مشايخ الغناء اليمني..

> فضل النقيب:

> جيل من الفنانين الرواد مرّوا بحياتنا كالأنسام الرقيقة في فصل الربيع، وكانوا واسطة العقد بين الغناء القديم المترع بجماليات الشعر وعذوبته والإيقاعات الموسيقية المطربة والمتألقة على آلة العود الشجية مع إيقاعات خفيفة مصاحبة وتفاعلات حية بين الجمهور والمغنين.

وكانت «مخادر» الأفراح هي مسارح الغناء الخاص أما الغناء العام الذي كان جديدا في وقته فقد كانت الأسطوانات الشمعية مسرحه المحدث وكانت صناعة جديدة ترافقت مع صناعة الجرامفونات التي لا يملكها سوى النخبة ممن أفاء الله عليهم، وكان شارع الميدان في كريتر مقر هذه التجارة الجديدة التي تعلن عن نفسها بقوة من خلال مكبرات الصوت وعلى مدار أكثر ساعات العمل تسمع النداءات مثل «اسطوانات جعفر فون» و«اسطوانات مستر حمود» و«اسطوانات طه فون» وبعد الحنحنة تأتي الدندنة، حتى جاءت إذاعة عدن في منتصف الخمسينيات تقريبا فكانت كعصا موسى تلقف ما يأفكون إذ أكلت تجارة الأسطوانات ومعها سوق الأغاني فأصبح الناس بواسطة المذياع يطربون مجانا وحيثما كانوا، ومع الإذاعة بدأ جيل جديد من المطربين يشق طريقه إلى أسماع الناس، وفي ظل هذا التطور ولدت المدرسة الجديدة في التلحين، ذلك أن الرعيل الأول الذي بدأ منذ أربعينيات القرن الماضي لم يكن يعرف التلحين وإنما هو يردد الأغاني كابرا عن كابر وابنا عن جد وسابقا عن لاحق وجميع الألحان القديمة ليس لها ملحنون معروفون وإن كان أكثرية الشعراء مشهورين، لكأنما لحنها الشعب بذائقته وأوزان روحه مما أكسبها الخلود وأكثرها لايزال مطربا حتى اليوم وإلى أن يشاء الله مع بعض التنويع في التوزيع الذي ينتهجه بعض المتفننين المتمرسين، وكبار المطربين الذين ترافقنا شهرتهم حتى اليوم هم أبناء تلك المدرسة التي عرفت التلحين فاستجادت من الأشعار العامية والفصحى ما يناسبها ومن هؤلاء محمد مرشد ناجي وأحمد بن أحمد قاسم وخليل محمد خليل وأبوبكر سالم بلفقيه وسالم أحمد بامدهف ومحمد سعد عبدالله ومحمد عبده زيدي ومحمد محسن عطروش وكوكبة لها أول وليس لها آخر تربت في هذه الكنف الممرع للمدرسة الجديدة التي انتكست مع الاستقلال حين تحولت الأغنية بقوة الأمر الواقع إلى تمجيد النظام، وعلى كل فذلك حديث آخر. ولكن لابد من الإشارة هنا إلى الدور البارز الذي لعبته الأغنية اللحجية في التجديد والإثارة والتحدي فكان لها شعراؤها البارزون وملحنونها المتقنون الذين تولوا قيادة السفينة عقب وفاة ربانها الأول المبدع الكبير الأمير أحمد فضل القمندان.

ما أنعش ذاكرتي حول الرعيل الأول الذي كان ملء السمع والبصر ثم مضت به أمواج الحياة إلى ذاكرة النسيان بالنسبة للأجيال الجديدة ما كتبه فناننا الكبير محمد مرشد ناجي حول هؤلاء في كتابه القيم «الغناء اليمني القديم ومشاهيره» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1983م وقد قسم الكتاب إلى قسمين، الجزء الأول احتوى على ثلاثة فصول الأول حول الغناء العربي عموما والثاني حول الغناء اليمني: الموشح اليمني نغما وشعراً، الأتراك والموسيقى اليمنية، وفي هذا القسم إبحار ممتاز في التاريخ والآراء باعتدال ولغة أدبية رفيعة عرفت عن المرشدي في كتاباته وكتبه.

أما الجزء الثالث فتحدث عن مشايخ الغناء القديم وهم: الشيخ سعد عبدالله، الشيخ سلطان بن الشيخ علي، الأمير أحمد فضل بن علي القمندان، الشيخ علي أبوبكر باشراحيل، الشيخ أحمد عبدالله السالمي، الشيخ محمد جمعة خان، الشيخ قاسم الأخفش، الفنان عمر محفوظ غابة، الشيخ صالح عبدالله العنتري، الشيخ إبراهيم محمد الماس، الشيخ عوض عبدالله المسلمي ، الشيخ أحمد عبيد القعطبي، والفنان عبدالقادر عبدالرحيم بامخرمة، كما اعتذر عن عدم حصوله على المعلومات الكافية عن الشيخ فضل محمد اللحجي، وهذه لفتة كريمة لأن الكثير من الكتاب إذا أهملوا تغافلوا، كما اعتذر لأدباء حضرموت ربما لبعد الشقة وعدم توفر المادة التي لايرضى الأديب المجيد لنفسه عن سقف محدد لها يلتزمه.

على كلٍ لنا عودة إلى هؤلاء المشايخ وأثرهم في وجداننا وتاريخنا الغنائي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى