بلاغة الوحي

> سلام سالم أبو جاهل:

> قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا، فأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء وأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى تكون القلوب.

على قلبين أبيض كالصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه».

إن الناظر في مفردات الحديث بتمعن سيجد فيها بلاغة عظيمة، وتلك هي بلاغة الوحي وجمال العربية، فقد ذكر سيد الخلق صلى الله عليه وسلم الفعل المبني للمعلوم «أنكر» وهنا يتضح من سياق الحديث أن القلب الحي قلب المؤمن هو الذي يتولى قيادة الجوارح، فالجوارح تابعة له لأنه حي وقائد ويأخذ من الجوارح ما يوافق الحق وينكر ما يخالف الحق. إذن فهو أي القلب الحي متبوع وليس تابع لأنه يعرف وينكر، أما الفعل المبني للمجهول أشرب فقد جاء بعده القلب نائبا للفاعل فمثل هنا قلب الكافر أو المنافق بالميت، لأنه تابع للجوارح، فهو ينتظر ما تأتيه به الجوارح، فالجوارح هنا هي التي تملك زمام القيادة وليس للقلب أي دور في التحكيم بالجوارح، فهو لا يعرف ولا ينكر إلا ما أشرب من هواه.

ثم تابع الحديث في مفرداته الجميلة فمثل القلب الذي ينكر المنكر والفتنة بالبياض في نوره ومادته وصفائه وكالصفا (الحجر الصلب) في قوته وثباته، فهو صافٍ في نوره وقوي في إيمانه وثباته، أما القلب الميت فقد شبهه بالسواد المرباد وهو المظلم الخالي من النور والشفافية في مادته وكالكوز المقلوب الخالي من الفائدة، فهو كوز فارغ قابل للكسر والتهشيم وهنا جمع بين الظلمة والضعف!

فسبحان الله الذي بيده ملكوت كل شيء القائل:(وماينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى