العلم أساس نهضة الشعوب وتقدمها

> سعيد عبدالعزيز:

> إننا لو رجعنا بذاكرتنا قليلا إلى الوراء او تصفحنا كتب التاريخ وتاريخ الأمم والشعوب وكيف كانت تعيش على اختلاف الوانها وجنسياتها وديانتها من شرقية وغربية لوجدنا ان اغلبيتها كانت تعيش قبل بضعة قرون في دوامة من الشقاء والبؤس والتعاسة.

ولوجدنا انها كانت تعيش في جو يخيم عليه الجهل والظلام والفقر والمرض، مستضامة ومعذبة ومستبعدة، مهضومة الحقوق مغلوبة على امرها، تسيطر عليها الدكتاتورية والرجعية والانتهازية والاقطاعية على أيدي أفراد قلائل من مصاصي دماء البشر، وحفنة صغيرة من المستبدين والطغاة، وفاقدي الضمائر ولكن تلكم الشعوب وتلكم الأمم استيقظت بعد طول رقاد ونفضت عن نفسها رداء الكسل والخمول والجمود بعد أن عرفت وأدركت أنه لا سبيل لها ولا طريقة لها لكي تتغلب وتتخلص من جهلها وفقرها وأمراضها ومشاكلها الاجتماعية الا سبيل واحد وطريقة واحدة هي طريق العلم والمعرفة لتعيش عيشة حرة كريمة فيها السعادة وفيها الرخاء وفيها المحبة والوئام وفيها العدل والمساواة لاسيد ولا مسود ولكن الكل سواسية لا فضل لواحد على الآخر إلا بالتقوى أو لمن يكرس حياته وجهودة لاسعادالآخرين.

ومن ثم بدأت تلك الشعوب والأمم تشق طريقها تبحث وتنقب عن العلم في كل مكان وتبذل كل مرتحصى وغال في سبيل الحصول عليه حتى نجحت بعد ان ذاقت الأمرين في سبيل الحصول عليه، الأمرالذي مكنها فيما بعد من التغلب على الغقبات والمشاكل التي كانت تشكو وتتذمر منها، وتعاني بسببها اشد انواع العذاب والتنكيل والاضطهاد وعلى اسس علمية متينة وقواعد ثابتة نهضتها وحضارتها وغيرت مجرى تاريخها القديم فكفلت حقوق الفرد والجماعات القضائية منها والقانونية والاجتماعية ودخلت التاريخ الحديث من اوسع ابوابه حاملة اقواس النصر على اعناقها واكتافها.

وكنتيجة للعلم والتقدم الذي احرزته والذي لازالت تبحث عنه وترصد له مئات الملايين وتتفنن في الاختراعات والابتكارات والمنتوجات المدهشة التي نشاهدها اليوم ونلمس نتائجها بأيدينا وسخرت الجو والفضاء والبحار والطبيعة لمشيئتها وارادتها وهاهي اليوم تعيش في بحبوحة من الرخاء والخير والنعيم بعد ان كتبت تاريخها بأحرف من ذهب بل وما هو اغلى من الذهب.

إن ديننا الحنيف وتعاليمه السمحاء الصالحة لكل زمان ومكان يحثنا على التعلم بالاضافة إلى ما تتضمنه الأحاديث النبوية الشريفة القائلة بأن العلم فريضة ولو في الصين، ونحن اليمنيين بالنسبة للعالم العربي والاسلامي وما يغير الله بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم, إننا نحن اليمنيين اذا اردنا ان نبني مستقبل وطننا ومستقبل اولادنا وابنائنا وفلذات اكبادنا الذين كنا نحن سبب وجهودهم في هذه الحياة وكونهم امانة في اعناقنا ونحن المسئولون وحدنا عن تعليمهم فمن الواجب علينا ان نبذل النفس والنفيس لبناء المدارس لتربيتهم وتثقفيهم واعدادهم اعدادا كاملا للمستقبل من الآن ليتسلحوا بسلاح العلم والمعرفة ليخوضوا معركة الحياة التي سيجابهونها بمسؤلياتهم واعبائها الضخمة في مستقبلهم الذي لايزال مجهولا حتى الآن تماما كماضينا المظلم الذي عشناه وواقع حياتنا الحاضرة المؤلمة بل فيكون احلك واظلم واسوأ بكثير من ذلك،. الم نحذ حذو الأمم والشعوب التي سبقتنا في مضمار العلم والتقدم والرقي التي اشرنا اليها في هذا المقال.

ايها المواطن اليمني الكريم اينما كنت اعلم ان الظروف الدقيقة الحرجة التي يمر بها تاريخك نتطلب منك ان تستعمل عقلك وانت الآن على قيد الحياة فانه لن يطلب منك ان تستعمله بعد ان ترحل إلى عالم الآخرة يجب علينا جميعا ان نستعمل عقولنا ونطورها ونكيفها طبقا لتطور الزمان وظروفه وان نكون واقعيين لا نؤمن بالخرافات والخزعبلات والطلاسم والأماني الكاذبة التي ولاتزال عاملا من عوامل ركودنا وجمودنا وخمولنا وتخلفنا عن ركب الحضارة ومسايرتها، وبالأصح مسايرة الشعوب الناهضة، لذلك يجب علينا ان نفهم ونعي حقيقة واحدة وهي ان أي قوم او أي شعب اواي امة مالم تحدث وتولد تغيرات جوهرية من ذات نفسها لتصحيح اوضاعها الفاسدة ومفاهيمها الخاطئة والأساليب والنظم البالية التي تعيشها في زمان وعصر لا يتفقان واياها وتلقن واضعيها دروسا قاسية ليكونوا عبرة وعظة لغيرهم ولمن يحاولون ان يتلاعبوا ان يعبثوا بمقدراتها وارادتها فإنها لاشك وان تبقى على ماهي عليه من تأخر وجمود وجهل ومرض وفقر وشقاء وتعاسة،وان أي امة هذا شأنها لا تشعر ولا تحس بكرامتها وعزتها ولابما يجري حولها من تسابق على العلم والمعرفة والتقدم والرقي لحياة افضل لمحكوم عليها بالاضمحلال والانقراض والفناء، فهل ترضي نحن ان تكون تلك الأمة المحكوم عليها بالفناء الا اذا كان فناؤنا في سبيل وطننا وفي سبيل قوميتنا وتاريخنا الذي بدأ نوره يشع ونجمه يتألق من جديد ليأخذ مكانته المرموقة بين تاريخ الشعوب والأمم التي سبقتنا في ميدان العلم والحضارة ولذلك قلنا ان العلم أساس نهضة الشعوب وتقدمها.

العدد 201 في 31 مارس 1959م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى