«الأيام» في وادي الفجرة همزة وصل الصبيحة الشرقية بالغربية .. حضور عريق في عمق الزمان والمكان ينهشه الظمأ وقسوة الصحراء والحرمان (2-4)

> «الأيام» علي الجبولي

>
في أقصى الجنوب الغربي من النطاق الإداري لمديرية طور الباحة محافظة لحج، وعلى بعد نحو25 كم من عاصمتها. يمتد وادي الفجرة بتضاريسه المتميزة على التخوم الإدارية الشرقية لمديرية المضاربة وعلى مقربة من التخوم الجنوبية الشرقية لمديرية المقاطرة، مضيق عبور وحيد يصل شرق الصبيحة (طور الباحة) ببلدات الصبيحة الغربية قبالة الساحل الشرقي لخليج عدن والبحر الأحمر .

وادي فريد التضاريس يمتد من الشرق إلى الغرب , تلتقي فيه عدد من الأودية، فتبدو متعامدة عليه من شماله وشماله الشرقي و الغربي بصورة غريبة، حتى ليبدو أشبه بمصب مائي أو حفرة راشحة تصب عليها مخرجات عدة مدن، حتى يحط رحاله في خليج عدن. مكانة تاريخية تزخر بمعالم أثرية قديمة رغم تواضعها، تبدو كحصون عسكرية قديمة اندثرت وأخرى لم يبق منها سوى بقايا أطلال، آثار مبان وبئر عتيقة جدا، وحياة بؤس وبداوة مبعثرة في تداخل السهل والجبل والوادي والصحراء. بيد أن ظمأ أهالي وادي الفجرة وانعدام أبسط مقومات الحياة والخدمات وغرابة المعانة وإصرارهم على تحدي قسوة الحياة، كان الحافز الرئيس لارتحال «الأيام» إلى تلك المنطقة.

مدرسة الاسم أكبر من المسمى

تركنا بئر الفجرة لزيارة مدرستها الوحيدة مدرسة الفتح في الطرف الشمالي للوادي، تأسست قبل 38 عاما لكنها تجمدت في مكانها وإن تحركت فإلى الوراء دون تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.. صف دراسي متهالك بني بطريقة بداية قبل 25 عاما، ثلاثة فصول جديدة بنيت بجواره منذ 13 عاما، لكن حجم المشكلة أكبر من المبنى المدرسي. فتكوين المدرسة في منطقة يصل سكانها إلى 1500نسمة لا يتجاوز 36 تلميذا وتلميذة فقط في الصفين الأول والثاني الابتدائي يفترشون الأرض في شعبتين تفتقر لطاولة واحدة. ما يعني أن نسبة الملتحقين بالمدرسة إلى إجمالي السكان أقل من 2.5 %، ما يعني أن هناك أضعاف هذا العدد من الأطفال خارج المدرسة. معلمان اثنان فقط يتطوع معهما طالب من كلية التربية. .

خلال جولتنا وجدنا مدير المدرسة مهدي علي عوض الذي يتولى إدارة المدرسة وتدريس 28 حصة أسبوعيا حسب قوله، سألناه أين التلاميذ؟ وما أسباب عزوفهم عن الدراسة قال: «عدد التلاميذ 26 تلميذا و10 تلميذات فقط في الصفين الأول والثاني الابتدائي والثالث مغلق هذا العام. المنطقة مترامية، الظروف المعيشية القاسية للمواطنين وقلة الوعي، ومصاعب الحياة، وخاصة شحة المياه، ونقص المدرسين أعاق تأهيل المدرسة بإضافة صفوف دراسية، تباعد القرى عن المدرسة لا يشجع المواطنين على إرسال أطفالهم إلى المدرسة وخاصة البنات.. من أكمل صف ثالث ابتدائي يبحث له عن مدرسة ليدرس الصف الرابع، أو يجلب الماء، أو يرعي أغنام أو نحل أسرته. هناك مدارس في مناطق بعيدة من لدى أسرته إمكانيات ترسله إليها، أما الفقراء فيرعون مواشيهم. البنات هن عماد جلب الماء ولا يمكن أن يذهبن مسافات طويلة بحثا عن الدراسة في مجتمع هذه ظروفه.لا يوجد من أبناء المنطقة خريج جامعي واحد.. حتى اليوم طالب واحد لا يزال يدرس سنة رابعة في كلية التربية ويدرس معنا متطوعا، لا يوجد معلمون من أبناء المنطقة غيري كمدير المدرسة ومعلم آخر».

يقول عبد الله علوان: «لا أثر للدولة في الفجرة سوى 3 فصول دراسية، ولا يستطيع أطفال القرى البعيدة الوصول إليها, والدراسة إلى الصف الثالث ثم تذهب البنت تبرح الماء والولد يرعى المواشي، الأمية عندنا تنتقل بالعدوى من جيل إلى جيل».

هذا الواقع المخيف في منطقة عرفت التعليم مبكرا منذ عهد الاحتلال البريطاني يقول الشيخ علي صالح الخليفي: «عرف وادي الفجرة التعليم في الستينات على يد الشيخ المرحوم هواش صالح الخليفي الذي تولى التحصيل في جمرك الفجرة واتخذ منه فصلا لتدريس الأطفال، جاء بعده في أواخر الستينات الأستاذ سعيد عبدالله حيدرة (مدير عام مديرية طور الباحة حاليا) كأول معلم يصل المنطقة، ثم الفقيد عبدالله ثابت سعيد الحميدي قبل أن يتعرض للاعتقال والإخفاء السياسي، ثم بنت الدولة فصلا دراسيا في الوادي واستقدمت له معلمين من الحوطة».

طريق يعبث بأراض خصبة

أثناء توغلنا جنوب الوادي برزت أراض زراعية خصبة يمزق بعضها طريق شق وسطها وعاث بها خرابا لا مرور الطريق ولكن عبث التهاون ومخالفة المواصفات، وتوقف مقاوله ومغادرته العمل منذ أكثر من عام، بعد أن عاث في الأرض فسادا وتركها دون تصليح.

طريق الخطابية ـ رأس العارة طريق حيوي وله منافع كبيرة على أبناء الصبيحة كافة في حال إنجازه. فالطريق سيربط عبر هذا المضيق الصبيحة الشرقية ( طور الباحة ) بالصبيحة الغربية ( المضاربة) بطريق أسفلتي يسهل سفرهم بدلا من الطريق الصحراوي الحالي الذي يكبدهم مشاق ثلاث ساعات، لكن العمل في تنفيذ الطريق موقف منذ أكثر من عام ومقاولا تنفيذه من الجهتين الشرقية والغربية غادرا بلا رجعة، وما نفذ شقه وتسويته من الطريق عبث بأراضي ومساقي المواطنين .

وضعت عبارات لتصريف مياه الوديان والشعوب بأقطار صغيرة لا تتسع لعبور المياه، وفي أول مواجهة مع السيول أواخر أكتوبر الماضي فشلت في استيعابها، إذ سرعان ما جرفتها السيول أو سدتها بالأشجار، فتحولت السيول من نعمة الري إلى نقمة الخراب.

جرفت الأرض ومحت أسوامها من الوجود، جرفت الاعبار والسواقي وحولت مجاري الماء إلى أراض أخرى فتسببت بجرفها، أو حالت دون وصول الماء إلى معظم الأراضي الزراعية.

يقول أحد فارس ناصر: «لم نعترض على شق الطريق وسط أراضينا لمعرفتنا بأهميته في خدمة الناس، لكن المقاول الذي نفذ الشق من جهة الفجرة خرب الأسوام الأعبار والأرض ثم توقف عن العمل وغادر المنطقة ولا نعرف أين ذهب. وضعوا عبارات صغيرة الحجم لا تتسع لمرور مياه السيول، وبعضها أحضروه محطم وتكسر أثناء كبس الطريق، ولما جاء السيل كسر بعضها وبعضها سده بالأشجار، فتسبب بأضرار وخسائر كبيرة في أراضينا بعضها جرفت وبعضها حرم من السقي.

المقاول غادر المنطقة ولم يعد حتى اليوم شكونا لكل الجهات لإلزامه بسرعة إنجاز الطريق لنتمكن من إعادة إصلاح ما خربه في أراضينا ولكن ما أحد سمع شكوانا».

ويضف عبدالله علوان: «للطريق فوائد كبيرة لمنطقة الصبيحة ومن أجله تحملنا ما أصابنا من أضرار، لكن المقاول خرب أراضينا وترك العمل.

يعمل ببطء منذ عام 2003م ولو كان جادا لأنجز الطريق في نفس العام، ولكنه خرب أراضينا حينما شق الطريق بالآليات ثم أوقف العمل، وبعد سنة عاد ونفذ أعمال خطأ يدركها المواطن العادي, وضع عبارات صغيرة لا تتسع لعبور الماء، وبعضها تكسر أثناء الردم والكبس ولما جاء السيل لم نستطع استيعاب مرور الماء فجرفت وخربت ما تبقى من أراضينا وحرمت عشرات الأفدنة من السقي دون مبالاة بأن هذه الأرض مصدر عيشنا الأساس».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى