ليس حنينا للماضي..!!

> عبدالقوي الأشول:

> يختلف جوهر ومضمون القضية الجنوبية عن قضية صعدة من حيث خصائصها والحيثيات التي أتت إثرها، فالحديث هنا يرتبط بشراكة الدولة الجنوبية في الوحدة وما حدث من انقلاب على هذه الشراكة وتبعات ذلك.

بمعنى أن رفع راية القضية الجنوبية لا يعني بأية حال وبمفهومها الواقعي (جنوب ضد شمال)، رغم أن مثل هذا المفهوم المغلوط يعده البعض منفذا لخلق حالة من البغض والكراهية بما يوحي أن القضية الجنوبية تستهدف كل شمالي، إلا أن الحكاية مختلفة تماما عن ذلك.. نعم الجنوب بالنسبة لأبنائه هو ثقافة وهوية ووطن وتراث وكل ما يرتبط بالوضع الاجتماعي للسكان منذ الأزل.

والجنوب كما تؤكد أحداث التاريخ بوابة للفعل الحضاري، والتقدم الإنساني بدليل أن عدن مدينة الطيف اليماني شماله وجنوبه من الحواضر العربية ذات البعد في ميادين المعرفة والحضارة.. مكون لا أظنه اليوم يبدو متباينا مع ما يرفعه أبناء الجنوب وكل أبناء اليمن من دعوات حريصة على الإصلاح السياسي والاجتماعي، وهنا يكون عنوان القضية الجنوبية مدخلا نحو التغيير والإصلاح بمفهومه الحقيقي عوضا عن البقاء عند حدود مداهنات غير جدية أو حلول ترقيعية لا تأخذ بمضمون القضية الجنوبية التي تعد المحور الواقعي والحقيقي نحو خلق أو تبلور إرادة سياسية مسؤولة وجريئة تنتشل الوضع من براثن هذا التردي العارم الذي لم يعد يحتمل نفسه.

والسلطة برفضها الاعتراف بهذه القضية لا نظنها صائبة بدليل أن هذه القضية شهدت تنامي حراكها السلمي و تشعب مطالب هؤلاء المشروعة، في حين أن فظاظة التعاطي معهم ولدت يقينا وإحساسا متزايدا بضرورة مواصلة نهج التعبير السلمي وصولا إلى تحقيق الأهداف التي من دون ريب ترتبط عند هذا الوسط بالعدل والمساواة والحقوق، ولا نظن أن أي ذي بصيرة ومعرفة بخصائص الوضع القائم لا يتوجس خشية من استمرار التعاطي مع الأمور على النحو الذي نعيشه والذي يكشف بفجاجة دعوة هؤلاء للتعايش مع الاختلالات العميقة القائمة باعتبارها رديفة للوحدة ولصيقة بالوطنية.

ومع ما تشهده ساحة الوطن من تشظ وتعبئة خاطئة لا يوجد حرص حقيقي من قبل السلطة على احتواء الأمور قبل أن تصل إلى مواضع حرجة، الأمر هنا لا يعني بأية حال حالة تمرد أو خلافات بسبب قضايا هينة.. وبأية حال فإن مثل هذه الحالة تؤجج أعمال العنف وتزيدها تعاظما، فعندنا تكرس السلطة في خطابها السياسي أن فكرة الاعتراف بالقضية الجنوبية إنما تعني العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990، فهنا يبرز السؤال المنطقي.. أعني ماذا سيغدو عليه الحال بعد سنوات ربما وجيزة من ترك الأمور على النحو القائم؟! خصوصا في ظل تلك التداعيات التي هي وليدة سنوات من التعاطي والتعايش مع الفساد بكل ما ارتبط به من نهب!.

إذن بالمنطق كنا دولة جنوبية.. أعني جمهورية اليمن الديمقراطية، ورفع مسمى الجنوب ليس مناطقية بأية حال، ولا يستهدف النسيج الاجتماعي البائس لشطرينا، ولا هو حنين للماضي وإن كان الحنين صفة بشرية إلى صورة الأمس حين يكون البكاء على أفضليته، ولكن حنيننا هنا يتصل بثقافة ووطن وتاريخ وحقوق.. وإحساس بالمواطنة وعمق الانتماء لوطن فيه حقوقك ومصالحك وسبل عيشك الكريم، وفرصك الحياتية المتساوية التي من دون شك تزيد من عمق انتمائك لوطنك، وحين ترى كل هذه المميزات في مرمى العبث لا شك أن مستوى غيرتك يزداد، بل يزيد مستوى التحدي لديك بضرورة العيش الكريم تحت سماء وطنك.. فهل تنكر أيها الشقيق ما أصابنا من حيف وظلم بسبب قناعاتنا وسلوكنا المثالي؟

فكيف يطلب منا بعد كل ما جرى وحدث أن نعلن مباركتنا ورضانا بكل ما جرى حولنا وما شهده الواقع من ممارسات فجة استعلائية نهمة بحق الوطن وثروته وتراثه، بل بما شهد واقع الجنوب من ضم ونهب لأراضيه وممتلكاته ومؤسساته، وتشويه لتاريخه؟!

وهل ما قدم جيل الأمس من تضحية تشرع له التضحية بمستقبل الأجيال؟.. فمنطق التجاوز لما سلف لا يكون بالخنوع والذل والإفقار.

لذا ستظل القضية الجنوبية محورا لأية إرادة سياسية للتغيير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى