الديمقراطية الشمولية في اليمن

> أحمد سالم شماخ :

> ابتهجت اليمن بانفراج أزمة العراك السياسي بين الحزب الحاكم والمعارضة، وذلك بتأجيل الانتخابات لعامين.

وعلى الرغم من أن هذا التأجيل لايعني الكثير إن لم يصاحبه تبدلات في النيات والتوجهات نحو التطلع الحقيقي لإرساء قواعد الديمقراطية الصادقة والابتعاد عن المصالح الشخصية.

وتقديم مصلحة اليمن وأبنائها على كل المصالح الحزبية والقبلية والمناطقية والطائفية.. كما يقول المثل «تفاءلوا بالخير تجدوه»، فإننا نفضل التفاؤل على التشاؤم وألا نفقد جميعاً حُسن الظن في نيات الجميع سواء الحزب الحاكم أو المعارضة لعل وعسى أن نتدارك الأمور وننظر بعيون مفتوحة إلى الأخطار المحيطة باليمن والألغام التي على وشك الانفجار من الاحتقان بسبب فقدان العدالة والمساواة وبطالة تزداد يوماً بعد يوم وتجاوزات لمتنفذين على أملاك المواطنين دون رادع.. كل هذا وغيره يستدعي اليوم وحدة الجميع ورص الصفوف لمواجهتها وحتى تتجنب اليمن المستقبل المجهول.. انطلاقاً من هذا فإننا نرى البداية تكون بتقويم الاعوجاج الذي واكب مسيرة الديمقراطية وشوه صورتها وخرج بها عن المسار البنَّاء.. فالديمقراطية الصحيحة التي نشاهدها في كل الدول التي اختارت هذا الطريق لايمكن أن تبلغ نسبة الفوز للحزب الفائز معدلات سبعين بالمائة وأعلى.. هذا النسب العالية لايمكن أن تحدث إلا في البلدان التي تنتهج مايمكن أن نطلق عليه «الديمقراطية الشمولية»، حيث توجد تركيبة إعلامية وتوظيفية وتمييزية تناصر الحزب الحاكم وتعمل على تحجيم نفوذ الأحزاب الأخرى، بل أن السياسة المالية لمثل هذا البلد تمارس الإذلال لمنتسبي أحزاب المعارضة بينما تمنح الامتيازات نهاراً جهاراً لمنتسبي الحزب الحاكم.. بل ربما لا نبالغ إذا قلنا إن مثل هذه الديمقراطية الشمولية لا تخلو من ممارسة التلاعب بالانتخابات حفاظاً على المصالح الخاصة وحتى يبقى الحال على ماهو عليه ولو كان على حساب تدهور الوطن ومعاناته.. إن الانتخابات التي تفرز أصواتاً لأي حزب تتجاوز السبعين بالمائة حتماً فيها شيء ما غير مضبوط، وبالتكرار تفرز الفساد السياسي الذي يتبعه حتماً الفساد المالي والإداري والأخلاقي وتعجز كل صناديق الاقتراع أن تغير الحال أو تصلح الفساد مهما تشكلت من وزارات أو هيئات لمكافحة الفساد وأنفقت الأموال الطائلة للإصلاحات، فكلها تذهب في مهب الريح ويزداد الحال سوءًا يوماً بعد يوم.. ولعل ما نشاهده في اليمن غني عن التعليق.. بل أن المواطنة الحقيقية تضعف وتبدد تدريجياً حتى تصبح هجرة الوطن أمنية كل مواطن وحصول المواطن على جنسية أجنبية هدية ليلة القدر.. أليس هذا حال اليمن؟.. إننا لم نسمع في الدول التي تمارس الديمقراطية الحقيقية شيئا اسمه «الصحافة» الرسمية أي تابعة للحكومة وتصرف عليها الحكومة ما عدا تلك الصحيفة الرسمية التي تنشر فيها القوانين والقرارات إلخ.. أما صحافة بمعنى كلمة الصحافة فهي دائماً إما تتبع حزباً أو تتعاطف مع حزب ما أو حتى تنشر لحزب ما بالمقابل.. أما صحافة حكومية ومن فلوس دافعي الضرائب فلا وألف لا.. بل وهذا ربما ينطبق على بقية وسائل الإعلام.. بل لا توجد في تلك الدول الديمقراطية وزارة إعلام من أساسه.. إن الديمقراطية هي مصدرة لنا من دول الغرب بصورة أساسية ومادمنا تقبلناها بالرضى أو بالصميل، فلنلعبها بشكل صحيح لكي نجني ثمارها.. أو لنعد لنظام الشورى الإسلامي وهو أفضل وأبرك.

هل سمعتم عن صحيفة للحكومة أو وزارة للإعلام في أمريكا أو اليابان أو بريطانيا أو إيطاليا أو حتى الهند.. نعم هناك صحف تتبع الحزب الحاكم ويصرف عليها الحزب الحاكم والمنتسبون لها مؤمنون ببرامج وأهداف ذلك الحزب ويقابلها وعلى السواسية نفسها في الحقوق والإمكانيات صحف لأحزاب المعارضة كل حسب حجمه وتواجده الجماهيري من خلال قواعده العاملة على الساحة لخدمة المواطن ومنفعته لتكسب قناعته وبالتالي صوته.. أما أحزاب تتطلع إلى الحكومة بصورة تستحق الرثاء لكي تعطف عليها وتدعمها أي تتطلع لحكومة الحزب الذي تعارضه فإنه وضع خاطئ مأساوي ولا يخدم الديمقراطية الحقيقية.. الديمقراطية التي تعطي الحزب الفائز نسبة فوز قريبة جداً من نتيجة الأصوات التي حصل عليها حزب معارض هي الديمقراطية الحقيقية التي تمنع الفساد أن يعيش وينمو في وطنها وتقوي الانتماء الوطني وتسمح باستمرار عمل مؤسسات الدولة بصورة سليمة سواء تشكلت الحكومة (أي على مستوى الوزراء) من هذا الحزب أو ذلك.. وبالتالي يسير البلد بصورة سليمة وينتقل من مربع إلى مربع آخر متقدم وليس كما يحصل في دول الديمقراطية الشمولية كلما تقدمت ثلاثة مربعات تراجعت أربعة وهكذا محلك سر.. بل إن فترة الرئاسة حتماً ستكون محدودة الأجل مما يسمح بتنامي الكوادر القيادية ويمنع نمو وتضخم مراكز النفوذ والهيمنة سواء أكانت تحت مسمى التقارب القبلي أو المناطقي أو الأسري.

ما نقوله ليس خيالاً ومستحيلاً بدليل أنه مطبق في دول سبقتنا كثيراً في النظام الديمقراطي.. ومن هذا المنطلق ومن قناعتنا التامة أن الحزب الحاكم يزخر بالمواطنين الذين يتمنون أن يشاهدوا يمناً مرفوع الهامة قوي البنيان. من هذا المنطلق لا نتحرج أن نوجه لهم النصح والرجاء أن يتذكروا إذا كانوا قد تناسوا أن اليمن هو فوق الحزبية وأن المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عواتقهم في تقويم اعوجاج «مسيرة الديمقراطية»، فهذا التقويم سينعكس حتماً على بقية مناحي الحياة وستنطلق اليمن إلى مراتب متقدمة في وقت قصير، فاليمن ليست فقيرة كما يصورها البعض لأنها تزخر بالرجال والثروات الكثيرة وما تفتقده هو «صحوة ضمير» وتصحيح مسار، ولعل في مقدمة من نتعشم فيهم تصحيح المسار هو قائد المسيرة فخامة رئيس الجمهورية وما أجمل أن نرى تنافساً انتخابياً حقيقياً يؤدي إلى نتائج متقاربة، فعندها سيشعر الحزب الفائز بالحلاوة الحقيقية للانتخابات وسيتعمق لدى كوادرهم أن الشعب فعلاً لا اصطناعياً يحبهم ويريدهم وهو ما سينعكس بالتالي على مصداقية أدائهم وخدمتهم لليمن.

وبمناسبة تأجيل الانتخابات ومن ثم تمديد فترة مجلس النواب عامين وأمام تداعيات الأزمة المالية وتخفيض الدولة نفقاتها بما في ذلك شريحة من المرتبات أو العلاوات فإننا نتعشم من الطيبين في مجلس النواب أن يتقدموا بمبادرة لتخفيض مستحقاتهم وحوافزهم بمعدل خمسين بالمائة وعلى وجه الخصوص المستطيعين منهم، وهم جديرون بتقديم هذا العطاء وأجرهم على الله ويكفيهم شرفاً تمثيل الأمة.

عضو مجلس إدارة

غرفة تجارة وصناعة الحديدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى