قصة عدن الصغرى

> «الأيام» متابعات:

>
كان يوجد في جزيرة عدن الصغرى أو كما كانت تعرف بجبل (إحسان) - قبل بناء مصفاة النفط البريطانية - مركزان سكانيان هما : البريقة، وبئر فقم التي كانت تضم قرى الصيادين.

تأليف : Harry Cockrill . . ترجمة : حمزة عبدالقادر العطار - المعهد التقني الفندقي والسياحي/ عدن

ووجدت أدلة تفيد بأن الغزو البشري لعدن الصغرى يرجع إلى العصر النحاسي في الفترة (مابين القرن 4500 ق.م- 3000ق.م) وحتى القرن التاسع عشر الميلادي لم يتمكن أجداد القرويين الحاليين من تأسيس موطنهم الحالي في عدن الصغرى.. ففي ذلك القرن كانت الأرض ملك قبيلة العقربي، التي كانت قد انفصلت عن السلطنة اللحجية في عام 1770م تحت إمرة (الشيخ مهدي) الذي قام بتأسيس دولة مستقلة في مركز بئر أحمد .

وفي عام 1834م زار الكابتن هينس من البحرية الهندية (الذي قام بغزو عدن بعد ذلك بخمسة أعوام) المنطقة - وكان حينها يقوم بمهمة مسح للساحل الجنوبي للجزيرة العربية - وقال عن بئر فقم بأنها تلك المنطقة المحاطة بأكواخ الصيادين، التي يقع بالقرب منها ضريح الولي الصالح (الغدير) والتي استقرت بالقرب منها (قبيلة العقربي) وكانت القوارب الصغيرة التي تؤول إلى الساكنين ترسو في (بندر الشيخ) و(غور قادر) - وهما مرفئان صغيران يتبعان قبيلة العقربي - تحمل البن والقطن وغيرهما من السلع التجارية إلى المناطق المجاورة، لم يشر (هينس) مطلقاً إلى (قرية البريقة) في تقريره، فهي إما أنها كانت قرية صغيرة جداً أو اعتبرت غير مهمة أو أنها لم تكن موجودة على الإطلاق .

والذين استقروا في (بئر فقم) من السكان الأوليين لم يكونوا من الصيادين بل كانوا رجال قبائل من المناطق النائية قدموا من (وادي معادين) المتاخم للملكة المتوكلية اليمنية، مشكلين مجموعة قبلية واحدة اسمها (المسافيراه) واستقروا في البدء في (بندر الشيخ) إلا أنهم وبعد معارك مع رجال قبيلة العقربي نزحوا نحو الساحل وأسسوا لأنفسهم قرية (بئر فقم) وبقوا فيها حتى ذلك الحين، وعملوا في مجال رعي المواشي وكانوا يعتبرون أنفسهم أدنى عرقياً من العقارب، وامتدت أراضيهم إلى (الوادي الصامت) وحول المنطقة التي تقع حاليا عليها منشآت مصفاة النفط البريطانية B.P.

وقد ازدانت تلك المنطقة بالأشجار الكثيفة حتى أن السكان الحاليين يتذكرون كيف كان أجدادهم يتعقبون الغزلان في ظلال تلك الشجيرات الكثيفة التي كانت تصل إلى الوادي الصامت إلا أن تلك الأشجار تم استئصالها حالياً من أية نباتات تذكر، وانتقل البعض من (آل المقوري) الذين سكنوا هذه المنطقة إلى منطقة (رُباك) على الطريق المؤدي إلى عدن .

وينتمي بعض من السكان الأوليين الذين أسسوا قرية البريقة إلى حضرموت من آل السباعي والشحاري قدموا من الشحر - التي تقع في شرق مدينة المكلا - والآخرون كانوا من آل الهنيدي والجيبايلي والرشيدي، وعلى الرغم من أنهم كانوا يدفعون الضرائب للشيخ العقربي مقابل حمايتهم إلا أنهم كانوا عرضة للهجوم عليهم وباستمرار من رجال قبيلة العقربي .

وفي عام 1850م قتل بحار بريطاني في بئر أحمد وكانت العلاقة حينها بين قبيلة العقربي والسلطات البريطانية في عدن مقطوعة وحوصرت منطقة عدن الصغرى من قبل البريطانيين في عدن لمنع العقارب من التموين عبر بئر أحمد ورفع الحصار في عام 1857م وتحسنت العلاقة مع السلطات البريطانية مرة أخرى .

واشترت بريطانيا جزيرة عدن الصغرى في عام 1869م من الشيخ العقربي مقابل 30,000 دولار وكذلك تم شراء الشاطئ بين عدن وخور مكسر في 1888م بـ:2000 دولار.

وكانت مشكلة المياه من أهم المشاكل التي واجهت المستوطنين، فبئر فقم كانت تتمون من (بئر حريقة) وهو يقع في طريق صغير فوق الوادي يطل على القرية وتتمون البريقة من (بئر ناصر) وهو بئر بجانب الخيسة، وكذلك من بئر في الوادي الصامت ويعرف بـ(بئر سلمى) وهذا يعني أنه توجد ثلاث آبار رئيسية، إلا أن كمية ونوعية المياه التي تزود بها هذه الآبار تعتمد في الأساس على هطول الأمطار ولأن كميات الأمطار التي كانت تهطل قليلة، فقد أدى ذلك إلى ضعف التموين للقرى المجاورة. وبما أن المنطقة كانت تحت إمرة الشيخ العقربي، فالمياه كانت تشترى من بئر أحمد أو من القرية الساحلية العقربية (الحسوة)، وكان قرويو البريقة ينقلون المياه بأنفسهم بواسطة قواربهم الشراعية من خور مكسر، وكانت تنقل المياه إلى عدن الصغرى بواسطة الجمال أو عبر المراكب الشراعية. وأمام هذه الأزمة طلب عاقل البريقة من السلطات البريطانية في عدن إنشاء خزانين للمياه في الجبل بجانب الوادي شبيهين بصهاريج الطويلة وبالفعل أقامت السلطات البريطانية خزانا استخدم بشكل كلي لأغراض الشرب وأقيم مركز صغير للشرطة على الطريق الموصل من الوادي إلى الصهريج، وكان تحت حراسة شرطيين ليضمنا استلام السكان كميات المياه التي حددت لهم من قبل العاقل، وبيعت المياه (من عانتين إلى ثلاث عانات) للأربعة جالونات وفي الأعوام التي سبقت الحرب العالمية الثانية 1945-1930م تم بناء خزان إسمنتي لتموين قرية البريقة بالمياه بواسطة محرك ينتقل مابين البريقة والشيخ عثمان .

وقد سُمي المقوريون الجبال التي كانت حولهم بـ(جبل الهنود، جبل الحلاجة، جبل المحايمار، جبل المزلقم، جبل الرمانة) وجاء اسم جبل الهنود كون هذا الجبل كانت تعكسر فيه القوات الهندية، التي كانت ضمن القوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى -1914 1918م وكانت تتزود بالحليب والبيض بواسطة المقوريين .

عُرفت الحرب العالمية الأولى بين السكان في عدن بـ(حرب الباشا) ويقصد بالباشا (سعيد باشا) وهو جنرال عسكري تركي قدم من اليمن - التي كانت حينها تتبع السلطنة العثمانية - في عام 1915م وغزا كلا من لحج والشيخ عثمان إلا أنه لم يتمكن من احتلال جزيرة عدن الصغرى، كما ذكر ذلك السير (توم هيكنبوثم) حاكم عدن في الخمسينات من القرن العشرين في كتابه (عدن).

وعُرفت الحرب العالمية الثانية محليا بـ(حرب الطلياني) أو (حرب الطليان) وفي عام 1940م بنى البريطانيون حصناً عسكرياً على قمة (أبو خيمة) وبعد اجتياح القوات الإيطالية أرض الصومال أسقطت طائراتهم منشورات على كل أنحاء مستعمرة عدن ومن بينها منطقة البريقة تحذر السكان من غارات الطائرات الإيطالية، وفي إحدى الغارات طارت الطائرات الإيطالية وبشكل منخفض فوق البريقة وعلى وجه الخصوص فوق موقع الحصن العسكري وأسقطت سبع قنابل ست منها سقطت بالقرب من ضريح الولي الصالح (الغدير) والسابعة سقطت على الرمل بجانب أحد التلال وانفجرت وهرب القرويون إلى (الوادي الصامت) وبقوا فيه لمدة عشرة أيام للاحتماء به قبل أن يعودوا إلى منازلهم .

وخلال الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية لاحظ سكان عدن الصغرى العديد من التغييرات الإيجابية كتأسيس معسكر حربي كبير بجانب بئر فقم، وكذلك إنشاء مصفاة النفط التابعة لشركة الزيت البريطانية BP مما دفع الكثير من القرويين إلى ترك مهنة الاصطياد والالتحاق بالعمل مع القوات المسلحة البريطانية أو في المصفاة، وهذه التغيرات أدت إلى التوسع الكبير في القرى وعملت على استقرار سكان المناطق النائية في مدينة البريقة، وساعدت على تغيير نمط معيشتهم إلى الأفضل بعد أن كانوا يعيشون في ظروف قاسية، وحتى الذين بقوا للعمل كصيادين جهزوا قواربهم بمحركات لنقل إنتاجهم من الأسماك إلى الأسواق وبسهولة، وكانوا يذهبون إلى لحج - حوالى 25 ميلاً - لبيع ما كانوا يصطادونه.

وعلى الرغم من كل هذه التغيرات إلا أن حياة القرية مازالت تعكس نفسها على سكان مدينة عدن الصغرى من حيث بساطتها والتمسك بمعتقدات الأسلاف .

THE STORY OF Little Aden

:by :Harry Cockrill p. 1-6

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى