ومن الحزن ما قتل .. !

> الادب «الأيام» محمود الحاج:

> كنت قد اخترت موضوعي الأول بعد ابلاغي بعودة صحيفة «الأيام» وكان الصديق القديم الجديد المبدع علي محمد يحيى هو من انبأني بالعودة الحميدة لصحيفة «الأيام» العزيزة والأثيرة بعد طول توقف ترك فراغا في ساحة الصحافة الأرقى مهنيا والأوسع أنتشارا .. كنت بصدد الحديث عن «الأيام» عبر (فلاش باك) لكني عرفت أن موعد صدورها سيكون في الخامس من مايو
مما جعلني التقط موعدا لم يغادر ذاكرتي ربما لجسامة الحدث الذي لحق بالوطن أفدح الخطوب وأسال جراحا ما برحت تتسع ولا أخالها تندمل أو تتوارى عن بشاعة تراجيديا اليمن جنوبا على أن تكون للذكريات مع «الأيام» عودة.
الخميس 5 مايو 94 م كنت قبله بسبعة أيام ضمن وفد إعلامي تلفازي أنا والزميل المذيع حسين عقبات شفاه الله والزميل الإذاعي حسن العزي .. انتهت مهمتنا في )القاهرة ( إتفقنا على العودة إلى صنعاء يوم 5 مايو وافترقنا في السكن بعد مغادرتنا للفندق المستضيف اوالاستضافة .. أعتدت أن أكون ضيفا على صديقي الفنان أحمد فتحي وقد كان .. صبيحة الخامس من مايو المشئوم ودعته واتجهت صوب مطار القاهرة .. والاقلاع الحادية عشر صباحا .. في مقهى المطار أجلس مع الزملاء ونحتسي القهوة ونتصفح الجريدة .. طال الانتظار، حان موعد الاقلاع ولم يتم مناداة المسافرين للتجمع في صالة الخروج إلى الباصات وصولا إلى (اليمنية) .. مرت ساعة دون نداء أو إشارة، إما بالتحرك أوالإعلان عن تأخير الحركة استنكر البعض بصوت عال ثم أرتفع السؤال محتجا ما سبب هذا التأخير وحينما وصل عقرب الساعة إلى الواحدة ظهرا إذا بصوت موظف النداء بالمطار يصعقنا بالنبأ الفاجع (على الركاب اليمنيين العودة لأن طائرة اليمنية ألغيت رحلتها بسبب الحرب التي اندلعت صباح اليوم في اليمن ) !! أسودت الدنيا في العيون التي كانت تشرئب للعودة شوقا للأهل والاحباب والوطن .. كنت اتوقع حدوث ما تعودت عليه بلادنا من أغتيالات أو مواجهات محدودة أو تفجيرات لكن حربا شاملة لم تكن لتخطر على بال أمثالنا .. ووجدتني اسارع إلى خارج بوابة المطار عائدا من حيث أتيت بعد الظهر أطرق باب شقة الصديق أحمد فتحي في المهندسين إذا به يفتح الباب .. تفاجأ مسرورا ليقول وهو يراني مذهولا حزينا - أكيد راحت الطائرة ؟
- لا ياعزيزي بل راح الوطن ! دلفت إلى الداخل أجرجر حزني مع حقيبتي وقلت له بصوت عال مشحنا بالوجع.
- أفتح التلفزيون تعال نسمع أخبار الفاجعة إنها حرب طاحنة.
قوات النظام في صنعاء مدعومة بقوات قبلية وحزبية ومنتفعة تشن حربا (****) على الجنوب .. يالله أكاد أجن على أسرتي في صنعاء وعلى الأهل والاحباب في عدن بل في كافة أرجاء وساحات المعارك في الوطن .. أردت دون جدوى الاتصال بالعاصمة لأطمئن على الأولاد .. لا اتصالات ولا طيران لأن مطار صنعاء مغلق ما عدا الطيران الحربي .. ما العمل؟ أنا والصديق تتمزق نياط قلوبنا جراء ما نسمعه ونشاهده طوال اليوم .. أية وحدة هذه تعمدها وترسخها الدماء وأية شرعية يزعمها باطلاً مصاصو الدماء وتجار الحروب ؟ قتلى وجرحى ودمار في صدارة أخبار القنوات والادعاءات (كانت محدودة حينذاك) وفي غمرة غرقنا في نهر الأحزان دخلت علينا ذات نهار مطربة مغربية (عائشة الوعد) سرعان ما تأثرت من أحوالنا واخبار بلدنا وألقت علينا سؤالا : “أين دوركم الآن مما يجري ؟ أكتب أيها الشاعر وأشارت إ ، وأنت يا فنان ترجم ذلك بالتلحين مشيرة إليه .. ويا ليت يكون لي اسهام بصوتي في الاغنية “ .
كان علي أن أنفرد عنهما لدقائق لاكتب ما تيسر من الاحساس بالتعبير عن اللحظة النفسية التي تجسد حالة من طغيان الحزن:
قلبي على صنعاء اليمن
قلبي عليك يا عدن
حزني على أهلي
على أرضي
على نبض الوطن
* * *
بالامس غنينا معك
لحن التوحد بالضياء
على حقول الياسمين
صدحت قلوب العاشقين :
ما أروعك .. ما أبدعك
واليوم يا عشي الحزين
من روّعك ؟ من أوجعك ؟
الله معك .. الله معك
*****
وخلال نصف ساعه كان أحمد فتحي قد فرغ من تلحينها ليتجه إلى الاستيديو ومعه المطربة المغربيه التي شاركته الغناء فتم التسجيل وقدم الشريط لإذاعة صوت العرب ونسخ لاكثر من أذاعة منها إذاعتا لندن وصنعاء التي منعها أحدهم من أذاعتها .. بينما ظلت تلك الاذاعات تبثها بين وقت وآخر تاركه حزنا لدى سامعيها ..! ثم استضافتنا أذاعة صوت العرب للحديث عن المأساة ولا أنسى دموع الزميل حسين عقبات متأثرا بحزن الأغنية ! وبقينا شهرا كاملاً على هذه الحال القاسية إلى أن عدنا بعد فتح مطار صنعاء لنشتوي بنار الحزن عن قرب !!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى