حول مصنع الغزل والنسيج عدن

> د. عيدروس نصر ناصر:

> في منتصف السبعينات كان كاتب هذه السطور ضمن رحلة طلابية من ثانوية زنجبار بمحافظة أبين وكانت الرحلة هي ثالث أو رابع مشاركة في رحلة مدرسية إلى العاصمة عدن.

لكنها من حيث نوعيتها وتأثيرها في نفسيتي هي الأولى، فلأول مرة أشاهد منشأة تكنولوجية حديثة تدور فيها المكائن متناوبة المهمات فيدخل القطن من أول قسم في المصنع قطناً خاماً جاء من المحلج ليخرج من آخر ماكينة قطعة قماش زاهية الألوان بديعة التطريز والتشكيل .

من غير شك أن الثقافة الريفية والانبهار بالمنشأة الحديثة ومحدودية العلاقة مع المعارف التكنولوجية قد كان له تأثير كبير على ذلك الانطباع المبهر، لكن حداثة المنشأة وقدرتها على تلبية حاجة السوق من بعض المنتجات النسيجية كان لها الأثر الأكبر في ماخرجنا به نحن الزوار من انطباعات، وأتذكر أنه كان معنا أحد المدرسين القادمين من بريطانيا، قال لنا ما معناه : اليوم وبعد ما شاهدته في هذا المصنع تأكد لي أن لديكم ثورة ودولة حقيقيتين .

لم أزر المصنع بعد هذه الزيارة، ولكنني علمت أن تحسينات كبيرة أدخلت عليه من حيث تطوير القدرات التكنيكية وتنويع المنتجات النسيجية وافتتاح أقسام جديدة لم يكن لها وجود عند تلك الزيارة .

اليوم بلغني أن المصنع قد تم إيقافه عن العمل ومما علمته من لقائي ببعض العمال والعاملات في المصنع أن شهرين انقضيا (هما يناير وفبراير 2009م) من دون أن يتسلم العمال شيئاً من مستحقاتهم القانونية من مرتبات وخلافها، ولست أدري ماهي الأسباب الكامنة وراء كل ذلك، هل إن المصنع يمضي نحو التأهيل والصيانة أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

وإذا ماعلمنا أن المصنع ذا التكنولوجيا الصينية قد افتتح بعد مايقارب عقدا من الزمن على افتتاح نظيره في صنعاء، وبالخبرة (الصينية) نفسها سنعلم أن مايتعرض له مصنع عدن مثله مثل غيره من ممتلكات ومنشآت ومصانع ومؤسسات الجنوب لم يكن وليد الصدفة ولاحتى نتيجة سوء التدبير ورداءة الإدارة .

من غير شك أن هناك نهما فظيعا ينتشر لالتهام كل مؤسسة من مؤسسات القطاع العام في عدن ومحافظات الجنوب ومن اليسير تدبير أسباب هذا الالتهام إما بذريعة الإفلاس والعجز عن تدبير النفقات، أو التضخم في العمالة والكل يعلم أن هذه الأسباب يمكن التغلب عليها فيما لو توفرت الإرادة السياسية، لكن الرغبة في الانتقام من الجنوب بتاريخه ومؤسساته وأهله ليس بعيداً عما يتعرض له هذا المصنع مثله مثل عشرات المصانع والمزارع والتعاونيات ومؤسسات وشركات القطاعين العام والتعاوني التي جرى الانتقام منها باعتبارها تعود للطرف المهزوم في حرب 1994م اللعينة.

أمام السلطات اليمنية الكثير من الخيارات ليس بالضرورة أن يكون من بينها الخصخصة، فيمكن مثلاً الاقتراض من أحد البنوك لتدبير الصيانة وإعادة التأهيل ويمكن تسخير أحد القروض التي تبلغ سنوياً مئات الملايين من الدولارات والتي غالباً ما يلتهمها الفساد، ويمكن فتح اكتتاب للعمال للمساهمة في ملكية المصنع، هذا فضلاً عن استحداث الأساليب والآليات الجديدة لتحسين عمله .

العمال الذين عاصروا عمر المصنع وبنوه وصانوه بعرقهم وأعمارهم وأرواحهم وعواطفهم، لديهم كل الأسس القانونية والأخلاقية ليس فقط في الحصول على حقوقهم القانونية من مرتبات وعلاوات وبدلات ومعاشات، ولكن في التمسك باستمرار المصنع على قيد الحياة ومنع العابثين من التصرف به، ولذلك من حقهم استخدام كل السبل القانونية والسلمية لمنع تعريض المصنع للموت المتعمد، فالجوارح عيونها مفتوحة ولعابها يسيل على المصنع تكنيكا وأرضية ومنشآت ملحقة وأصولا منقولة وغير منقولة، فلنمنع هذه الجوارح من العبث بدمه ولحمه لأنه دمنا ولحمنا جميعا وفي المقدمة عمال وعاملات ومهندسي وإداريي المصنع .

خلاصات وبرقيات

-تعمدت عدم التعرض لما تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام عن اختلاسات تعرض لها مصنع الغزل والنسيج عدن لأنني أحبذ ترك هذا الأمر لجهات البحث والتحري والقضاء لتقول كلمتها فيه وباعتبار (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) .

-الأرضية الواقعة خلف منشآت المصنع، التي اعتبرت منذ وقت مبكر ملكاً للعمال كاستراحة أو منشآت ترفيهية هي ملك للعمال دون سواهم وأي تصرف بها يعتبر عدواناً على حق العمال .

- استمرار محاكمة «الأيام» وناشريها هشام وتمام باشراحيل هو استمرار لمحاكمة الكلمة الحرة والموقف الشجاع فحتى متى هذا النزوع العدواني تجاه المدافعين عن الحق والحقيقة؟

-مرة أخرى أشير إلى الظلم الكبير الذي تعرض ولايزال يتعرض له المناضل أحمد عمر العبادي المرقشي، الذي يرزح ظلما وعدوانا تحت أغلال السجن المركزي بصنعاء بلا تهمة ولا تحقيق ولا إحالة إلى القضاء ولا إدانة بينة، فمتى سينتهي هذا الظلم ؟

رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى