مستشار وزارة التربية والتعليم لدى محاضرته في مركز (منارات):زيادة مقرر التربية الإسلامية واللغة العربية في المعاهد العلمية خلقت مشكلة سياسية تهدد التعليم والأجيال والصالح من المباني المدرسية 30% و نحتاج 3 آلاف مدرسة جديدة

> صنعاء «الأيام» بشرى العامري:

>
انتقد الأستاذ مقبل نصر غالب، مستشار وزارة التربية والتعليم مستوى التعليم اليوم بمخرجاته الكمية التي تفتقر إلى النوعية المتميزة والناجحة كالزبيري والمقالح وغيرهما من الجيل السابق.

وقال في محاضرته المعنونة بـ «مستقبل التربية والتعليم في اليمن في ظل العولمة» التي نظمها أمس الأول المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل (منارات): «إننا تعلمنا المعايير المقلوبة من الغرب الذي لم يعد اليوم مثالا للديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي».

وأضاف قائلا: «إن النظام التعليمي قد هيأ اليوم المناخ المناسب للعولمة بعد أن خلق جيلاً متناقضاً مشتتاً، رغم حرصه على الوحدة الفكرية والثقافية التي أصبحت مناهجها أشبه بما تبثه وسائل الإعلام الحكومية يومياً من الإشادة والتمجيد والفخر والدعايات، وما يلمسه الجيل من الزيف والتضليل والخداع

كما أن النظام التعليمي قد خلق جيلاً يعطي الأسرة ما تريد لترضى عنه، ويعطي الوسط الاجتماعي المحافظة على العادات والتقاليد، ويعطي الطائفة حقها والمدرسة حقها، والدولة حقها (كمواطن صالح)..فهو مسلم غير ملتزم، وعربي غير متكلم، وحزبي غير منتظم، وطائفي غير منتقم، وموظف غير منسجم، ومسؤول غير محتشم يصلي في أسرته ويسكر في غيبته، مؤمن في قريته، وفاسق بين خبرته، وكافر في دولته، منافق في كتابته، أناني في عيشته، غشاش في سيرته.. من خرج عن هذه القاعدة واستقام مكروه الصحبة والمقام، مضطهد الوظيفة والنظام».

وقال مستشار وزارة التربية والتعليم أيضا: «أدرك الأجانب في المنظمات الدولية خصائص المجتمع العربي والإنسان العربي عبر الدراسات المتوفرة لديهم وتوجيهات الدول الداعمة، حيث يقومون بطرح المبادرات التطويرية للتجديد والتحديث التربوي مباشرةً على القيادات التربوية، التي تقوم بدورها في مناقشتها وإعادة صياغتها من الحذف والزيادة التي غالباً ما تكون، مراعاة للخصائص الاجتماعية العربية والمحافظة على الحضارة الإسلامية والثقافية العربية، أو مراعاة للإمكانيات واللوائح والقوانين، كما يقوم الخبراء العرب بإثرائها بمزيد من التفاصيل والتوصيات والمقترحات.

يجدون معهم طابوراً خامساً وسادساً من المتأثرين والإعلاميين، وإن كان التأثير الوحيد هو للقيادة التربوية التي تتخذ القرارات».

وأوضح أن «أزمة الفكر التربوي هي في غياب الوعي التربوي بقضايا التربية، وما من بحوث إلا وتحوم حول المدخلات التعليمية (مبنى، كتاب، معلم، وسيلة، طالب، امتحان)، وكأنها ثوابت مقدسة لا يجوز المساس بها، يجوبون حول المواصفات والمعايير والضوابط واللوائح، والزيادة والنقصان ويجدون الكتب التي ينقلون فيها ما يملؤون الصفحات».

واستطرد قائلا: «إذا نفذوا أبحاثا ميدانية يحومون حول فروض وافتراضات محفوظة، يطلبون التصويت عليها (نعم، لا، أحياناً، غالباً، إلى حد ما، أوافق، لا أوافق، مهم، غير مهم)، ويخرجون باكتشاف الفروض الحائزة على التصويت، ثم ينقلون التوصيات والمقترحات من الكتب، ولا يحلون مشكلة بعد هذا الجهد والعناء والإمكانيات».

وأردف: «إنهم كالقيادات التربوية العليا تطويرها كله في تغيير مسؤولين، رفع وخفض زيادة تعميمات، قرارات، والغريب أن القيادات التربوية العليا تصدر توصيات ومقترحات في لقاءاتها وهي المعنية بتنفيذها».

وبين مستشار وزارة التربية أن «المسح التربوي الشامل قد كشف أن المباني الدراسية الحالية (55%) منها يحتاج إلى ترميم و(15%) غير صالح ويحتاج إلى هدم وإعادة بناء، والصالح منها (30%) وأن الحاجة لمواجهة زحمة الطلاب حوالي (3000مدرسة)، وهناك صعوبات بالغة في إيجاد مبان في المدن.

إن التربويين لم يفكروا في استغلال كل المؤسسات التي لا تعمل في أوقات محددة لحل هذه المعضلة، مثل المساجد التي أصبحت مقفلة في غير أوقات الصلاة، وصالات المراكز الثقافية ودور السينما في الصباح، وصالات النوادي والجمعيات والحدائق العامة، أو أماكن ومبان أخرى، حتى الأماكن المتاحة في الريف كالصنادق، خيم، عشش (أكواخ)، وذلك لأن المواصفات هي المباني المكلفة».

كما اقترح «إعادة توزيع الجداول المدرسية بنظام اليوم المدرسي بدلاً من نظام الحصص، حيث لا معنى لتفتيت المعلومات إلى دروس صغيرة», وقال: «ماذا لو أخذ معلم التربية الإسلامية طلابه إلى جامع يوماً كاملاً، ومعلم العلوم يأخذهم إلى حديقة يوماً كاملاً في عدة دروس، ويتركون للبقية غرف الدراسة في مواد علمية وتطبيقية، ماذا لو نفذ معلم عدة دروس في مستوصف أو مستشفى بمساعدة طبيب حول دروس الثقافة الصحية والغذائية، ومثلها التربية الوطنية وغيرها».

واقترح «جمع الطلاب بحسب المستوى في الفصل وليس بحسب السن، حتى يتمكن المعلم من بذل الجهد المناسب مع كل مجموعة وإعطائها الوقت المناسب».

وتساءل عن «ماهية الإبداع الذي سيخلق والطالب لا يبحث عن المعلومات ولا يبذل جهداً في الاستنباط، الاستيعاب، التعليل، التحليل، التفكير والتركيب، إنما يجد قطعة كاملة اختارها مؤلف يحفظها ويمتحن بها وينتهي دوره؟!».

وأشار إلى أن «الزيادة في مقرر التربية الإسلامية واللغة العربية في المعاهد العلمية خلقت مشكلة سياسية تهدد التعليم والأجيال، وتخلق جيلين، لأن النظام يقتضي أن يصب التلاميذ كلهم في قالب واحد ونمط واحد، تحقيقاً للشعارات الشمولية (شعب واحد، علم واحد، صف واحد، درس واحد)، لأن القضية سياسية تهدأ وتثور تبعاً للمزايدات والابتزاز».

كما تساءل عن «سبب سيطرة الدولة على كل أنواع التعليم ومراحله وتنظيمه، وتؤطره وتتحمل أعباءه، وتلزم كل المؤسسات الشعبية والخاصة والرسمية بأنماطه وتراقب في إطاره، حتى عجزت الدولة عن القيام بالتزاماتها رغم الإمكانيات الكبيرة التي تنفقها، وعجزت عن تطويرها بألبانها الفطامية، وأساليبها الإدارية الرتيبة».

وأكد أن «التربويين قد أجمعوا على أن الامتحانات لا تقيس كفاءة الطالب ولا سلوكه ولا مستواه، وليست دليلاً على تفوقه أو ضعفه، ومع ذلك يصرون عليها ويطورونها بتنويع الأسئلة صياغتها، أشكالها، فنيتها، أساليب إعدادها، مرونة الأسئلة، وذلك لأن الزمن المحدد للامتحانات الشمولي لا يتحمل غيرها، ورغم المشكلات التي تزداد عاماً بعد عام من الغش الذي أصبح حقاً مكتسباً للطالب يدفع التربوي حياته إن حاول منع الطالب، وتزداد الحوادث سنوياً.. فرغم المخرجات السنوية الضعيفة لدى شريحة كبيرة من الناجحين لا يزال الإصرار عليها حتى يفكر لهم خبير دولي، ويقتنع متخذ القرار بوصية الخبير»

وبين أنه «لو أدرك الطالب أنه لن ينجح إلا بكفاءة، وأن هناك من سيمتحنه عملياً ويطلب منه تطبيق المعلومات وإظهار المهارات لبذل جداً لا يستهان به لينجح في الامتحان، ولو أدرك المعلم أنه محاسب على مستوى تلاميذه، وقد يحرم من الترقية أو يفصل، وبالمقابل سيحصل على مكافأة إنجازه الجيد بترقيات تصل إلى ترقيتين أو ثلاث في السنة إن كان (80%) من طلابه في مستوى جيد، لبذل جهداً جباراً في عمله.

أما أن يقيم المعلم بآليات وسائله (دفتر التحضير، عدد الدروس، المظهر، أسلوب التدريس) ولا يقيم ما أحدثه من أثر في تلاميذه، فلن يبذل غير ما هو محاسب عليه.. ويقيم الطالب بعدد الدرجات التي حصل عليها (50%) أقل أو أكثر فإنه سيدبرهابالوسيلة التي تضمنها».

كما أشار إلى أن «العدالة الزائفة في توحيد الأسئلة وتوحيد الزمن لا تحقق هدفاً تربوياً، لو فكرت الوزارة بالامتحانات العامة أن تحولها إلى امتحان كفاءة بدلاً من أسئلة الحفظ والتذكر حول معلومات الكتاب، فتشكل لجان من التوجيه التربوي والمعلمين المتميزين، يزورون المدارس، ويمتحنون الطلاب عملياً بمهارات محددة لكل طالب بمفرده مثل: أن يقرأ بدون أخطاء لغوية، يكتب بدون أخطاء، يجري عمليات حسابية أمام اللجنة، يجري تجربة في العلوم، يرسم خريطة، حتى تنتهي اللجنة من أخر طالب في المدرسة وترسل النتيجة مباشرة إلى الوزارة، وتتجه إلى المدرسة الثانية وفق جدول زمني للمدارس حتى آخر مدرسة»، مؤكدا أنه «لو استمر الامتحان طوال العطلة الصيفية ربما لن تكلفها التكاليف الحالية للامتحان ولا نصفها».

ودعا التربويين إلى «التفكير كثيراً في مسؤولياتهم أمام أمة تعاني من إحباطات النهوض وتواجه تحديات لا حصر لها في القرن الحالي، علمية وسياسية واقتصادية وثقافية وتكنولوجية وفكرية، إذا لم تكن في مستوى التحدي في نخبتها التربوية فلن تقوم لها قائمة، وستظل في حلقة مفرغة تدور على دوامة المدخلات والأنماط والأشكال، والمظاهر إلى ما لا نهاية».

وأشار إلى أن «التربية قد وصلت إلى حالة تشبع بالأفكار والنظريات التربوية، وفائض من الدرسات والأبحاث التربوية وبحر من المقترحات والتوصيات لحل المشكلات التربوية ومحيط من التجارب والخبرات والمشروعات والأنظمة والفلسفات، وأي جهد في هذا المجال يعد تكراراً مملاً ومخلاً وإضاعة مال ووقت.

وإن الصعوبة تكمن في التفكير التربوي العلمي، ذلك أن المفكر لا يملك سلطة القرار، والذي يملك اتخاذ القرار لا يملك العمق التربوي والعلاقة بين الاثنين غير متوازنة، فالتربوي يصر على التغيير الشامل بعموميات تفتقر إلى الآليات التنفيذية والإجراءات الرسمية والحسابات الإدارية والقانونية، والإداري يهتم بتسيير العمل كما هو فترة تكليفية وغير مستعد للمغامرة وراء عموميات لا يدرك نتائجها، فإذا تسلم التربوي موقع القرار يقع في فخ اللوائح المقدسة، يهوي بها صريعاً إلى خانة الاستشارات، وإذا ثبت يقتل وقته في ملفات المراجعين اليومية التي تزداد كثافة في رأس السلم الإداري وتكثر المقابلات والاستقبال والاتصالات والبت في المشكلات في المكتب والشارع والمنزل».

ومضى يقول: «إن القليل من يقدم توصيات مقبولة ومعقولة، ولكنه يطالب الإداري باتخاذ آليات تنفيذها وإجراءات تطبيقها، وهو لا يجد الوقت لاستيعابها وبلورتها، وفي حالة الإلحاح والمتابعة يظهر التربوي كالمشاغب الذي يصر على خلق مشكلة، أما إذا طلب المسؤول من التربويين دراسة مشكلات ووضع الحلول المناسبة سيجد نفسه أمام كتاب من الأرقام والرموز والنسب المئوية والانحراف المعياري وتحليل الإجابات، وفي آخر الكتاب توصيات ومقترحات لا تزيد عن صفحتين على الأكثر.. لأن الباحث لم يفرق بين البحث الأكاديمي كشرط لنيل الشهادة والبحث الإجرائي لحل مشكلة بالبديل العملي لاجتثاث المشكلة، لذلك يميل المسؤول إلى الخبراء الذين يصفون المشكلات في مقدمة الدراسة ثم يقدمون الحلول على شكل قرارات تتخذ وإجراءات تنفذ، فإذا اقترح تعديل القانون وضع صيغة المواد التي تضاف أو تحذف، وإذا اقترح لائحة جديدة وضع بنودها، اقترح مقرراً وضع مفرداته، اقترح خطة وضع الخطة».

وأكد أن «السلطة الإدارية العليا غالباً ما تعين لأسباب سياسية، للمحافظة على سياسة الوزارة والنظام والقانون، وتسير عملها لتحقيق أهدافها المحددة مع صلاحيات واسعة في اتخاذ قرارات التطويرات التي تقتنع بها».

وبين أن «كل ما ذكر عن عيوب المناهج الدراسية صحيح، وما ذكر عن اختزالها في كتب دراسية التي هي وسيلة من وسائل المناهج وغياب بقية الوسائل والأساليب، غياب الأهداف التعليمية، والنقد الموجه للكتب المدرسية صحيح أيضا من حشو معرفي مجرد، ونقل حرفي مقلد، وخطاب لفظي مجمد، إلا أن التربويين ألقوا المسؤولية على فريق معين لهذه المهمة واكتفوا بالصراخ».

وقال: «نحن نعلم أن كتاب القراءة للصف الأول أساسي طبق قواعد غريبة على اللغة العربية باسم النظريات الحديثة، وأنه سبب محنة المعلم والطالب، فالمعلم لا يعرف كيف يتعامل مع الكتاب والطالب لا يمكنه القراءة والكتابة قبل معرفة الحروف والهجاء وتركيب الكلمات، فأحدث مشكلة بين الطالب والمعلم والأسرة، امتدت إلى الصفوف اللاحقة حتى يكمل المرحلة الأساسية وهو لا يستطيع القراءة السليمة, ومع ذلك فالتربويون لم يقدموا كتاباً مقترحاً بديلاً يمكن أن تعتمده الوزارة أو تجربة، ومركز البحوث والتطوير التربوي لم يعلن مسابقة لأحسن كتاب يؤلف في هذا المجال، ومثل ذلك كتب التربية الإسلامية في الصفوف الأولى وكتب اللغة العربية، مع لمسة تربوية فنية لموضوعات تجويد القرآن الكريم والنحو».. داعيا وزارة التربية إلى «ضرورة أن تفتح المجال لكل ما يؤلف في هذا المجال وإن لم تعتمده كمقرر تجعله كمرجع في المدرسة وبديل من البدائل».

وعن المشكلات الاجتماعية وتأثيرها في مستوى التعليم أوضح أن «الهجرة قد أسهمت في التحول الثقافي من خلال اكتساب عادات سيئة وإهمال تربية الأبناء وتفكك الأسرة، فأصبح الطفل ينظر للقيم التي يتعلمها في المدرسة لا واقع لها، فالكذب سائد والصدق نادر، الغش قائم والأمانة نائمة، الإخلاص نادر والوفاء أندر، الاحتيال ذكاء والنصيحة غباء، والفخر بالمظاهر البراقة والكبرياء على الآخرين.

أضف إلى ذلك تنوع اتجاهات المعلمين وخلفياتهم وجنسياتهم ومستوى إعدادهم أدى إلى تذبذب المعايير بين الالتزام وضده وحرية الالتزام، وغياب الواقع العلمي في المدرسة لكل ما يدرسه الطالب، فاللغة العربية لا وجود لممارستها في المدرسة بين المعلمين والطلاب، كما هو الحال في المجتمع المحلي، واللغة الإنجليزية أبعد، والأخلاق نسبية والتدين شخصي.

إن كل هذه التحولات جعلت التعليم عاجزاً عن التأثير في المجتمع وإدارته وتغييره بل وضبطه، وأن العولمة تنذر بتحميل المجتمع أعباء التعليم

وفي ختام حديثه دعا الأستاذ مقبل نصر غالب مستشار وزارة التربية والتعليم وزارة التربية والتعليم إلى «ضرورة إعادة تنظيم المدرسة، بحيث توفر إمكاناتها في أول العام الدراسي وإعادة نظام التدريس لإتاحة الفرصة للمعلم للتطبيق والنشاط وربط المعلومات ببعضها البعض، وإعادة تنظيم الامتحانات لتكون عملية تطبيقية.

واستبعاد كل موظف من التربية تثبت إدانته في قضية أخلاقية أو تزوير، إختلاس، نصب، احتيال، غش، مخدرات، ضرب طالب ضرباً مبرحاً، اعتدى بالضرب على زميله، أو إرساله إلى الخدمة المدنية إذا كانت ستحميه».

كما دعاها إلى «ضرورة مسآلة المعلم ومدير المدرسة عن مستوى الإنجاز ومستويات الطلاب ومحاسبتهم محاسبة دقيقة تقوم على قياس دقيق، ولا تكون المبررات سبباً لرفع العقوبة، إنما لتكليفهم باستيفاء المهام بجهد إضافي عليهم، والعزل والفصل في حالة الفشل».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى