«الأيام» تنفرد بنشر صورة ضريح ومنزل أول شهيد يمني روت دماؤه أرض فلسطين .. ما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى أمثال الشهيد اليمني البطل محمد سعيد باعباد

> «الأيام» صلاح العماري:

> قال عنه الشهيد عبدالله عزام : (تقدم لحركة فتح الكثير لكنهم غثاء عدا ثلاث سرايا بها شخصيات متزنة استشهد منهم ضابط يماني اسمه محمد سعيد باعباد )..

وقالت حركة فتح :(يا أهل قصيعر ارفعوا رؤوسكم إن بطلكم جاء إلينا ولم يذكر لنا الرتب التي يحملها وقاتل معنا كأي جندي).

كم نحن اليوم في العالم الإسلامي أحوج ما نكون لأمثال الشهيد البطل ابن مدينة قصيعر الساحلية الحضرمية اليمنية النقيب محمد سعيد باعباد، الذي روت دماؤه تراب أرض فلسطين عام 1970م وهو يدافع بشجاعة عن أرض الأقصى الشريف ليصبح أول شهيد يمني في فلسطين الجريحة.

في ظل الحرب الإسرائيلية الضروس اليوم على قطاع غزة وإحكام قبضة العدو الصهيوني على أفواه قادة العرب لتكميمها.. تتضاعف الحاجة لاستذكار الشهيد باعباد الذي ترك الديار وغادر إلى جبهة النار راغباً في الجنة دار القرار.

وانطلاقاً من فعله العظيم الذي لايكافئ أمثاله الله سبحانه وتعالى إلا بالجنة، رأينا أنه من باب الإنصاف تسليط الضوء بشكل أكبر على حياة وجهاد البطل الشهيد النقيب محمد سعيد باعباد، وتوجهنا صوب مسقط رأسه وموطن جثمانه مدينة قصيعر الساحلية بمديرية الريدة وقصيعر بمحافظة حضرموت، وهناك سألنا عن منزله وكان يرافقنا الأخ العزيز عمر صالح باعباد، أحد أفراد أسرة آل باعبَّاد الشهيرة في حضرموت، الذي سهل علينا المهمة، ويرافقنا الزميل العزيز المصور الصحفي رشيد بن شبراق، وفي منزل الشهيد الذي يتكون من طابق واحد من الحجر القديم، ويقع على الشارع الرئيس والوحيد بمدينة قصيعر تعرفنا على ابن شقيقة الشهيد الأخ فائز محمد باعباد، الذي يعيش في المنزل مع والدته، والذي رحب بنا وأكد أنه ووالدته يعيشان في المنزل المتواضع بعد أن توفي والد الشهيد سعيد باعباد .

وللشهيد أربعة أشقاء توفي منهم أحمد وعبدالرحمن ويعيش منهم في قصيعر عبدالله وسالم سعيد باعباد .

وطلبنا منه رؤية ضريح الشهيد فاصطحبنا إلى مقبرة باعلوي بقصيعر، وهناك شاهدنا ضريحه وقد كتب عليه (قبر الشهيد محمد سعيد باعباد، شهيد فلسطين)، وقرأنا الفاتحة على روحه الطاهرة ودعونا له بالجنة مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا .. ووجدنا بجانب قبره قبرين أحدهما لوالده والآخر لوالدته طلبا قبل وفاتهما أن يدفنا بجانب قبر ابنهما الشهيد البطل .

منزل الشهيد باعباد في قصيعر
منزل الشهيد باعباد في قصيعر
ولد الشهيد محمد سعيد باعباد في 12 سبتمبر 1941م وهو الابن الثالث لأسرة متوسطة الحال مكونة من خمسة ذكور وثلاث إناث، وقد تميز (محمد) لدى والده لما امتلكه من خصال طيبة منذ نعومة أظفاره فكان يساعد والده في العمل ويصحبه إلى المسجد .

درس في المدرسة الابتدائية بقصيعر والتحق بعد ذلك بالمدرسة الوسطى بالغيل عام 1956/55م وفي عام 1959م سافر إلى الكويت وعمل ودرس هناك الثانوية في ثانوية الشويخ، وفي عام 1961م شارك ضمن المسيرات التي شهدتها الكويت وجميع الدول العربية منددة بانفصال مصر وسوريا، فطلب وزير التربية الكويتي من الطلاب العرب اختيار أي دولة أخرى فاختار محمد سعيد باعباد مصر، والتحق بالكلية الحربية بمصر عام -62 1965م وكان عميد الكلية حينذاك الفريق محمد فوزي الذي تولى فيما بعد قيادة القوات المصرية، ونال باعباد شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية وضابطاً برتبة ملازم أول مع مرتبة الشرف .

في عام 1965م عاد إلى أرض الوطن والتحق بالجيش النظامي في السلطنة القعيطية، وعين قائداً لإحدى السرايا حتى عام 1967م وتم بعد ذلك القبض عليه حتى 1969/2/3م حينها غادر إلى مصر مرة أخرى والتحق بمعهد البحوث والدراسات العربية العالي التابع للجامعة العربية ونال شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية وقطع شوطاً في تحضير رسالة ماجستير أخرى في القضية الفلسطينية .

وتنقل الشهيد محمد بين عامي 1070-69م بين مصر والأردن وسوريا والكويت، وظل يتواصل مع رجال المقاومة الفلسطينية بعد عزمه على الجهاد وانضم إلى حركة فتح في عام 1969م وكان مقاتلاً جسوراً اشتهر بالهدوء والانضباط والثقافة الواسعة فكان يناقش زملاءه عن تاريخ أمتهم ومبادئ ثورتهم وقدسية الجهاد من أجل التحرير، خاض العديد من المعارك وكان في طليعة الثوار، وفي الساعة الثامنة من مساء الجمعة 24 أبريل 1970م كان شهيدنا البطل مع قوة من المجموعة (29) يخوض معركة ضد العدو الصهيوني في منطقة المشروع شرقي أشدوت يعقوب استمرت أكثر من ساعة دفع خلالها العدو بنجدات كبيرة إلى المنطقة محاولا الالتفاف حول قواتنا، ودارت معركة عنيفة تسابق فيها الثوار حول من يحمي انسحاب رفاقه بعد أن أنجزوا المهمة المطلوبة، وأصر البطل اليمني على أن يكون هو الذي يحمل الشرف واستطاع أن يشق ثغرة في الحصار، ليسقط شهيداً يروي بدمائه اليمنية العربية أرض فلسطين مدافعاً عن الأقصى الشريف.. ولم يعلم أهالي قصيعر وحضرموت بالخبر إلا من إذاعة عدن عصر يوم الجمعة 1970/5/2م التي بثت خبر وصول جثمان النقيب الشهيد محمد سعيد باعباد إلى مدينة عدن قادماً من دولة الكويت بعد استشهاده ونيله الشهادة بشرف في معركة المشروع في أرض فلسطين المحتلة يوم الجمعة 24 أبريل 1970م.

منظر لمدخل مدينة قصيعر
منظر لمدخل مدينة قصيعر
وتم نقل جثمانه من موقع القتال إلى الأردن ثم العراق ثم الكويت وفي كل محطة كانت تستقبله جماهير غفيرة، ثم وصل جثمانه إلى عدن ومنها إلى مطار الريان برفقة وفد من حركة فتح ووزير الخارجية اليمني ووزير الثقافة والقائد العام للجيش وفي مطار الريان استقبله محافظ حضرموت وجمع من المسؤولين والمواطنين ونقل بعد ذلك إلى مدينة الشحر، حيث استقلبت جثمانه جماهير غفيرة وارتص الناس واختلطت الهتافات الوطنية بالتكبير والتهليل على طول الطريق إلى مدينة قصيعر ومرت الجنازة بمنزل الشهيد في قصيعر وألقت أسرته النظرة الأخيرة على جثمانه المسجى في ثيابه العسكرية تعلو وجهه ابتسامة وتحت عينه اليمنى آثار الرصاصة الغادرة التي استقبلها مقبلاً غير مدبر .

ووري جثمانه الطاهر الثرى في مقبرة باعلوي بقصيعر بحضور حشد غفير من كل حضرموت لم تشهد له قصيعر مثيلاً وبحضور وفد حركة فتح ووزير الخارجية اليمني ووالد الشهيد، وقبل ذلك تمت الصلاة عليه وأطلقت (21) طلقة. وألقى في المقبرة رئيس وفد حركة فتح كلمة من أبرز ما جاء فيها:«ارفعوا رؤوسكم يا أهل قصيعر إلى السماء إن شهيدكم الذي واريتموه التراب جاء ولم يذكر لنا نحن زملاءه الرتب التي يحملها ولا الشهادات جاء ليقاتل معنا كأي جندي». لقد عاش بطلنا اليمني محمد سعيد باعباد بطلا شهماً ومات شهيداً شجاعاً ومن أبرز ما وجد في مذكراته أنه كتب : «لايهمني في أي لحظة يختارني فيها القدر، ولكن كل مايهمني أن أكون في ساحة الجهاد المقدس لكي يكون موتي بداية لطريق الجنة التي وعد الله بها المجاهدين في سبيله وسأصدق الله إلى أن تتحقق الآية الكريمة: (من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا)، إن أقصى ما أبتغيه وأرجوه أن أسافر إلى الجنة بصاروخ موجّه، لي أملان أولهما الجهاد في سبيل الله وقد تحقق، والثاني أن أستشهد في سبيله وقد يتحقق إن شاء الله».

وكتب الشهيد البطل الشيخ عبدالله عزام شهادة يفتخر بها كل اليمنيين حين قال في كتابه (حماس حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين):«تقدم إلى حركة فتح الكثير من الناس، ولكن معظمهم غثاء ولكنها قدمت ثلاث سرايا كان الناس يطلقون عليها (قواعد الشيوخ)، وقد أبلت بلاءً حسناً وكنت أميراً في إحدى القواعد، وواكبت العمل الفدائي من أعوام 1070-67م وكانت بداية فتح نظيفة فيها شخصيات متزنة نحترمها لعلمها وثقلها واستشهد من أبناء الحركة الإسلامية 13 شهيداً منهم محمد سعيد باعبَّاد الضابط اليماني».

ابن اخت الشهيد باعباد بجانب قبرالشهيد
ابن اخت الشهيد باعباد بجانب قبرالشهيد
وكتب صديقه الشيخ القاضي عبدالقادر بن محمد العماري بيان أصدقاء الشهيد مما جاء فيه : «من يقدس الله روحه إلى الجنة المرحوم الأخ النقيب محمد سعيد بن علي باعباد، الذي استشهد وهو يقاتل في معركة الشرف والكرامة من أجل الدفاع عن الحق العربي في فلسطين، لقد عرفت الشهيد وعشت معه طويلاً، ولقد أباح لي عدة مرات بهذه الأمنية أمنية الشهادة في سبيل الله، وقد رافقته حضراً وسفراً ورأيته مثيراً للإعجاب في خصاله وسلوكه، شجاعاً براً تقياً شهماً متواضعاً مخلصاً محباً لأهله وأصدقائه وللإنسانية جمعاء قوي الشخصية وكريم الأخلاق ومحافظاً على أداء الشعائر الدينية».

بعد ذلك كله .. ألا تقشعر أبداننا من عظيم خصال ذلك الرجل .. لله دره .. إن صنيعه من صنيع المؤمنين الأوائل .. رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء والأبرار.

وحق لنا نحن اليمانيين أن نفتخر بما فعله .. بل وتفتخر به الأمه الإسلامية جمعاء حتى يحين موعد قدوم بطل مغوار جديد يترك الدنيا وراء ظهره ويسلك الشهادة في سبيل الله .

وتبقى مهمة التعريف بهذا البطل الشهيد ضرورة للأجيال في حضرموت واليمن خاصة أن المناهج الدراسية لاتتطرق إلى سيرته أبداً، مع ضرورة التذكير بخصاله وبطولاته من خلال إقامة فعالية سنوية تنظمها حضرموت لإبراز شهامة وخصال شهيدنا البطل محمد سعيد علي باعباد .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى