بعد عشر سنوات من الجفاف .. الأرض ترتدي اللون الأخضر وعودة لحياة البدو الجميلة وذكريات اللبن والحقين والسمن البلدي

> «الأيام» أحمد بوصالح:

>
المئات من البدو الرحل
المئات من البدو الرحل
مساحات شاسعة من الأرض مكسوة بالخضرة، منظر بديع جذاب يسر العين والقلب ويسلب الألباب ، الفرحة باسطة على الوجوه عامة بعد غياب طويل، معاناة عشر سنوات عجاف كانت حافلة بالجفاف والبؤس الشديد إلى درجة القحط، باختصار هذه صورة عامة لحياة البدو الرحل الساكنين في المنطقة الواقعة بين عين بامعبد م/ رضوم وحصن بلعيد م/ أحور بعد أن منَّ الله جل وعلا على الصحراء في هذه البقعة بالإمطار الغزيرة في شهر نوفمبر من العام المنصرم 2008م، «الأيام» تنقلت بكاميراتها بين مطارح البدو ومراعي مواشيهم في الاستطلاع الآتي:

سنوات عجاف وجفاف :

منذ العام 1996م لم تشهد المنطقة الساحلية بمديريتي رضوم بشبوة وأحور بأبين هطول الأمطار، ومنذ ذلكم الحين بدأت حياة البؤس الحقيقي لبدو تلك المناطق الذين يعتمدون اعتمادا كليا في حياتهم على رعي الأغنام والمواشي.

منذ ذلك الوقت بدأت الأرض بالتصحر وتلاشى اللون الأخضر فيها، حتى اختفى تماماً، واكتست باللون الصحراوي الخالي من الماء والخضرة والوجة الحسن، فالبؤس هو الشيء الوحيد الذي كان حاضرا وبقوة..الأغنام اكتوت بنار الجوع، ولم يجد الرعاة من سبيل لإبقائها على قيد الحياة إلا بتغذيتها البر (القمح)، حتى اضطروا إلى شراء العشرات من أكياس القمح وبشكل متواصل لإطعامها، حتى في ذروة ارتفاع أسعاره التي وصل سعر الكيس الواحد إلى (6000) ريال للكيس الواحد، وذلك رجاء نزول رحمة الله وهطول الأمطار وعودة الحياة إلى الأشجار والأعشاب اليابسة..ولكن طال انتظارهم وزادت معاناتهم مما اضطرهم إلى التخلص من أجزاء كبيرة من حلالهم بالبيع والإبقاء على أعداد قليلة من رؤوس الأغنام.. ومع زيادة أسعار القمح، وبعد بحث مضنٍ عن البدائل وجد الرعاة في ثمار أشجار السيسبان (القرون) ضالتهم والبديل الأمثل، الذي راجت تجارته في السنوات الأخيرة.

قطيع من الأغنام
قطيع من الأغنام
وقفز سعر الكيس الواحد من ( 50 ريالا) إلى (300 ريال)، ولكن ظلت المعاناة وزاد الفقر بين صفوف البدو الرحل الذين لا يوجد بينهم إلا من رحم ربي موظف حكومي مدنياً أوعسكرياً.. ولكن على الرغم من ذلك لم ينقطع أملهم في رحمة الله.

وظلوا مستمرين في الدعاء بنزول الغيث ليل نهار، وفعلاً لم يخيب الله رجاءهم فأنزل عليهم الغيث الذي انتظروه طويلاً وبغزارة شديدة.

مصائب قوم عند قوم فوائد:

على الرغم مما خلفته كارثة الأمطار والسيول التي شهدتها محافظتا حضرموت والمهرة وبعض مديريات محافظة شبوة من خراب ودمار وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، إلا أنها كانت برداً وسلاماً على نفوس وقلوب البدو الرحل وجاءت بمثابة الإعلان عن الوداعية لسنوات طويلة من المعاناة والعيش الضنك خلال أيام وليال كان فيها المطر غزيراً جداً تصطدم زخاته بالأرض بقوة، إلا أن الأرض القاحلة كانت تضعه وسط أحضانها وتخبئه في أحشائها، من جراء قوة وشدة المطر.. تهدمت الخيام وانجرفت معدات الرعاة، وبقيت أجسادهم في العراء، إلا أن ابتساماتهم لم تبارح شفاههم والفرحة لم تفارق محياهم.. وهاهم الأطفال العراة يمارسون ألعابهم المرحة، ويعبثون بالمياه المتجمعة حول مطارحهم غير عابهين بشدة وقسوة البرد.

بدء حياة جديدة :

الإبل ترعى بعد سنوات طوال من الجفاف
الإبل ترعى بعد سنوات طوال من الجفاف
قال تعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي». صدق الله العظيم.

فعلاً صدق الحق وجاء المطر، وامتصته الأرض المتصحرة بشوق وحنين المفارق، وتباشير الخير بدأت رويداً رويداً.. وهاهي الأشجار اليابسة تعود للحياة من جديد، وهاهي الأعشاب والحشائش تنبري من الأرض على استحياء، والعيون تغازل الخضرة التي بدأت تضفي رداءها على مساحات شاسعة من الصحراء، لم يغب اللون الأخضر بعد.. في هكذا وضع كانت البهائم تهيم بحرية في رحاب الصحراء الخضراء، فقطعان الأغنام تغوص في المراعي.. والإبل تمارس طقوس العشق مع الحياة، فرقابها تتطاول لتطال أغصان الأشجار الطويلة تارة وتنحني تارة أخرى لتنتقي من الأعشاب المتنوعة في حالة انسجام مع الطبيعة الجميلة التي لاتضاهى.

لبن .. حقين .. سمن بلدي :

امتلأت بطون الغنم وغطى اللحم عضامها فدرت اللبن.. يااااه، كم من الزمن مر وقهوة الصباح (الشاي) لم تشاهد طافحة بروبة اللبن، والصبوح (وجبة الإفطار) تعود بالذاكرة إلى الخلف لسنوات عندما تجيء الكعدة (إناء الأكل) مليئة بالهريسة (خبز ولبن).. وكم هو جميل مشهد الأم وهي تعلم بناتها من (الجيل الجديد) طريقة عمل الحقين والسمن البلدي.

باختصار عادت الحياة لهؤلاء الفقراء من جديد بفضل الله تعالى، فالشياة (جمع شاة) تحمل وتلد، وبحمد الله تتكاثر الأغنام وتمتلئ (الزرائب)، وتنتعش حياتهم التي استنزفها البرد والقرون والفقر و...الخ.

خيام ومناحل عسل :

الزائر لتلك المنطقة الواقعة على جانبي الطريق الساحلي الدولي سيرى ذلك المنظر الإلهي الخلاب.. وسيتمتع برؤية مطارح البدو المتناثرة في الصحراء وقطعان الإبل والأغنام.. وسيسحر من دون شك بالتناغم الرائع بين الطبيعة والإنسان والحيوان.

النحل وسط المجاني
النحل وسط المجاني
حيث شهدت المنطقة توافد المئات من البدو من كل مكان والذين جاءوا من مناطق بعيدة بحثاً عن الرعي (الأعشاب).

وبالتالي انتشروا في تلك البقعة من الأرض وافترشوها مستغلين غنائها بالأعشاب الخضراء والمراعي.

كما توافد المئات من المناوبة (النحالين) من كل مكان.. وجاءوا بنوبهم (نحلهم) إلى حيث المجاني المجانية والمراعي والمساحات الخضراء الشاسعة.. فهم أي أصحاب النوب (النحالين) قد أعياهم الجفاف وأنهكهم شراء أكياس السكر الذي استخدموه بديلاً عن غذاء النحل.. وهاهو النحل يذهب صباحاً، ويمتص رحيق الأشجار المزهرة ويعود مساء إلى جبوحه (خلياته) ليفرز بداخلها عسلاً لذيذاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى