رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة جورجيا: على العلماء أن يناقشوا خلافاتهم الفقهية بينهم ولا يشغلوا الناس بها

> «الأيام» عن «الشرق الأوسط»:

> حذر د. عبد الهادي كنيث هونر كامب رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة جورجيا بأثينا من أثر فوضى الفتاوى التي تنشر عبر الفضائيات، وتحدث بلبلة وانقساما في الشارع الإسلامي، مما يعطي لغير المسلمين انطباعا سيئا عن الإسلام، مطالبا علماء الأمة الإسلامية بعدم مناقشة الخلافات الفقهية بين المذاهب الإسلامية أمام عامة الناس وشغلهم بهذه الخلافات.

كما أكد د. كامب في حوار مع «الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي الذي نظمته الرابطة العالمية لخريجي الأزهر في القاهرة مؤخرا تحت شعار (الأزهر والحوار مع الغرب) أن «العقل المسلم يعاني من أزمة فكرية، ومن ثم لا بد من انتهاج العالم الإسلامي لسياسات إصلاحية في مجال الفكر والاقتصاد والتعليم واستلهام أسباب التقدم العلمي والحضاري من التراث الإسلامي الذي توارثته الأمة الإسلامية»، مشيرا إلى أن «العالم الإسلامي لم يفلح في تحديد المنطلق الصحيح في عملية التغيير نحو غاياته المرجوة، وبالتالي لم يصل بعد إلى النقطة المحورية لهذا التغيير». كما تطرق الحديث إلى رأي كامب فيما يتعلق بحوار الحضارات والأديان وظاهرة العداء للإسلام.. وفيما يلي نص الحوار:

- بصفتك أستاذا للدراسات الإسلامية.. في رأيك ما مدى صلاحية الفكر الإسلامي للإسهام في تحقيق النهوض بالعالم الإسلامي ومسايرة عصر التقدم؟

ـ أولا هناك حقيقة تقول إن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان. وهذه الميزة يتميز بها الدين الإسلامي عن باقي الأديان السماوية؛ لأنه جاء كرسالة عالمية خاتمة لكل الأديان، وهناك حديث نبوي يقول: «إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها». فالتجديد في الإسلام أمر ضروري، وسنة من سنن الحياة، مع العلم أن التجديد لا يكون في ثوابت الدين، وإنما التجديد يكون عن طريق الاجتهاد وفق معطيات العصر، ولذا فإن التجديد له أهمية فائقة في مختلف شؤون الحياة، وفي مجال الدراسات الإسلامية سواء ذات الطابع الفكري أو الفقهي، وإيجاد الحكم الشرعي للوقائع المستجدة. لكن للأسف نجد أن الانغلاق الفكري أصبح هو السمة السائدة في هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. فالمتأمل للواقع الفكري للأمة لا بد أن يلحظ اتجاه كثير من قيادات التوجيه الديني في المجتمعات الإسلامية إلى تأصيل الخلاف المذهبي والفكري بين المسلمين، وذلك عن طريق السعي - بقصد أو غير قصد - نحو إبراز سمات التمّيز والتّفرد بين جماعات ومذاهب المسلمين، بدلا من التماس الأصول المشتركة التي يتم على أساسها التلاقي. ومن أثر هذا تصاعد وتيرة الخلاف والتعصب المذهبي والطائفي بين المسلمين الذي يعمل على تشتيت الجهود وإهدار الطاقات، مما ينعكس سلبا على واقع المسلمين وتشتيتهم وتفكك وحدتهم. وما كان لهذه السلبيات أن تنتشر في الساحة الإسلامية إلا لأن الفكر الذي يرتاد لها الآفاق يحرص على التّفرد، بدلا من أن يتسامى إلى استشراف اللحظة التي تنصهر فيها طوائف وجماعات المسلمين في مفهوم الأمة الواحدة، وبالتالي فإن المسلمين في حاجة إلى الخطاب الفكري الإسلامي المتجدد الذي لا يغفل عن ربط مصالح المجتمع. وأكثر ما نلاحظه الآن أن العقل المسلم يعاني من أزمة فكرية.

- لكن أمام هذه الإشكالية.. ما الحل الذي تقترحه؟

ـ لا بد من انتهاج العالم الإسلامي سياسات إصلاحية في مجال الفكر والاقتصاد والتعليم، واستلهام أسباب التقدم العلمي والحضاري من التراث الإسلامي الذي توارثته الأمة الإسلامية، والتجديد في الفكر الإسلامي وإعمال هذا الفكر المنهجي السليم القادر على صياغة هادية هادفة قادرة على استيعاب التنوع الإنساني وطيه تحت جناح التوحيد، فضلا عن العمل بجدية وحزم لمواجهة فوضى الفتاوى التي تنشر عبر الفضائيات وتحدث بلبلة وانقساما في الشارع الإسلامي، مما يعطي لغير المسلمين انطباعا سيئا عن الإسلام، وبالتالي فإنه يجب على علماء الأمة الإسلامية عدم مناقشة الخلافات الفقهية بين المذاهب الإسلامية أمام عامة المسلمين وشغلهم بهذه الخلافات.

- لعلكم تلمسون أكثر من غيركم حالة العداء السافر للإسلام في الغرب، من وجهة نظركم ما هو سبب هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن مواجهتها؟

ـ لا شك أن السبب الأساسي وراء انتشار ظاهرة العداء للإسلام هو الجهل بحقيقة الإسلام، فضلا عما تروج له وسائل الإعلام من أكاذيب، هذا بالإضافة إلى تقاعس المسلمين وتخلفهم عن استغلال معطيات العصر في التعريف بالإسلام الصحيح، ونحن من جانبنا كمسلمين غربيين نعيش في أحضان الغرب نقف في الصف الأول في القيام بمهمة التعريف بالإسلام الصحيح. أيضا لا بد من نشر قيم الرحمة والتسامح التي جاء بها الإسلام. فالتسامح يعبر عن الاحترام والقبول والتقدير لمختلف الثقافات والاتجاهات الفكرية والعقلية، ولا بد أيضا من تجديد الخطاب الديني. وهذا الخطاب لا بد أن يكون مرتبطا بحقوق الإنسان في الإسلام، وما أبدعته الحضارة الإسلامية في الممارسة العملية في هذا الجانب حتى يتعرف غير المسلمين على هذا الجانب المهم في بناء نهضة وتقدم الأمم والحضارات. ولا بد أن يعمل الخطاب الديني على غرس الأمل وبث التفاؤل في قلوب وعقول المجتمع الإسلامي والعمل على شحذ طاقات الأمة لمواجهة التحديات الراهنة بدلا من الإحباط والتشاؤم.

- هناك رؤيتان متناقضتان: الأولى تدعو إلى أهمية الحوار بين الأديان والحضارات، والأخرى ترى عكس ذلك، فأي الرؤيتين تؤيد؟

ـ الحوار بين الأديان ضرورة لبناء مستقبل آمن للبشرية، لأن الحوار أساس التعارف والتعرف على الآخر وحضارته وثقافته، عكسه الجهل نتيجة لعدم وجود هذا الحوار. فالحوار مهم في تحقيق التعايش الإنساني بين أتباع الحضارات، وقد حثنا الإسلام على الحوار مع أتباع الحضارات والعقائد الأخرى للاتفاق على قواعد مشتركة تؤدي إلى الحفاظ على أمن الإنسان في الحياة والعيش بسلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى