الفشل والنفوس الصغيرة

> عبدالرحيم الاهدل:

> ان الثبات على المبادئ والدفاع عن المعتقدات الحقة المركزة على الاسس المتينة من المنطق السليم والمفاهيم الصحيحة من ابرز المعلامات الكاشفة عن الشخصية الناجحة الجذابة وهي التي لها الاثر الفعال في تغيير جذريا وان الثبات على المبادئ هو الذي يمد الارادة الجبارة بالحرارة الكافية للدفع بصاحبها إلى شاطئ النجاح والبلوغ إلى مايهدف اليه في هذه الحياة.

والثبات نفسه لا يعمر طويلا ان لم يكن مدعما بيقين وجزم بالمثل العليا التي يدافع عنها وتعتنق كمبدأ وعقيدة وفي ذلك الاعتقاد المرسوم باليقين والحزم ما يهون على صاحبه التضحية بكل غال ونفيس ويعطيه المناعة القوية ضد الوهن والضعف الذي يمنيه بالفشل ويزين له الاحجام والاستسلام وقلب مبادئه وارائه راسا على عقب، فالثبات هو الاستماتة في سبيل الدفاع عن المبادئ والمعتقدات وهو لا ينبت الا في النفوس الكبيرة تلك النفوس التي تخون الهياكل الجسمانية إلى براكين تتقدم عزما وبسالة وقد ادرك هذه الحقيقة الشاعر الكبير ابو الطيب حين قال:

واذا كانت النفوس كبارا

تعبت في مرادها الاجسام

فهو يدلنا على مدى ماتحمله النفوس الكبيرة من الثبات فهو المادة التي تحلق المرء الوثوق بنفسه والاعتقاد بان كل شيء ممكن في الحياة وليست الحياة الفاضلة الا العقيدة والكفاح . .

واما الشك في المبادئ والتلون فيها فذلك ان دل على شيء فانما يدل على ان صاحبه جبان في نفسه خائر القوى والعزيمة ضعيف الارادة ناكص على عقبيه فهو إلى الفشل اقرب منه إلى النجاح وهو خاسر في حياته حين تنقص عبثا ويطمس التاريخ معالمها ويعده من حلقاته المفقودة فعلى المرء الحازم ان يفكر اولا فيما يهواه من مبدأ وعقيدة وبمعن الفكر عن رواية وتبصر ويرجع البصر كرتين حتى يستبين له انه على صراط مستقيم فيقوم بروح وثابة ممتلئة عزما ويقينا بالنجاح وايمانا بصحة ما يقوله ويفعله مقدرا للنتائج وشتى الاحتمالات ومعدا لكل امر عدته، واما من يقدم على شيء لا يؤمن بصحته ويتهور في التوغل فيه قبل التدبر فيما يكون المصير اليه فهو فاشل حتما لانه يتصور الفشل قبل وقوعه وهو دليل منطقي على انه يحمل نفسا صغيرة وعقلا محصورا لان الفشل والانهزام مصير محتوم لذوي النفوس الصغيرة التي لا تصمد طويلا امام الهزات والصدمات التي تعوقها عن بلوغ ماتصبوا اليه.

وليس بعجيب ولا بمستغرب ان يقدم المرء على عمل جبار ومجهود عظيم ثم ينكص على عقبيه حينما يشعر انه وحيد فيخال ان الارض تتزلزل من تحت قدميه فيتضاءل وتنهار قواه ويعود ادراجه، بل العجيب والذي يجب له التقدير هو ان يظل على رايه مدافعا ومناضلا لا تميله العواصف ولاتزل قدمه بالهزات والزلازل لان له نفسا عظيمة وقوى جبارا توحي له بالصمود وتلهمه الثبات فاما ان يجد راحة ضميره في بذله قصارى الجهد فيما لواخفق واما ان يجد لذة الظفر والنجاح فيحمد مسعاه.

ولن اعد والحق ان قلت ان القوة الصامدة اعجب وانبل من القوة الغالبة وفي هذه الدراسة المقتضبة مايفسر لنا مسلك كثير من من يتقمصون الزعامة والارشاد فيظهرون على مسرح الحياة بمبادئ ومعتقدات واراء ولكنهم سرعان ما ينسلخون عنها كما تنسلخ الحية عن جلدها دون اسباب معقولة او دليل منطقي بيرر لهم ذلك بل جريا وراء المصالح الذاتية والاطماع والمظاهر متناسين ان الله من ورائهم محيط.

العدد 133 في 10 يناير 1959م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى