مفهوم الجبهات الوطنية

> عبدالله باذيب:

> منذ أيام برز تكوين وطني جديد تحت اسم (جبهة الكتاب الأحرار),والتكوين الجديد لم يحمل هذه التسمية عبثاً واعتباطاً. . فلكلمة (جبهة) هنا دلاتها ومفهومها الخاص وتجاربها التاريخية.

إن التكوين الجديد ليس حزبا بالمعنى المفهوم، ولايأخذ بالنظام الحزبي الشائع، ولكنه تحالف وطني بين الكتاب الأحرار على اختلاف اتجاهاتهم وعقائدهم السياسية، وعملية ضم وتوحيد لأجنحة الصف الوطني من الكتاب بيمينه ويساره على أساس ديمقراطي، وطرح للخلافات الجانبية الثانوية في هذه المرحلة واستبعاد لنقاط الخلاف يقابله التقاء عند نقطة رئيسية هي نقطة التحرر من الاستعمار والوحدة والتفاف حول ميثاق وطني واحد.

إذن فالتكوين الجديد تحقيق للجبهة الوطنية بشكل مصغر وميلاد لها علي يد الكتاب الأحرار وعلى صعيدهم وحدهم وهو لذلك، ينبثق من حاجات شعبنا وينبع من ظروفنا الراهنة ويضع اساساً صالحاً لجبهة وطنية تتحقق على صعيد بلادنا كلها وتشمل كذلك العناصر المستقلة وسائر القوى الوطنية، وترتكز على قاعدة شعبية من الجماهير العريضة.

ذلك أن وحدة جميع القوى المعادية للاستعمار في جبهة وطنية قوية صلبة هي السبيل الصحيح والضمان الوحيد لهزم الاستعمار وأساليبه في الدس والتفرقة والايقاع بين الوطنيين وإثارة الخلافات والمشاكل بينهم بغية تفتيت وحدة الصف الوطني وتمزيق الوحدة الشعبية.

ولقد أثبتت التجارب التاريخية في بلادنا العربية وكل بلاد العالم أن الجبهة الوطنية هي الأساس الأول للانتصار على الاستعمار وكل القوى المعادية للشعب.

فالجبهة الشعبية هي التي حررت فرنسا من نير الاحتلال الهتلري.

ولولا رفض الحزب الاشتراكي للتحالف مع الحزب الشيوعي في جبهة شعبية قوية لما انتصرت الفاشية في فرنسا ولما عاد ديجول الى الحكم.

والجبهة الوطنية في اندونسيا هي التي قضت على عصابات المتمردين من عملاء الامريكان.. لقد رفض الزعيم سوكارنو الاستجابة لطلب المتمردين بإزاحة الشيوعيين من الحكم مقابل إلقاء السلاح والتسليم بزعامته، لأنه أدرك أن المتمردين يهدفون من وراء هذا الطلب إلى إضعاف الحكم الوطني في اندونسيا ليسهل عليهم القضاء عليه فيما بعد.

والجبهة الوطنية في سوريا هي التي صانت استقلال سوريا وحمته وكانت جدار الفولاذ ضد مؤامرات الاستعمار وعملائه، وبفضلها تحققت وحدة مصر وسوريا داخل إطار الجمهورية العربية المتحدة.. وعندما انطلقت غداة اعلان وحدة مصر وسوريا، بعض الاندفاعات العاطفية التي تعزو الى تحقيق هذه الوحدة الى حزب من الاحزاب او فئة من الفئات او فرد من الافراد أي العقيد عفيف البزري في ذلك تحريفاً للواقع الموضوعي واستفزازاً للفئات الوطنية الاخرى وتسهيلاً لمهمة الاستعمار واعوانه الذين يتخذون من مثل هذه الاندفاعات ارضاً خصبة لبث سمومهم الهدامة ولذلك قال عفيف البزري:

«إن الفضل في تحقيق الوحدة يعود اولاً واخيراً للشعب، وليس لهذا او ذاك من الناس، ولا لهذه الفئة او تلك.. ومن الاهانة للشعب ان يزعم أحد انه حقق الوحدة وحسب لان الوحدة للشعب، فهو الذي يريدها وهو القادر على تحقيقها وحمايتها، وان جميع العاملين من اجل تحقيق الوحدة ليسوا اكثر من ادوات تنفيذ في يد الشعب».

وكان البزري يريد بذلك حماية وحدة الصف الوطني.

والوحدة الوطنية تحت لواء (المؤتمرالوطني) هي التي صنعت ثورة الشعب العراقي. . وهي التي تحكم العراق اليوم وتبنيه من جديد على اسس وطنية ديمقراطية، اشتراكية.

إن حكومة الثورة العراقية نموذج للجبهات الوطنية. . فهي تمثل جميع القوى الوطنية من اقصى اليمين الوطني الى اقصى اليسار الاشتراكي.. وفي وزارتها يلتقي الجناح السياسي مع الجناح العسكري ويلتقي البعثي مع الشيوعي مع الوطني الديمقراطي مع الاستقلالي مع رجل الجيش..

وتحت قيادة هذه الجبهة الوطنية تسير العراق الى عالم جديد ، عالم الحرية والعدل والسلام ..

ومن خلال كل ذلك، نستطيع أن نقول إن الوحدة الوطنية، وحدة جميع الوطنيين على اختلاف احزابهم وهيئاتهم واتجاهاتهم السياسية في جبهة قوية متراصة ضرورة عاجلة ولازمة لكفاحنا الوطني ضد قوى استعمار والانفصالية التابعة له.. وهي شرط لنجاح حركة مقاطعة انتخابات المجلس التشريعي القامة وانجاز اهدافها.. وفي عملنا لبناء هذه الجبهة الوطنية يجب ان لا نسعى الى فرض شروط فلا يمكن أن تكون الجبهة ملكاً لهيئة او جماعة وطنية معينة.

وعلى أساس النقاط التي نتفق عليها ستقوم الجبهة التي ننشدها.. أما النقاط التي نختلف عليها فيجب ويمكن ان تسوى وتعالج داخل اطار الجبهة.

ولقد ولدت جبهتنا الوطنية المنشودة على يد الكتاب الأحرار.

ولابد ان تمتد وتتسع حتى تشمل الشعب كله.

العدد(44) في 28/سبتمبر/1958م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى