لماذا أهمل السودان أشهر رجاله؟

> «الأيام» عبد الرحمن الراشد:

> خلال الأشهر القليلة الماضية كنا نأمل في سماع خبرين عن الطيب صالح: أن يُجري عمليته الموعودة بنجاح، والثاني ترشيحه لجائزة نوبل للأدب العالمي. وبعد أشهر لا عملية ولا جائزة. علاجيا أمضى محاولاته بين الإمارات وبريطانيا، وكان إحساس معارفه أن الطيب يتهرب من العلاج، فقد صار مستسلما لواقعه الصحي الضعيف. أما الجائزة، ورغم ارتفاع الأصوات المختلفة التي توصي بترشيحه اعترافا بقيمته وتأثيرات أعماله، فإن الطيب نفسه كان يرفض نشاط جمهوره، ويردد شطر بيت الطيب المتنبي «أنا الغني وأموالي المواعيد»، متشككا في حصوله عليها. «في العالم عشرات الكتاب الموجودين الكبار الذين يستحقون نوبل، وفي العالم العربي كبار لم يعطوا جائزة نوبل. إذن هي كاليانصيب، ولن تأتي في الغالب».

كان التواضع شهرته الثانية بعد الأدب، فهذا الرجل الذي غزا بريطانيا مبكرا، وعمل في أهم إذاعاتها، وحقق الشهرة الروائية في منتصف الستينات، وكان ضيفا على دور النشر العالمية، واسما مهما في لوائح المنتديات المختلفة، مع هذا ظل بسيطا ومتواضعا وعاش فقط حد الكفاف. بالنسبة لي أعتز بالفترة التي عملت فيها مع الأديب الراحل الطيب لأكثر من عقد من الزمن في مجلة «المجلة»، وكانت بداياتها مع الزميل عثمان العمير. ورغم أن الشأن السياسي السوداني كان ولا يزال إلى اليوم مهما، فإن الطيب رغم موقفه الناقد لم يتحول إلى محارب حزبي، فقد عزف عن العمل السياسي مبكرا رغم أنه كان أكثر السودانيين شهرة في العالم. وعندما تجرأت السلطات السودانية على حظر بيع روايته جوبهت بنقد واسع من كل مكان، فاضطرت الحكومة إلى التراجع مدعية أنها ليس من منع الرواية. وفي إحدى المقابلات الصحفية سجل موقفه بالرد التالي: «إخواننا في السودان نفوا ذلك، ولكي أكون منصفا قالوا: (لا، لم نمنعها ولكن منع تدريسها في الجامعات). هو عذر أقبح من ذنب، لأنه إذا قلنا إن رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) تضر القارئ غير الواعي، إذن على المستوى الجامعي ما هو الضرر؟».

والمحزن أنه احتُفي بالطيب صالح في أنحاء العالم إلا في بلده السودان، خاصة في العهد الحالي. فقد رُحّب به في كل مكان شخصا وعملا، الليبيون جعلوا من إحدى رواياته عملا دراميا، والكويتيون عملوها فيلما سينمائيا، ونقل الألمان كل أعماله الأدبية من العربية إلى اللغات العالمية، وحرص المصريون على وجوده الشخصي والأدبي، واهتم به القطريون منذ أيام فقرهم، وكان نجما دائما في «الجنادرية» السعودي، عدا أن بريطانيا كانت الحاضن الأول له مع أنه صاحب الرواية الناقدة للاستعمار الإنجليزي، وصدام الحضارات.

وليس غريبا أن يكون المبدعون منبوذين في بلدانهم، لكن الطيب لم يكن رجلا قاسيا مع خصومه، بل لم تكن له خصومات، كلنا عرفناه رجلا مسالما ومتصالحا مع نفسه ومع من حوله.

بعد مماته، كما كان يفترض في حياته، يستحق من محبيه الاحتفاء به، في مشروع أدبي أو فيلمي لتكريسه كما عرفناه، واحدا من أهم شخصيات العرب في القرن العشرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى