علماؤنا ومبدعونا.. وأجل التقاعد

> د. علي صالح الخلاقي:

> حفزني الأستاذ القدير نجيب يابلي، الذي يطرق كعادته في مقالاته المتميزة المتصلة بهموم العباد والبلاد، طرق موضوعا يؤرق الوسط الأكاديمي وكل الحريصين على نهضة الأمة ومستقبلها.

ففي مقالته (ما هكذا تورد الإبل يا جماعة جابر بن حيان في المكلا) «الأيام» العدد (5661) استهجن المآل الذي آل إليه حال الأكاديمي الحصيف د. عبدالحافظ الحوثري، بعد مشوار علمي زاخر بالبذل والعطاء في تخصص نادر في بلادنا من علماء أجلاء أمثال د. محمد سعيد العمودي وغيره.. والبقية تأتي إن لم نتنبه لمخاطر وأبعاد مثل هذا التعامل غير المسؤول مع ثروة الأمة من العلماء النابغين والمبدعين في مختلف المجالات، متناسين إنه بإحالة أمثال هؤلاء إلى التقاعد وهم في قمة العطاء العلمي يكون الوطن هو الخاسر الأكبر.

فبالعلم والعلماء تنهض الأمم وتتطور المجتمعات وبالجهل تتأخر وتنحط وتظل في الدرك الأسفل من التخلف.. قال الشاعر:

مع العلم فاسلك حيثما سلك العلم

وعنــه فابحـث كل مـن عنـده فهـم

فإني رأيت الجهل يزري بأهله

وذو العلم في الأقوام يرفعه العلم

والشاعر محق في قوله هذا.. وهو ما تعمل به دول العالم المتقدم والمتحضر في تعاملها مع علمائها وجهابذتها ومبدعيها ممن يحظون بمكانة رفيعة في سلم المجتمع.. أما في بلادنا فلا فرق بين عالم وجاهل وبين صالح وطالح أو بين مبدع وفاسد، بل قد ترتفع مكانة الجاهل أحياناً إذا كان من أصحاب النفوذ والحظوة.

قال أبو الأسود الدؤلي:«إذا أردت أن تعذب عالماً فأقرن به جاهلاً».. وفي بلادنا تنطبق هذه القاعدة في التعامل مع العلماء والنوابغ في مجالات الإبداع فنعذبهم ونقضي على جذوة عطائهم بإحالتهم على التقاعد، وفقاً للمقولة الشائعة «متْ.. قاعد».

أعرف ويعرف الكثيرون أن جامعات العالم المتحضر تتشبث بالأساتذة الأجلاء، على الرغم من بلوغهم ما يفوق الأجلين، طالما وهم بكامل قواهم الذهنية المتقدة وعطاءاتهم المتدفقة.. ومن المعيب أن نساوي نحن في تعاملنا بين العالم النابغ والمبدع الجهبذ وبين العامل أو الموظف العادي بحجة «الأجلين».. فالعالم أو المبدع كلما تقدم به العمر كلما ازدادت معارفه وخبراته التراكمية التي يصعب أن تعوض بسهولة وهو ما يلمسه كل من له صلة بالوسط الأكاديمي من أساتذة وطلاب علم .. أما العامل أو الموظف فإن قدراته تقل كلما تقدم به العمر ومن السهل الحصول على بديل أفضل وبوقت قياسي.

ولكم أن تتصوروا كم نجني على العلم ومستقبل الأجيال إذا ما استمر هذا النزيف للكفاءات العلمية والإبداعية، التي ينبغي أن نعيد النظر في التعامل معها بخصوصية عند اقتراب أجل التقاعد، ويستثنى من ذلك حملة الألقاب الرفيعة «الدال» ممن تيبست قرائحهم وجف نبع العطاء لديهم ولم يعودوا قادرين على مواكبة التطور العلمي في تخصصاتهم ختاماً: أرجو أن يثري المعنيون هذا الموضوع بآرائهم المفيدة والسديدة حرصاً على ثروة الأمة من العلم والعلماء وأن نفرق بين العالم والعامل، وذلك ما نأمله من ذوي الألباب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى