وحدة ناقصة وديمقراطية مشوهة

> محمد علي محسن:

> من أسباب فشل الوحدة المصرية السورية هو أن خصوصيات المجتمع السوري لم تراعَ من القيادات المصرية المنتقلة من القاهرة إلى دمشق دون أن تمتلك المعرفة الكافية بخصوصيات السوريين عن أشقائهم في مصر.

ناهيك أن الوحدة قامت على أسس عاطفية انفعالية وجدانية قومية ولم تقم على أسس اقتصادية واجتماعية وسياسية روعي فيها المصالح والمنافع، وكذا الفروقات الموجودة هنا وهناك، لذلك ما أن أعلنت الجمهورية العربية المتحدة عام 1958م حتى بدأت المشكلات والأزمات تدب في أوصال الكيان المتوحد في رأسه والمجزأ في شعبه إذ كانت الممارسات المصرية في الجهة السورية قد أدت إلى حالة من الشعور بالضم والتبعية وغياب الشراكة السورية، ومن ثم انعكست جميعها على الوحدة بين الدولتين التي لم تدم سوى ثلاثة أعوام .

مايحدث في العراق منذ الاحتلال الأمريكي في مارس 2003م وحتى اللحظة سببه الرئيس تلكم المناخات المستبدة والمقيدة للحريات السياسية والطائفية والأثنية التي لم تجد الفرصة للتعبير عن ذاتها إبان حكم صدام حسين للعراق، الذي عاش ردحاً من الزمن في ظل هيمنة رئيس واحد وحزب واحد ومذهب هو السنة. القول بأن الأوضاع الراهنة في العراق تعد نتاجا للوجود الأجنبي المحتل أظنه مجافيا لحقيقة مايجري من صراع ونزيف ومواجهة وقتل ودمار وفوضى، فلا يعني وجود مقاومة للاحتال الأمريكي من بعض الجماعات أو الحركات أن جل مانشاهده في العراق يعد من أعمال المقاومة بل يمكن اعتباره نتيجة أفرزتها حقبة تاريخية سادها الحكم الاتوقراطي المستبد بحق الآخر.

مايحدث في العراق جزء منه في مواجهة المحتل فيما الجزء الأكبر هو نتاج للحريات والديمقراطية والتعددية الممارسة اليوم في بلد غابت وقمعت فيه الحرية والطائفة والأثنية والحزبية وفجأة ودون مقدمات صارت في متناول الجميع .

لماذا نستذكر الآن الوحدة المصرية السورية، وماجدوى الحديث عن النظام العراقي السابق في ظل نظام ديمقراطي طائفي أمريكي ؟ مناسبة هذه المقدمة الطويلة أعتقد أنها الحالة الماثلة في بلادنا، فبعد عقدين من قيام الوحدة مازالت هذه الوحدة مسكونة بالمخاوف من التجزئة جراء العقلية ذاتها المهيمنة على كل مقدرات وشؤون الشريك الآخر في الوحدة، بعد خمسة عقود من الثورة والجمهورية مازالت الإمامة تطل بقرونها من صعدة مهددة النظام الجمهوري، كذلك الديمقراطية التي مابرحت الماضي الشمولي الذي تعيد إنتاجه أو أنها ماضية في إعادة تشكيله وتجزئته بما هو أدنى من الكيانات الموجودة .

قلنا في الوحدة مالم يقله مالك في الخمرة والآن يتوجب علينا قدحها بهجائية لاتنتهي سوى بالانفصال، هكذا البعض ينظر للوحدة وكأنها سبب في كل مانحن فيه من معاناة وأزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية بينما الحقيقة هي أن الوحدة صيغة سياسية بين دولتين أو أكثر وغايتها الأصل منافع ومصالح المجتمعات المتوحدة وليس العكس مثلما رأينا الوحدة اليمنية للأسف في خدمة من يحكم منفرداً دون وجود شريك له في السلطة أو الدولة. هذه الصيغة الاندماجية فشلت منذ العام الأول للوحدة، لأنها قامت على تقاسم السلطة بين النظامين ولم تقم على أساس الشراكة المجتمعية في الثروة والسلطة، لذلك كانت هذه الشراكة في الحكم قصيرة الأجل للطرفين اللذين لجآ لخيار الحرب كوسيلة لفض الشراكة أو فرض الوحدة بالقوة، فانتصرت الوحدة، ولكن بصيغة أحادية فرضت بطبيعتها أنموذج الشمال المختلف كثيراً عن أنموذج الجنوب وخصوصياته التي لم تؤخذ بالحسبان، وأدت بالضرورة إلى الحالة المشاهدة في المحافظات الجنوبية الواقعة الآن مابين وحدة ناقصة وعلى الطريقة المصرية في سوريا وبين ديمقراطية مشوهة لن تفضي على المدى القريب لنتيجة غير انبعاث الكوامن والنزعات القبلية والمناطقية والطائفية والجهوية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى