بالإصرار والصمود لن تضيع الحقوق

> عبدالرحيم الأهدل:

> إن تقويم المجتمع وتوجيهه بالإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة والآداب الحكيمة يحتل المكان البارز المرموق في القرآن فلقد عالج القرآن ما يشوب المجتمع من تلك العادات المتعفنة.

وبين ما ينتج عنها من مخاطر ومآسي وخسران وندم وكشف السبيل الأقوم والأدوات الفعالة لاقتلاعها من جذورها بأسلوب رقيق من الحكمة والموعظة الحسنة(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) وحبذا لو يرجع المسلمون اليوم إلى دستورهم الخالد وكتابهم المجيد لوجدوا فيه الترياق النافع لامراض المجتمع ولما تاهوا في ظلمات من العادات والتقاليد الأجنبية يتلمسون في ذلك حل للمشاكل المستفحلة فلم تكن النتيجة والواقع إلا أمورا عكسية جعلت تلك الاحوال والقضايا تزداد تعقيداواستحكاماً.

فالمسلم اليوم يفقد الثقة بأخيه المسلم والناصح لا يمحض أخاه نصحه ولا يبعثه عليه حسن النية والغش تفشى في اوساط المجتمع والمكيال والميزان تحصل فيهما الزيادة والنقصان ومناهل الأخلاق قد جفت وينابيع الحياء والمروءة قد نضبت وما ميزان الامم في هذه الحياة الا بمقدار مالها من رصيد في مكارم بالأخلاق فإن مكارم الأخلاق ميدان رحب يتسابق فيه ذوو الهمم الجبارة والنفوس الابية المتطلعة إلى حياة افضل وعيش هنئ في عالم يسود فيه الوئام والتفاهم وتكفل فيه حقوق للضعفاء عن ان تستبد بها الايدي القوية العابثة فالأخلاق الفاضلة اذا كانت لها رواح المجتمع وعشقها الافراد بدافع الطبيعة والحب الغريزي لا بالتكليف والتصنيع فهي الدواء الشافي لقطع الامراض الاجتماعية التي انسابت وتعمقت في مجتمعنا من حسد وحقد وغرور وعنجهية وحب الذات والأنانية والنفاق العام وعندئذ توحد الحلول الحكيمة لمشاكلنا المعقدة ويسود فينا روح الاخاء الإنساني والتقدير للغير ونكون خير امة اخرجت للناس مثاليين في اقوالنا وافعالنا اقوياء في عزائمنا وارادتنا لا نخضع الا للحق والمبادئ الصحيحة والقوانين الشرعية والاهداف النبيلة والمثل العليا ولا نتنكر الا للباطل والمبادئ الهدامة للفضيلة والشرف.

فبمكارم الأخلاق تظهرالقيم للانسان الكامل وتنكشف مزايا الشخصية الإنسانية الفاضلة وبمكارم الأخلاق ندرك مدى الجهود التي تبذل في سبيل اسعاد المجموعة البشرية ونوليها ما تستحقه من عناية وبذلك أيضا تقدر العاملين المخلصين الذين يؤدون واجبهم نحو الدين والوطن والإنسانية ممن لا تلهيهم الأنانية ولا تغريهم المنافع الشخصية فإن تقديرنا لجهودهم واعترافنا بجميل مساعيهم التي تحدم القضايا الوطنية وتذود عن حقوق المظلومين انما يبعث فيهم تيارا كهربائيا من العزم والثبات والصمود على الحق يسري في شرايينهم فيدفعهم إلىالسير قدما لمواصلـة الكفاح في ميدان العمل النافع والسباق في معركـة النضال المرير لنيل كافة الحقوق المشروعة تلك الحقوق والمطالب التي تنال من غاصبها بالاماني وحديث النفس والاحلام ولكنها تنتزع بالقوة وتؤخذ بغلبـة الحق على الباطل والحق لن يضيع اذا كانت وراء قوة تساندة بكل اصرار وصمود واتحاد في جمع القوى الفعالـة وتوحيد للافكار والمبادئ في اطار واحد في حدود الامكان والطاقـة ولن يكون ذلك في الوسع والمقدور الا بالقضاء على الامراض الاجتماعيـة من الكبر والحسد والاحقاد التي تحدث الفجوة العظيمـة والهوة السحيقـة بين الافكار والمبادئ المتنافضـة .

وبالتخلص من ذلك ينشأ المجتمع السليم الذي يقدر الواجب والمصلحـة العامـة والمجتمع الصالح الذي يؤمن بالحق ويجاهد فيه ولا يحيد عنه قيد شعرة والقرآن الكريم ينوة بفضل هذا المجتمع الذي اسس دعائم الحياة على تلك الأخلاق الفاضلـة وصفاء السرائر من الغل والدخيلـة فيقول: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، فالقرآن يوجه المجتمع الاسلامي إلى أن يكونوا أمـة واحدة متماسكـة رحماء بينهم أشداء على الكفار بالله وبالفضيلـة و بالقيم الانسانيـة وأن يكونوا مجتمعا سليما تنشر الرحمـة فيهم اجنحتها وتتجاوب فيهم المشاعر ويستيقظ فيهم الضمير ويحس القوي بآلام الضعيف فلا يبخسه ماله ولا يجعل منه آلة مسخرة لأهدافه ومطامعه، ونحن في عصر تقدمت فيه العلوم والفنون والصنائع وأفلست فيه الأخلاق والقيم الانسانيـة فترى الدماء وتعبث بمقدرات الشعوب وتعكرعليها طريق الوصول إلىحقوقها الطبيعيـة وتحول بينها وبين تقريرها لمصيرها بالحديد والنار كل ذلك بحجـة المحافظـة على حقوق الإنسان إن تلك الدول تتشدق بالتوقيع على اقدس وثيقـة إنسانيـة عرفها التاريخ وهي وثيقـة حقوق الإنسان ولكنها استباحت لنفسها أن تقتل وتنكل على حساب تلك الوثيقـة المقدسـة وثيقـة حقوق الانسان.

هناك حكومات إسلاميـة وعلى الخصوص في الجزيرة العربيـة تتشدق بان دستورها القرآن ونظامها مبادئ الاسلام واحكامه ولكن الواقع انهم يسيرون في طريق بعيدة عن أهداف القرآن ونظمه للحياة.. إن القرآن يحث على ارتشاف العلوم النافعـة في كل فن من الفنون وهم يمدون لحل الجهل المتغلغل في طبقات الشعوب ليظل ضاربا بأطناب ظلامه القاتم على العيون حتى لا يروا بصيصا من نورالعلم.

العدد 147 في 27يناير 1959م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى