رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الميلاد والمنشأ..الشهيد الرائد محمد أحمد الدقم من مواليد قرية (الغول) بالصبيحة عام 1926م في أسرة فلاحية فقيرة، وتلقى مع أقرانه في قريته الدروس القرآنية، واتسمت بواكير سنواته بعدم الاستقرار بين الانتقال إلى المدينة عدن والعودة إلى القرية الغول.

أسهمت قسوة الطبيعة إلى جانب العامل الجيوسياسي في تشكيل كيان متمرد على الوجود البريطاني بفعل تأثير ثورة 23 يوليو 1952م بمصر، وتعرض محمد أحمد الدقم لإجراء إداري من قبل السلطنة اللحجية اتسم بالقسوة وذلك في منتصف العام 1962م.

الدقم في طليعة من لبوا نداء ثورة 26 سبتمبر

تداعى عدد كبير من أبناء الجنوب لتلبية نداء ثورة 26 سبتمبر 1962، وتقاطروا من كل حدب وصوب للوقوف إلى جانب الثورة الوليدة، وكانوا خير عون لها، حيث وصلت مجاميع كبيرة من المقاتلين الجنوبيين إلى تعز، وشكلت هناك أول سرية قتالية بقيادة محمد أحمد الدقم، واتجهوا بعد ذلك صوب صنعاء.

ومايزال الكثير من زملائه على قيد الحياة في الشمال والجنوب ويذكرون مآثر شهيد الثورة والوطن. (راجع: الشهيد الدقم.. ترعرع وفي يده فاس وفي ذهنه قضية: جلال السمان صحيفة «14 أكتوبر» - 13 أكتوبر 1988).

وفي موضوعه الموسوم (شهادة لجيل ضحى ومطالب لجيل يحترق) للناشط الحقوقي والكاتب المعروف علي هيثم الغريب الذي نشرته «الأيام» في عددها الصادر يوم 9 أكتوبر 2003م أفاد فيه أن «شهود التاريخ الصادقين بحجم اللواء علي السلال والشيخ سنان أبولحوم والفقيد يحيى محمد المتوكل والعميد محمد علي الأكوع قالوا كلمتهم للتاريخ.. فقال اللواء السلال من معارك الدفاع عن الثورة في قرى شوكان والهجرة والدرب وقرية تنهم استشهد حوالي (45 شخصا) فيما جرح (40) آخرون من سرية أبين ويافع.. ظلوا ينزفون من دون أن يسمح لهم بشرب الماء أو تضميد الجراح أو المأوى». (يقصد الأسرى).. وعندما توجه اللواء السلال لنجدة من تبقى من المناضلين الصامدين قال عن أبناء المحافظات الجنوبية الناجين: «أصروا على العودة معنا للقتال على الرغم من حالتهم النفسية واستشهاد عدد من زملائهم». (مرجع سابق / الغريب).

الدقم يفك الحصار عن اللواء علي السلال

فور وصول المقاتلين من أبناء الجنوب صنعاء توجهت ثلاث سرايا قتالية تعدادها ثلاثمائة مقاتل إلى بلاد خولان تحت قيادة الشهيد المناضل الرائد محمد أحمد الدقم لفك الحصار عن علي عبدالله السلال الذي حاصرته فلول المرتزقة والملكيين بمنطقة تنهم، وهناك دارت معارك طاحنة بين الجمهوريين والملكيين كانت نتيجتها اقتحام منطقة تنهم والوتدة وجبل اللوز وحررت هذه المناطق مع مناطق، وكانت نتيجة هذه الحملة التي قادها الرائد الشهيد محمد أحمد الدقم انتصارا ساحقا لمصلحة الثورة وإخراج علي عبدالله السلال من الحصار. (مرجع سابق/السمان)

علي السلال لا يبخص الجنوبيين أشياءهم

يقدم المناضل الوطني الكبير اللواء علي عبدالله السلال شهادته للتاريخ، حيث تحدث عن المعارك الكبرى الممتدة من ذمار حتى ماوية وخولان وجبل اللوز فقال: «أخيرا جاء الفرج بوصول الملازم عبدالله حسين زبارة ومعه المدد (دبابتان ومجموعة من أفراد الحرس الوطني من أبناء ردفان وحالمين والضالع ولحج)، وأرسلت لنا القيادة رسالة مواساة في الشهداء من سيرتي أبين ويافع الأبطال الذين وعدناهم بالثأر لهم ولزملائهم ممن غدروا بهم».

وأضاف اللواء السلال: «ازددنا قوة ومنعة بانضمام سلاح ثقيل لقوتنا ومجموعة من الحرس الوطني من أبناء المحافظات الجنوبية، ومن عرين الأسد الشهيد راجح بن لبوزة وأبناء الضالع الشجعان ويافع المغاوير ولحج الأبطال قررنا التحرك فجر اليوم الثاني لمفاجأة العدو، وشهادة للتاريخ أسال عنها أن أبناء المحافظات الجنوبية ممن تبقى من سريتي أبين ويافع وسرية حالمين وردفان والضالع ولحج كانوا يجرون خلف الدبابة كالأسود الكاسرة غير مبالين بنيران العدو الكثيفة على الرغم من أنهم كانوا مكشوفين، وأشهد أن الرائد محمد أحمد الدقم - رحمه الله - كان مندفعا كالأسد الجسور على الرغم من حمله رتبة عالية، واقترحنا عليه أن ينضم إلى القيادة في الدبابة الأولى خوفا عليه من الإصابة مع بطل جسور آخر هو الملازم محسن وهاس». (مرجع سابق /الغريب).

علي السلال يرفع أمر الدقم ورفاق سلاحه إلى والده

يفيد اللواء علي السلال أنه «بعد مضي ستة أشهر من الكر والفر وغياب المقاتلين الجنوبيين عن أهاليهم الذين زاد عددهم بعد عودة الجرحى من المستشفيات طلبت من الرائد الدقم وقادة سريتي أبين ويافع أن يقضوا إجازة في مناطقهم وزيارة أهاليهم وتسلم مرتباتهم، فرفضوا وطلبوا فقط مصروف الطريق، فعرض الأمر على والده المشير عبدالله السلال فشدد عل نجله علي أن يتسلموا رواتبهم كاملة مع سلاحهم، وأنه - أي المشير السلال - سيوجه القائمين على قصر السلاح بتغطية العجز إن وجد، إلا أن اللواء علي السلال فوجئ برد الجنوبيين إننا جئنا هنا لنؤدي واجب الدفاع عن الثورة الأم التي ستشعل ثورتنا ضد الاستعمار قريبا بإذن الله». (الغريب مرجع /سابق).

الشيخ سنان واللواءان المتوكل والأكوع شهود شجعان

ضمن الشيخ المجاهد سنان أبولحوم - أطال الله عمره ومتعه بالصحة - ذكرياته النضالية الوطنية في كتابه المرجعي «حقائق ووثائق ونقل بعضها من خولان ووادي صرواح وبني حشيش تلك المناطق التي خاض فيها أبناء المحافظات الجنوب معارك الشرف والبطولة مع إخوانهم من أبناء الشمال، وكذلك شهادة الراحل الكبير واللواء يحيى بن محمد المتوكل عن أبطال معركة قلعة رازح وبني مطر الحيمتين، وجاءت ذكريات اللواء محمد علي الأكوع - أطال الله عمره ومتعه بالصحة - عن حصار صنعاء ومعارك نقيل يسلح، والذين تحدثوا عن الجروح والاستشهاد والعرق والصمود وربط البطون بالأحزمة وغيرها من المآثر التي اجترحها أبناء الجنوب «مشاعل الثورتين». (الغريب مرجع سابق).

الدقم أحد موقعي بيان 11 أغسطس 1963

أصدر عدد من الأفراد المنتسبين لقطاع القبائل والضباط والصف ضباط بيان 11 أغسطس 1963م لمناصرة قيام الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل ووقع عليه من قطاع القبائل: الأمير محمد صالح الحوشبي، الشيخ ناصر علوي السقاف، الشيخ منصور محمد عواس، الشيخ عبدالله محمد ناصر المجعلي، الشيخ حسن صالح المحرابي، الشيخ حسين محفوظ، الشيخ أحمد بن نمير العولقي، الشيخ علي عبدالله المصعبي، الشيخ محمد علوي المصعبي، الشيخ حسين صالح المصعبي، الشيخ امسكنهوش بن علوي الدماني، الشيخ محمد الكردمي العوذلي، الشيخ محمد عبدالقوي المفلحي، الشيخ ثابت السعدي اليافعي، الشيخ سالم الناخبي اليافعي، الشيخ محمد ناصر الجعري، الشيخ منصور امفضل الصالحي، الشيخ ناصر محمد السعيدي، الشيخ عبدربه بن داخر العولقي، الشيخ علي صالح المحوري الفضلي، الشيخ محمد صالح الضمبري، الشيخ عباد مدهش الحوشبي.

وعن الضباط والصف ضباط: الرائد محمد أحمد الدقم، الرئيس محسن الفطعاني، الرئيس عبدالله قاسم الداعري، الرئيس سيف علي القطيبي، ملازم أول محمد علي الصماتي، ملازم أول عبدربه ناصر المصعبي، ملازم بخيت مليط حميدي، ملازم أول ثابت علي المنصوري، ملازم ثان فضل محمد شكري، وكيل ضابط ناصر أحمد عوذلي، وكيل ضابط ثابت أحمد ناشر، رقيب أول محمد حسين عوذلي.

الدقم يلقي ربه مسموما

تعرض الشهيد المناضل الرائد محمد أحمد الدقم لعدة محاولات استهدفت حياته، ولكن من دون طائل، ومنها تفجير منزله في منطقة الجحملية بتعز، ورد الله كيدهم إلى نحورهم، وعندما تعذر على القوى المعادية للثورة النيل من حياة هذا المناضل لجأت إلى أسلوب دنيء ذلك بأن دست له السم في طعامه ليلقى ربه شهيدا في العام 1966 (السمان /مرجع سابق).

ويستدل من هذه الواقعة ووقائع أخرى لا حصر لها أن صفوف الجمهوريين وحلفائهم مخترقة على نطاق واسع.

فخامة الرئيس حيدر العطاس ينعم بوسام الشجاعة على الشهيد الدقم:

أصدر فخامة المهندس حيدر أبوبكر العطاس رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى قرارا رقم (61) الصادر يوم 19 فبراير 1989م قضى بموجبه منح وسام الشجاعة للشهيد المناضل محمد أحمد الدقم، وكانت سكرتارية لجنة منظمة الحزب الاشتراكي اليمني في طور الباحة بمحافظة لحج قد منحت الشهيد الدقم ميدالية حرب التحرير استنادا لقرار هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى بتاريخ 11 نوفمبر 1983.

علي هيثم الغريب في قراءة موضوعية للتضحيات التي ضاعت هباء

نشرت «الأيام» الموضوع الذي سبق الإشارة لعزيزنا علي هيثم الغريب، وهي قراءة موضوعية هادئة للتضحيات الجسام التي قدمها مناضلون جنوبيون منذ بدء قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م عن إيمان مطلق بواحدية الثورة والوطن والانتماء، وحلموا بقيام المدينة الفاضلة، وتحققت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، ونسفت في حرب صيف 1994، وأفرزت واقعا إقصائيا للجنوبيين، ويقول الغريب: «أعتقد أن كل ما يجري من إجراءات نهب وسلب حقوق أنها كلها محاولات خليق بها أن تدرج في مسعى لتمزيق الأنفس وزرع الانتصارات الوهمية..».

يرى الغريب أن «الوحدة اليمنية جزء لا يتجزأ من الوحدة العربية بمبرراتها التاريخية وبحتميتها السياسية، وعلى القيادة ألا تكتفي بالعناصر المشتركة التي جسدت عبر التاريخ نوعا من الوحدة المعنوية:( اللغة - الدين - الثقافة)، ولكن عليها تدعيم المقومات المادية بمؤسسات وحدوية وسياسية واقتصادية وثقافية تنقل أوضاع اليمن من التجزئة إلى الوحدة..هذا يعني أن الوحدة الحقيقية لا يمكن اختزالها بوحدانية الثورتين، أوالجمع بين عناصر من الشمال والجنوب في هيئات الحكم العليا».

يوصي الغريب بـ«وجوب إصدار قانون بإعادة أملاك دولة الجنوب السابقة باعتبار هذه الأملاك حقا مشروعا لأبنائها الذين أفنوا حياتهم بالبناء وحرمانهم إبان حكم الاشتراكيين من التملك أو حتى التحدث عن الملكية الخاصة حتى جاء المتنفذون بعد عام الحرب، وحولوا تلك الأملاك والكنوز من ملكية دولة إلى ملكية خاصة بهم».

يتناول الغريب بعد ذلك المعطيات الاقتصادية فيقول: «إن تحويل الأملاك إلى فئة متنفذة زرع إشكالية اقتصادية كبيرة».

ويسلط الغريب الضوء على المقدرات الاقتصادية للجنوب، ومنها شواطئ الجنوب التي تشغل حافة البحر العربي على امتداد (1200 كلم)، ونصيب الجنوب من ثروة النفط يقدر بثلاثة أرباع الثروة، ناهيكم عن البعد الشاسع بين السواد الأعظم من السكان وتخمة المتنفذين، أما نصيب تجار الجنوب من الاستيراد لا يتجاوز (5 %)، وكذا حالهم مع الوكالات التجارية، ولا ننسى أن الفئة المتفذة ابتلعت مزارع الدولة والأراضي والمباني الحكومية، والجنوبيون يعانون من النشاط الخدماتي والنشاط التجاري والبنكي والمقاولات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى