صبوحهم شاهي أحمر وفراشهم كراتين والأمن يطردهم من اللوكندات .. عمال اليمن في يوم عيدهم:تشتي شاقي فارغ

> «الأيام» أحمد النويهي:

>
علي محمد غانم
علي محمد غانم
في كل بلاد العالم يحتفل العمال بالأول من مايو من كل عام، باعتباره عيدهم السنوي، ولكن عمال اليمن لايأبهون لهذا العيد الذي يعتقد العديد منهم أنه تهمة ألصقت بهم وليس لهم من اسمه نصيب، لذلك لاعجب إن ظلت ساحات الحراج المنتشرة مليئة بهم في عيد العمال، لأن عيدهم الحقيقي يوم أن يجدوا عملا.

العيد لابد أن يكون بشارة خير

> علي محمد غانم المحمدي يعمل في بيع الشاهي قال: «أسمع عن عيد العمال لكني أتمنى أن يكون حقيقا»، وأضاف: «أنا بصراحة توقفت عن العمل في العيد، هذا ليس فرحا بل تضامنا مع الآخرين الذين ليس لديهم عمل». وتمنى المحمدي أن تشكل هذه الأعياد بشارة خير للعمال في أن يجد كل واحد منهم عملا يمكنه من تحسين ظروفه المعيشية، حينها سيكون للعيد طعم وسيحتفلون كلهم بهذا العيد أما الآن فلا.

عيد العمال ليس حقنا

> أما علي عبده علوان عامل في مطعم يقول: «معروف أن العيد يعني الفرح والسعادة، وأنا صادفت إجازتي يوم الجمعة مع عيد العمال، لكن بصراحة هو يوم مثل أي يوم، كيف سيفرح العمال بعيدهم وأكثرهم يجلس في حراج العمال من الفجر حتى الظهر بدون عمل». وأضاف: «في اليمن عيد العمال تهمة فقط، لأن الذين يعطلون عن العمل هم الموظفون وأصحاب المصانع أما الشريحة الأكبر من العمال لايهمهم هذا العيد بشيء».

تشتي شاقي فارغ

> سيف محمد العامري يعمل نجارا ويعول تسعة أطفال، عندما سألته عن العيد أجاب مستغربا: «متى يجيء عيد العمال؟، أنا أول مرة أسمع به، وهذا العيد يمكن لأصحاب المصانع، أما نحن دائما في الحراج، عيدنا يوم نحصل عمل، أما الآن فنحن معيدين كل يوم، وأنت شاهدت الحراج كيف إذا جاء مقاول نقفز نحوه نشتي نعمل، إذا كان هذا حالنا تقول لنا ليش ما تعيدوش في عيد العمال، اسمع تشتي شاقي فارغ أما العيد ماهوش حقنا».

بطائق العمال الانتخابية لم تنفعهم في اللوكندات
بطائق العمال الانتخابية لم تنفعهم في اللوكندات
لم يكتف العامري بهذا الحديث لكنه طرق موضوعا مزعجا يعاني منه هذه الأيام العمال في تعز.

وأردف العامري يقول: «يا بني نحن أصبحنا مطرودين حتى من اللوكندات، البحث يوميا يطرد العمال بسبب البطائق حتى حق الانتخابات قالوا إنها غير صالحة، في الصباح نتبهذل في الحراج وبالليل، إما في أقسام الشرطة وإما فوق الرصيف».

وقال: «أسالك بالله البطاقة الانتخابية هي صادرة من الدولة؟ لماذا يرفضونها، العمال أغلبهم مايحصلون حق الصبوح من أين سيقطع بطاقة؟، والله يابني إني أصطبح كدمة سوداء وشاهي أحمر، وبالليل نرقد فوق الكراتين بالأرصفة، إذا كنتم تشتوا منا نفرح بالعيد على الأقل نحصل مرقد مليح، أما لا عمل ولا نوم، غير هذا قده إعدام».

عيد بلا طعم

> فجأة دخل في الحديث أحد العمال يدعى مهيوب غالب حسن وقال: «أعمل نجارا ولدي ثمانية أطفال، ودائما نحن العمال نهتم كيف نلقى عمل لكن هذه الأيام في تعز أصبح همنا كيف نرقد بأمان، كيف يكون هناك طعم للعيد، هذا الذي تقول عليه ونحن في حالة لايعلم بها إلا الله».

وأضاف: «أنا صراحة أتمنى أن يأتي عيد العمال ولا في واحد في الحراج وكل الناس يشتغلون، وأطالب الدولة أن تعمل على ترخيص أسعار مواد البناء مثل الإسمنت، حيث إن هبوط أسعار الحديد ساعد في توفير عمل من خلال تنامي حركة البناء ولكن لو رخص الإسمنت يكثر العمل، ثم يمكن نتكلم عن فرحة العيد».

سجلوهم بالضمان وهم سيعيدون!

> أحمد عوض (عامل) من زبيد، عبر عن رأيه بعيد العمال قائلا: «أنا لا أعرف إلا عيد رمضان وعيد عرفة، بس أنا ما أعمل بعيد العمال وما دخلنا به».

وأضاف: «لا يوجد شغل والدنيا غلاء، وأكثر العمال لا أحد سجلهم بشبكة الضمان الاجتماعي، تريدهم يعيدون».

الأرصفة المكان البديل للوكندات
الأرصفة المكان البديل للوكندات
لا عيد بلا كرامة

> أما محمد عبدالله يعمل في دكان لبيع الخضروات قال: «العمال هنا في الحراج الصباح حالهم يرحم مساكين، يشتوا عمل من شق الصفا وأنت تدور رأيهم عن العيد، أولا ساعدوهم على أن يعيشوا بكرامة وبعدين قلهم كيف العيد؟».

البطاقة الانتخابية مرفوضة في تعز

تكرار الشكوى التي لمستها في أغلب حراجات تعز جعلتني أدلف بوابة لوكندة الجنان، والتقيت صاحب اللوكندة عبده أحمد سيف، الذي لخص القصة كاملة بالقول: «نحن كل يوم نعد معلومية بأسماء نزلاء اللوكندات، طبعا كلهم عمال، ونرفع المعلومية إلى البحث وقسم الشرطة، نوضح فيها اسم كل واحد وعنوانه ومحل إقامته وكل شيء عنه، وكذلك أغلب العمال معروفون عند صاحب اللوكندة اللي ينامون فيها».

إجبار على النوم في الرصيف

وأضاف صاحب اللوكندة: «لكن هذه الأيام يجبرونا على إخراج هؤلاء المساكين إلى الشوارع ليرقدوا في الرصيف رغم أن لديهم بطائق انتخابية، وكنا نتعامل بها دائما وليس من مشكلة إلا هذه السنة شددوا على هؤلاء، رغم أنني التزمت على كل نزيل عندي، وأنا أرفع الكشف، فإذا كان هناك واحد مطلوب مثلا يقارنون بالكشف الذي معهم، وإلا يأتون للتأكد منه، لكن يخرجون العمال للرصيف فهذه جريمة، حالتهم متعبة وأغلبهم والله العظيم أنني مقيد عليهم ديون لشهور، وكل واحد يسدد عندما يفتح الله عليه».

وطالب الحاج عبده أحمد السلطات الأمنية بتعز بأن تتعامل مع شريحة العمال برحمة وشفقة وأن لاتزيدهم متاعب فوق متاعبهم، وقال: «يابني يبهذلون العمال كل يوم ويرفضون التعامل مع البطائق الانتخابية، أمانة عليك كيف سيفرحون بالعيد؟!».

على الشاهي الأحمر حتى الظهيرة

والملاحظ لحالة العمال عن قرب سيجد مدى المعاناة التي ألمت بهم، بداية منذ الفجر حيث يلملموا كراتينهم التي يستخدمونها فرشا لهم على الأرصفة وبعدها يحرصون على أن لاتضيع أحذيتهم أثناء تأدية صلاة الفجر، ويبدأون بعدها أولى فصول التراجيديا اليومية التي عشتها معهم ليوم واحد، فيدخلون المطعم ويطلب كل واحد منهم واحد فتة تمر أو خبز صغير مع شاهي أحمر، ومن ثم ينطلقون أفواجا صوب الحراج يحلقون في كل سيارة تقف بجوارهم يتسارعون نحو أي شخص يقف ولو لبرهة أمامهم عله يبحث عن عامل وكلهم ينادي في وجهه «تشتي شاقي فارغ» ومنهم من يكتب الله له رزقا وبعضهم لايبارح المكان حتى بدء الظهيرة، ولكنهم متسلحين بالأمل، ورغم علامات البؤس التي ترتسم على محياهم إلا أن القهقهات والابتسامات الحقيقية لاتزال تظهر بين الفينة والأخرى.

عامل ينام على الرصيف
عامل ينام على الرصيف
مطالب العمال في يوم عيدهم

رغم أني جلست معهم لفترة قصيرة إلا أنني استطعت الخروج بخطوط عريضة من شأنها بث شيء من السعادة لدى هذه الشريحة الأكبر والأشد فقرا وعوزا.. ألخص تلك الخطوط بهذه النقاط:

- لماذا لايتم عمل دورات للعمال كلٌ في المهنة التي يجيدها، ومنحه شهادة من المعاهد الفنية تساعدهم في إيجاد أعمال، كون أكثر إعلانات الوظائف لدى الشركات تتطلب الحصول على شهادة وأغلبهم يتقن مهنته.

- رغم توسع شبكة الضمان الاجتماعي إلا أن أكثر من تحدث معي ليسوا مسجلين في هذه الشبكة التي يقولون إنها تتم عبر الوساطة ولمن لايستحق.

- بخصوص معاناة العمال في اللوكندات يتوجب على السلطات الأمنية في كل المحافظات إعادة النظر في الإجراءات المتخذة بما يراعي الحالة المادية لهذه الشريحة.

- إعادة النظر في أسعار الإسمنت والعمل على هبوطها سيعمل بلا شك على إيجاد فرص عمل لهؤلاء العمال الذين تعج بهم أسواق الحراج في كل المحافظات كون الحركة العمرانية ستنمو إذا انخفضت أسعار الإسمنت بعد أن هبطت أسعار الحديد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى