بعد انعدام المياه الجوفية شمالا ستبدأ الهجرة الجماعية إلى الجنوب

> فاروق لقمان:

> لا أقل من أربع وعشرين وكالة ملحقة مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالأمم المتحدة تكاتفت في العاشر من شهر مارس 2009 لنشر أحد أهم الدراسات عن مياه الشفه في العشر سنين القادمة. وكانت الدراسة التي اطلعت عليها بالعربية والإنكليزية عبارة عن إنذار شديد اللهجة للكارثة المائية القادمة في العالم أجمع سيما في بعض الدول التي لم تكن تخطر على البال.

وهنا لا أعني الجمهورية اليمنية التي تعتبر حالياً من الأفقر عالمياً في كميات مياه الشرب والصالحة للزراعة والاحتياجات الأخرى المعتادة. فالمواطن اليمني يستهلك كميات ضخمة من المياه الجوفية لزراعة القات أولاً ثم خلال تنظيفه من المواد الكيميائية السامة التي يتوهم البعض أنها تساعد على تنميته بسرعة مع أنها تفاقم مخاطره، كما ذكر خبراء يمنيون. وثالثاً أثناء استهلاكه - ثلاث قوارير على الأقل من المياه المعدنية حجم ثلث اللتر، ورابعاً في تنظيف الفم مما تجمع فيه. وبعد ذلك خاصة في المناطق الجنوبية والتهايم في الاستحمام من آثار العرق الغزير الذي يتصبب أثناء المقيل. وهكذا دواليك يومياً في معظم الأحيان. لذلك ذكرت تقارير سابقة أن نسبة عالية من المياه الجوفية تعاني شح دائم لأن الداخل إليها يقل سنوياً عن تلك التي تستخرج منها بواسطة المضخات التي يضطر أصحابها إلى حفر آبار لها تمتد عدة مئات من الأمتار.

لكن المزعج في التقرير المائي الذي نشرته مئات الصحف العالمية كان يختص بالأوضاع في دول لم تكن تخطر على بال.

فمن كان يظن أن إندونيسيا والصين والهند وجاراتها قد انضمت إلى الدول الظامئة وأن مياهها لم تعد كافية لكافة متطلباتها بالرغم من الأمطار الموسمية الغزيرة والأنهار الجارية على مدار العام وذوبان ثلوج جبالها في سلسلة الهملايا في الصين والهند، وسيول وأنهار لا تتوقف في إندونيسيا التي كانت ولا تزال من أخصب أراضي العالم. والأسباب معروفة حاليا: ازدياد عدد السكان إلى أضعاف ما كانت عليه في القرن الماضي، قلة عدد السدود نسبيا مع أن الصين بنت وتبني المئات منها، التوسع الرهيب في التصنيع والتصدير الذي يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء مما بات يشكل خطراً محدقاً في عدة دول من كندا المتخمة بالمياه إلى جنوب أمريكا التي كان العلماء لا يتوقعون أن تعاني من أزمات مائية لوجود نهر الأمازون العملاق فيها. حتى مصر ابنة النيل العظيم أصبحت مضطرة إلى استئجار أراضي في الخارج لزراعة المزيد من الأرز والمحاصيل الحيوية لأن مياهها لم تعد كافية لسد كافية الاحتياجات، ولأن سبعين في المائة من كل المياه تصرف في الزراعة وتربية المواشي والدواجن حتى أصبح الخبراء يحذرون من زيادة استهلاك اللحوم بأنواعها والحليب والبيض لأنها كلها تتطلب كميات متزايدة من المياه.

تاج محل (الهند)
تاج محل (الهند)
وإذا أخذنا بالاعتبار أن سكان العالم يتزايدون بمعدل ثمانين مليوناً في العام وأغلبهم بحاجة ماسة إلى مواد غذائية تتطلب مياهاً صالحة للزراعة والاستهلاك الحيواني سنجد كما يقول التقرير المنشور لمن شاء الاطلاع عليه بالتفصيل أن العالم سيشهد خلال نصف قرن حركات تهجير اضطراري على نطاق واسع جريا وراء الماء.ولعل القراء يتذكرون التقرير الذي أعده خبراء يمنيون وألمان قبل ثلاث سنوات تحديدا أثار اهتمام البعض ولو مؤقتا بأن اليمن سيشهد هجرة جماعية من شمال الوطن إلى جنوبه وإلى سواحله حيث يسهل بناء محطات تحلية للمياه بعد وصول الأزمة في مياه الشمال الجوفية إلى حد خطير.

ويقول التقرير «إن استهلاك اللحوم يكلف أي دولة كميات كبيرة من المياه، لأن الحيوانات التي نربيها ثم نذبحها ثم نأكلها تعني تزايد كميات المياه مهما كانت الوجبة». لذلك نرى العديد من المقالات التي تحث على الاقلاع عن استهلاك اللحوم بقدر الإمكان - مرة في الأسبوع تكفي - والاعتماد على الخضار والأسماك بصورة معقولة وليس كما يفعل اليابانيون والأوروبيون عندما يجرفون أسماك البحار بأحدث السفن والشباك بمعدلات جائرة تصل إلى مئات الأطنان في كل رحلة. والمحزن كما نرى في الأفلام الوثائقية أن نسبة عالية جداً مما ترفعه السفن يعاد ميتاً إلى البحر لأنه غير مرغوب فيه. وقد بلغ استهلاك حوت القرش وحده حوالي مائة مليون طن سنوياً مما يهدده بالانقراض خلال العقود القليلة القادمة. ويمكن تصور سرعة التدهور في الاستهلاك عندنا من الأسماك واللحوم والقات طبعاً إذا ما تضاعف عدد السكان في الفترة نفسها. وقد ذكرت ذات يوم أن أيام انعدام الأسماك عالمياً لم يعد من قبيل المبالغة وأن اليوم قريب الذي سنرى فيه يافطات على أبواب البائعين تعلن بأن السمك لم يصلهم اليوم وقد لا يصلهم إلا في نهاية الأسبوع القادم. لذلك يفضل الحجز والدفع مقدماً.

سور الصين العظيم (الصين)
سور الصين العظيم (الصين)
وفيما يتعلق بأزمة المياه أشار تحليل لوكالة الأنباء الفرنسية في النصف الأول من شهر مارس إلى حديث أجرته مع السيد علي سيف حسن مدير مركز التطور السياسي بالعاصمة تحدث فيه حول عدة أمور منها الماء قال فيه: «إن أخطر مشكلة هي المياه، إذ أن منطقة العاصمة صنعاء ستصبح بدون مياه شفه خلال عشرين عاما يعني أن ستة ملايين نسمة سيعانون من انعدام الوظائف وشح المياه ولا يملكون سوى أسلحتهم الرشاشة». ماذا سيفعلون؟ سيرحلون جنوباً». قالها وهو يرسم سيناريو مأساوي لمنطقة لا يتعدى عدد سكانها المليونين حالياً.

وفي الوقت نفسه وفي تحليل لوكالة الأنباء الفرنسية صرح السيد عبدالكريم اسماعيل الأرحبي نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية بأن الحل الأفضل اليوم هو اندماج اليمن في مجلس التعاون الذي يضم دول الخليج العربي. وبالرغم من تأييد معظم اليمنيين للفكرة إلا أنهم لا يأملون كثيراً في تحقيقها لأسباب متعددة قد يطول شرحها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى