ما أغلاك هنيئا لك هذا الحب ياعادل

> «الأيام الرياضي» أحمد بو صالح:

> بحبر من الدموع أكتب إلى روح أخي ومعلمي وأستاذي وإبن بلدتي وجلدتي عادل الأعسم العائدة إلى بارئها، وفي حضرة الكتابة الرثائية هذه أعتصر الأفكار المعطلة تماماً وأنتزع الكلمات عنوة من خزائن العقل المصدوم.

ومكتبة القلب المكلوم،أعترف أنني مررت بأحداث كثيرة محزنة في حياتي مات فيها عدد من أهلي وأقاربي وأصدقائي ولكنني لم أبك أحداً كما بكيتك يا أبا محمد،وكلما عادت ذاكرتي المعطلة إلى الدوران ودخلت مجال التغطية ومر أمامي مقطع نصح وإرشاد قلته لي يوماً، أو عرضت على شاشة الذكريات حصة مدرسية في أبجديات الصحافة وفنونها علمتني إياه..بكيتك أيها المعلم كلما نظرت في عيون والدك الحاج محمد أطال الله في عمره وأشقائك سالم وياسر وخالد وأولادك وزملائك معاذ الخميسي وأحمد الشبارة وعابد المهذري وعبدالله مهيم ومختار محمد حسن وجلال الشرعبي وكمال البعداني ومحمد سعيد سالم ومروان دماج وغيرهم الذين رافقوا جثمانك الطاهر من مطار صنعاء وهم ينتحبون.

ما أغلاك ياعادل كونك اكتسبت كل ذلك الحب من تعاملك مع غيرك بالصدق والطيبة، وكونت هذه الثروة من الغلاء والحب بصدقك وطيبتك وصراحتك وشجاعتك وتسخير علاقاتك الواسعة لخدمة زملائك وأصدقائك ما أغلاك وأنت تثير الجدل في حياتك من خلال كتاباتك الناقدة وتعابيرك اللاذعة وتثيره اليوم بموتك المفاجئ وتقض مضاجع التساؤلات عن أسبابه الغامضة.

ما أغلاك وأنت الأكثر جرأة وشجاعة من بين كل زملائك في البلاط الصحفي والأكثر حباً لدى الجميع، وفي طليعتهم من أوصلت سهامك الحارقة إلى قصورهم وأبراجهم العاجية..ما أغلاك أيها الغالي وأنت توقف الحياة في محافظات الوطن ومؤسساته الصحفية بمختلف ميولها واتجاهاتها وتشغل من فيها عدة أيام بمتابعة حالتك الصحية في مستشفى القوات المسلحة بالقاهرة، وتجعل خطوط شركات الهاتف النقال كلها ساخنة بين محافظات الوطن والعاصمة المصرية لعدة أيام..ما أغلاك أخي وأستاذي ومعلمي عادل وأنت تجمع الكل في محبتك،فغلاك يا من تستحق الغلاء والحب الذي جسدته صور متعددة ومختلفة رأيتها بأم عيني وأبكتني بالفعل ولم تستطع الأيام مسحها أبدا من الذاكرة ، فقد تأكدت من غلاك ومحبتك عند الآخرين من خلال ذلك الكم من البشر وهم يفترشون موقف وحديقة مطار عدن في انتظار وصول جثمانك القادم من صنعاء، وفي مشهد رجل المرور في جولتي العريش والمنصورة، وهم يوقفون كل السيارات لإفساح المجال لرتل السيارات الطويل الذي كون موكب تشييعك إلى مثواك الأخير في مقبرة المنصورة، وفي صورة الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ والشباب الذين اكتظت بهم الساحات المحيطة بمنزل أسرتك في العريش والشوارع والأزقة المؤدية إليه.

تجسدت صورة غلاك ومحبتك يا من تستحق كل ذلك في مشهد طفل بالملابس المدرسية وهو ينتحب بمرارة وبراءة بجانب خيمة العزاء عند خروج جثمانك من منزل الأسرة إلى مقبرة المنصورة ومن خلال مشهد شيخ انسابت دمعتين بهدوء على خديه مبللة لحيته البيضاء ، وفي صورة شاب من أبناء بلدتك متسلحاً بمسدس روسي وخنجر يبكيك علناً في المقبرة..وفي صدى صوت المصلين عليك الذين امتلأ بهم مسجد الرحمن وهم يرددون بعد الإمام الله أكبر، وفي الأجساد التي تزاحمت على حمل نعشك الطاهر، وفي من لم تستوعبهم ساحة المقبرة فتسلقوا السور الحديدي المحيط بها ليودعوك يا أبا محمد الوداع الأخير.

أبا محمد أحببتنا فأحببناك..كيف لا وأنت من أعجبتنا بأسلوبك الراقي في النقد وأخذت بأيدينا وعلمتنا وشجعتنا وزاملتنا ثم ودعتنا وأبكيتنا فنحن نفتخر بأننا عرفناك وعاشرناك وصادقناك وودعناك بغير رضانا إنما برضا من خلقك وخلقنا، وفخورين أننا بكيناك كما لم نبك من قبل أبداً..فخورين لأننا تعلمنا على يديك أشياء لم ولن نتعلمها أبدا ولو درسنا في أكبر وأرقى جامعات الدنيا..فنم أيها الغالي الحبيب قرير العين ، فقد أبليت بلاءً حسنا وأعطيت وطنك عطاء بلا حدود وبنيت صرحاً من الأخلاق والقيم والمبادىء السامية، وربيت جيلاً صحفياً سيظل وفياً لك وسيتذكرك، نم بهدوء وثقة فأنت أبتديت عادل الأعسم المتواضع الخلوق الخدوم الشجاع القوي ومت عادل الأعسم المحبوب والغالي على القلوب، فهنيئاً لك هذا الغلاء وهذا الحب كله وهذا الحزن كله وهذه الدموع كلها..وألف رحمة ومغفرة عليك ومسكنك الجنة بإذن الله تعالى يا أبا محمد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى