الهوى طالت شروعي

قد جهنم في ضلوعي

حصتي في الحب حرمان

ليه باتدمي جروحي

ليه هل يرضيك نوحي

خلني بالمر سكران

قد وهبت الحب روحي

يادموع العين بوحي
ياحمام الدار نوحي

شاركيني في نزوحي
واسكبي اللوعة والأشجان

قد رماني الدهر باجفان

أي منظومة وجدانية وأي قلب يحتمل كل هذا الطغيان الذي يكتوي به هذا الشاعر ولا يتردد في أن يحيله برداً وسلاماً مستوعباً كل مضاعفاته بعد أن هيأ نفسه وجسده له:

آه ما أقسي زماني
بالهوى سهمه رماني

عشت وسط الماء ضمآن

قل لذي طرفه دعاني
قل لذي حبه دهاني
إن وصل الحب هجران

كم علا في الحب شأني
ها دموعي ترجماني

إن أصل الحب كتمان هل ترى ذلي ويأسي

كم أذاب الحب نفسي

لوعتي للحب برهان

قد نما في الحب غرسي

أين من ذا اليوم أمسي

ثانية تطوى بها زمان

بين أقلامي وطرسي

في الهوى هيأت نفسي

قصتي للحب ديوان

في صباباتي هنائي
في جراحاتي دوائي

في لظى لي خلد رضوان

قل لذي يشتي شفائي
في شفاء الحب دائي
خلني بالدمع نشوان
قل لذي لبى ندائي
نورت شمسه مسائي
إن عدل الحب طغيان

وحتى مع وصول عذاب هذا الشاعر إلى درجة تكاد تقضي عليه فإنه لا يرى غير هذا الحرمان علاجاً له، لأنه يرى فيه ما لا يراه فيه غيره، وفي هذا تكمن فلسفته:

قل لذي زيد هيامي
قل لذي أشعل غرامي
فجّر الأحشاء بركان

خلني للوصل ظامي
صاح لا تحيي حطامي
صاح لي في النوح ألحان

في الهوى عالي مقامي
منصبي في الحب سامي
لوعتي ياذا لها شأن

صاح أصل الحب نظرة
بعدها لوعة وزفرة
والنهاية لحد وأكفان

خلنا نروي بمره
خلنا نهنا بصبره
إن خمر الحب أشجان

قد قطعنا الليل سمره
قد سكبنا الشعر خمرة
أصلها للحب عنوان

فيما يشبه الإدمان وصل حال هذا الشاعر الذي أمسى يرى في الهجر والحرمان وصب الدموع عذابه اللذيذ الذي تتلظى به نفسه، وهو على طريقة أهل المسيح يرى أن هذا العذاب يقربه أكثر من مبتغاه ويرى فيه الأمل الذي يقهر عذابه:

يا نفس المتيم في الحب أقبري

ياعين المهيم بالدمع أمطري

سقي الأرض لما حد المنصري

ليته ليت بايطلقني أمري

ليته ليت بايصفي لي الجابري

قلبي له عقيره تحت الحازري

بل أن سبيت يتمادى كثيراً في تعذيب نفسه التي يجعلها قرباناً لهذا المحبوب الذي وصل في عناده إلى التماهي مع عناد العسكري على هذا الإيثار يفعل فعله في قلب هذا المحبوب:

خلي في عنادي يمشي عسكري

وأنا للمحبة واقف سنتري

وسط النار بامشي دغري همشري

قلبي عبدلي الحب ماهو ضمبري

ياغارة هوانا بالله احضري

والله إنني مظلوم أيضاً بري

يبدو أن قيمة الحب السامية عند سبيت هي التي جعلت الرجل يتحمل كل هذا الألم وهو لا يعلم أي جريرة ارتكبها سوى أنه يحمل قلباً عاشقاً، ومع هذا لم يسلم قلبه، الأمر الذي جعله يتوسم من محبوبه أن يوقف كل هذا العداء حتى لايتحول هذا الحب إلى ما يشبه الخطيئة:

لحكم الغرام

سلمت روحي وقلبي هديه
وظلمي حرام

منعت الكلام

حرمت أهلي ومن كان ليه
وكم ياخصام

حبيبي حرام

يا ما تحملت كم من بليه
ولا لي كلام

فعلتك وسام

جاكرت بك كل هذي البريه
صقلت الملام

فعلتك إمام

مظلوم من غير عندي خطيه
وحكمك تمام

رشيق القوام

أفديك أفدي الخدود النديه
كفاية خصام

بحق السهام

ذي صابت القلب من غير نيه
ودقت عظام

بحق المدام

ذي في شفاتك تداوي البليه
كفاني هيام

بحق الحسام

في مفرقك ذي قسمني سويه
حياتي ظلام

ببدر التمام

ياليت تطلع جبينك عشيه
تداوي السقام

في الصبر تتجلى فلسفة سبيت، وبالصبر هذا وحده صار حتى الهوى في حيرة من أمر هذا الرجل الذي أعطى ولم يأخذ شيئاً سوى آلام مرة حولها صبر سبيت خمراً معتقاً يروي ظمأ أهل العشق ويكتبه قلم بطعم الشعر الساحر:

صابر وفي صبري هيأت لي قبري

قد بات من أمري حتى الهوى حيران

ياما حوى سري بركان في صدري

ياما انطوى عمري من ثورة الأشجان

رضعت من صغري فن الهوى العذري

بل صغت من مري صهباء للندمان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى