الاختصاص القضائي الصحيح الواجب التطبيق لقضايا الأراضي وعقارات الدولة

> صالح عبدالله باطوق:

> استدعت الحاجة العملية وجود تشريعات خاصة لتوفير المزيد من الحماية القانونية للمال العام، نظرا لأهميته في حياة الأفراد وللاقتصاد في توفير تلك الحماية، إضافة إلى أن متطلبات تطور الحياة تقتضي تصنيف وجود الحماية القانونية طبقا للعلاقات الاجتماعية الناشئة في خضم هذا التطور.. فأدركت السلطة القضائية في اليمن هذه المتطلبات وغيرها فأنشأت المحاكم والنيابات ذات النوعية في الاختصاص.

وبموجبه تم إنشاء محاكم الأموال العامة طبقا لقرار مجلس القضاء الأعلى رقم (3) لعام 1996م بتاريخ 5/3/1996م في بعض محافظات الجمهورية، وعلى قرار إنشاء محاكم الأموال العامة أنشأت نيابات الأموال العامة بموجب قرار النائب العام رقم (158) لعام 1992م، واقتضت الحاجة إلى تعديل للاختصاص فصدر قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (32) لعام 2001م، وبموجب ذلك تم تعديل الاختصاص لمحاكم الأموال الوارد في المادتين (2، 3) من القرار رقم (3) لعام 1996م، وعلى إثره صدر قرار النائب العام رقم (240) لعام 2001م بتعديل القرار رقم (158) لعام 1992م ليتواكب الاختصاص بين محاكم ونيابات الأموال العامة، وأصبح الاختصاص لمحاكم ونيابات الأموال العامة في الآتي:

- كافة الجرائم الماسة بالمال العام وما في حكمه وأموال الأوقاف.

- جرائم الضرائب والجمارك.

- جرائم تزييف وترويج العملات.

ثم صدر قرار مجلس القضاء الأعلى في سنة 2008م بإضافة اختصاصات أخرى لمحاكم ونيابات الأموال الواردة في قانون رقم (39) لعام 2006م بشأن مكافحة الفساد المادة (30) من القانون.

من الواضح من خلال هذا السرد لإنشاء محاكم ونيابات الأموال العامة وتحديد اختصاصاتها لم يرد ذكر الأراضي أو عقارات الدولة لا في تلك القرارات ولا في قانون مكافحة الفساد، وقد نصادف رأيا بالقول بأن أراضي وعقارات الدولة تدخل في نطاق المال العام وهذا هو بيت القصيد ومحور هذه الدراسة، وهو ما دأبت عليه نيابات الأموال أو النيابات ذات الولاية العامة، وعند ورود قضية طرفها هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني فأول ما تصنف نوعيا اعتبار القضية من قضايا الأموال العامة وتشرع في قيدها وفقا لهذا المعيار، وتبدأ في مباشرة إجراءات نظرها على هذا المنوال من مفهوم أن أراضي وعقارات الدولة تندرج تحت مفهوم المال العام.. فهل أراضي وعقارات الدولة الموكول لهيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني التصرف فيها طبقا لقرار إنشائها هي مال عام أم مال خاص، أي خاص بالهيئة، فالهيئة طبقا لقرار إنشائها تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، فهي تدخل في علاقات قانونية مع الغير طبقا لتلك الشخصية المكتسبة لها وفقا لقرار إنشائها، فهي تؤجر وتستأجر وتبيع وتشتري وتدين وتستدين انطلاقا من شخصيتها الاعتبارية، ومن ثم فالأراضي والعقارات التي تحت تصرفاتها تكون خاصة بها، ولكونها هيئة حكومية قد يقول قائل إنها أموال عامة، وهذا القول يخالف البناء المؤسساتي القانوني المحدد لكل جهة أو مؤسسة أو هيئة حكومية.

وهذا الطرح الذي استعرضناه له تأسيس قانوني سنبدأ في مداولته، فمن حيث إن قرار النائب العام رقم (158) لعام 1992م في المادة (4) الفقرة الأخيرة قد ذكر بأنه يرجع في تعريف الأموال العامة إلى الأحكام المقررة في القوانين النافذة، وبذلك يكون قرار النائب العام قد أحال تعريف المال العام إلى القوانين النافذة، وبالرجوع إلى القوانين النافذة لتعريف المال العام نجد أن المادة (118) من القانون المدني قد عرفت المال العام بأنه «كل مال تملكه الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة ويكون مخصصا للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو قرار، وهذا المال لايجوز التصرف فيه والحجز عليه ولاتملك الأشخاص له بأية وسيلة مهما بقي عاما، ويجوز للأشخاص الانتفاع به فيما أعد له طبقا للقانون، وما عدا ذلك فهو مال خاص سواء تملكه الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة، أو تملكه آحاد الناس». ومن خلال التعريف تتحدد العناصر الأساسية للمال العام وهي:

- أن يكون مملوكا للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة.

- أن يكون مخصصا للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو قرار.

- ألا يجوز التصرف فيه أو الحجز عليه.

- ألا تملك الأشخاص له بأية وسيلة.

- جواز الانتفاع به فيما أعد له طبقا للقانون.

أما ماعدا ذلك فهو مال خاص سواء تملكه الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو تملكه آحاد الناس.

فلو أخذنا هذه العناصر الأساسية لتعريف المال العام وتم تطبيقها على أراضي وعقارات الدولة الموكول لهيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني التصرف بشأنها فمن الوهلة الأولى تنتفي صفة المال العام لأراضي وعقارات الدولة، فأراضي وعقارات الدولة ليست مخصصة للمنفعة العامة لا بالفعل ولا بالقانون ولا بقرار، فهي إما تصرف للمواطنين لبناء سكن شخصي مقابل قيمة إيجارية تورد للهيئة، وإما للزراعة وبمقابل قيمة إيجارية، وإما للاستثمار وغير ذلك من أوجه التصرف الواردة في قانون أراضي وعقارات الدولة، ولهذا فإن أراضي وعقارات الدولة مما يجوز التصرف فيها وهي أيضا تملك للأشخاص، وعادة عندما تصرف ينتفع بها الشخص الذي صرفت له، ولهذا تنتفي العناصر الأساسية لمفهوم المال العام من أراضي وعقارات الدولة.

وقد ذهب التعريف إلى منتهى الدقة عندما صرح بأنه ماعدا ذلك يكون مالا خاصا سواء تملكه الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة، أو تملكه آحاد الناس.. وبهذا الصدد ودعما لهذا الطرح وسندا له نسرد ما قدرته المحكمة العليا في الطعن رقم (5189) لـ 1422هـ الصادر في جلسة يوم 27/1/1423هـ الموافق 9/4/2003م والمنشور في العدد الثاني الجزء الأول الصفحة (129) في مجلد القواعد القضائية المستخلصة من الأحكام الصادرة من المحكمة العليا والذي ورد فيه ما يلي «لقد نص الطاعن في السبب الأول من طعنه على الحكم المطعون بالبطلان لتأييده الحكم الابتدائي الذي حكم في موضوع ليس من اختصاصه، فالأرض محل النزاع من الأموال العامة للدولة، ما يجعل المحكمة الابتدائية غير مختصة وينعقد الاختصاص بنظر هذا النزاع، وحيث إن هذا النص في غير محله ومخالف لصحيح القانون، فالمادة (120) أصبحت(118) بعد التعديل» من القانون المدني أوضحت أن المال العام هو ماكان مخصصا للمنفعة العامة بالفعل، أو صدر قانون أو قرار جمهوري بتخصيص المال للمنفعة العامة.... إلخ، وبما أن الأرض محل النزاع لم تتوافر فيها إحدى الحالات الثلاث الآنف ذكرها المادة/ 120،118» من القانون المدني فالأرض محل النزاع ليست من الأموال العامة كما أوضحت الفقرة الأخيرة من المادة /120/3 مدني بقولها ماعدا ذلك فهو مال خاص سواء تملكه الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو تملكته الأفراد» إلى أن ذلك القرار «لكل ذلك يجعلنا نقرر أن هذه الأرض محل النزاع ليست من الأموال العامة لا فعلا ولا قانونا بالتالي لاتختص بها محكمة الأمول العامة وإنما يكون الاختصاص بالنزاع فيها للمحاكم الابتدائية».

مع العلم أن الأرض موضوع هذا القرار من الأراضي التي صدرت فيها مستندات انتفاع أو تملك من إدارة الإسكان والتخطيط الحضري.. بهذا ثبت يقينا لا شبهة فيه بالقانون وقضى بأن أراضي وعقارات الدولة التي تختص بها الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني لاتندرج ضمن مفهوم المال العام ومن ثم ينتفي الاختصاص بنظر تلك القضايا محاكم ونيابات الأموال العامة.

واستكمالا واستيفاء لهذه الدراسة نتناول ما أورده قانون أراضي وعقارات الدولة رقم (21) لعام 1995م الصادر في 21/8/1995م في مسألة الاختصاص نصت المادة (61) من قانون أراضي وعقارات الدولة على الآتي: «تختص المحاكم العادية بنظر الدعاوى والمنازعات الناشئة عند تطبيق أحكام هذا القانون..» فهذا النص صريح في تحديد اختصاص المحاكم التي تتولى نظر القضايا الخاصة بأراضي وعقارات الدولة وهي المحاكم العادية. وصراحة هذا النص يغني عن أي اجتهاد.

ولو عرجنا على بعض القوانين الخاصة المعنية بالمال العام كقانون تحصيل الأموال العامة لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أن اعتبارات أراضي وعقارات الدولة تندرج تحت مفهوم المال العام، وإنما مدخرات تلك الأراضي والعقارات سيسري عليها نظام تحصيل المال العام، وأيضا قانون مكافحة الفساد الذي حصر وعدد جرائم الفساد سواء في إطار القانون ذاته، أو في القوانين الأخرى، ولم يتطرق إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون أراضي وعقارات الدولة باعتبارها من جرائم الفساد ومن ثم إخضاعها لنيابات ومحاكم الأموال العامة على الرغم من أن الوقائع الساندة والمبطنة بكثير من الفساد هي قضايا أراضي وعقارات الدولة. ونرى أن المشرع من خلال هذا العرض قد جعل الجهة المعنية بأراضي وعقارات الدولة مثلها مثل أي شخص آخر طبيعي أو اعتباري في مخاصمتها القضائية ووفقا للقوانين النافذة.

نستنتج مما سبق أن قضايا أراضي وعقارات الدولة الموكول للهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني التصرف بشأنها طبقا لقانون أراضي وعقارات الدولة غير خاضعة لاختصاص محاكم أو نيابات الأموال العامة، وأن الاختصاص القضائي الصحيح والواجب التطبيق أن تخضع هذه القضايا لاختصاص المحاكم والنيابات ذات الولاية العامة، وأن أي اجتهاد بخلاف ذلك سيكون قد جانب الصواب وسيكون محلا للطعن ومن ثم البطلان، والقول بشمول الاختصاص لقضايا أراضي وعقارات الدولة في المحاكم ونيابات الأموال فإن ذلك يتطلب تدخلا تشريعيا، إما بإضافة الجرائم الواردة في قانون أراضي وعقارات الدولة رقم (21) لسنة 95م إلى جرائم الفساد الواردة في القانون رقم (39) لـ 2006م بشأن مكافحة الفساد أو بتعديل المادة (62) من قانون أراضي وعقارات الدولة وجعل الاختصاص بدلا من المحاكم (العادية) إلى محاكم الأموال العامة ولو تم التدخل بتشريع تنظيمي (قرار وزير العدل - قرار النائب العام) ستظل الذريعة قائمة والمجادلة مفتوحة مالم تحسم بالتقنين لسد الذرائع وإقفال المجادلة، وبرجاء أن تكون هذه الورقة قد لاقت قبولها، لاسيما أننا على مشارف عام قضائي جديد ليكون العمل بموجبها.. هذا وإن أحسنت فبتوفيق من الله تعالى وإن أخطأت فمن نفسي وعمل الشيطان. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى