أحمد بومهدي .. شاعر غنائي لايتكرر

> الفن «الأيام» سعيد صالح بامكريد :

> ولد بمدينة الشحر حضرموت عام 1936م، وتوفي بمدينة المنصورة ـ عدن عام 1997م، ترك حضرموت صبيا في رحلة جملية قطعها شاعرنا الغنائي الفذ من مدنية الفن والغناء والجمال والسحر والدهشة، من ساحل بحر العرب ومينائه الشهير الشحر العريقة بتراثها الشعبي وفنها الرقيق، وصولا إلى خليج عدن الهادر بصخبه وغضبه وثورته العملاقة ضد المستعمر الأجنبي. رحلة مليئة بالجهد الإبداعي الحقيقي والعطاء الإنساني البديع الذي تم تتويجه بعدد من الأعمال الأدبية والكتب الفنية المرتبطة بالغناء، أهمها: أغنيات من اليمن، المسلمي .. حياته وفنه، العزاني كما عرفته، أعلام فنية، سـر المحبة (ديوان شعر غنائي ).
خلال الثمانينيات من القرن الماضي كتب الأستاذ أحمد بو مهدي لإذاعة عدن سلسلة من البرامج التوثيقية لمجموعة من فناني عدن مطلع القرن العشرين، نالت هذه البرامج استحسانا كبيرا عند أهل الفن والثقافة في عدن، وتفاعل الإعلام تفاعلا جادا مع هذه السلسلة الإذاعية .
في أحد أيام صيف العام 1992م أخذني الصديق العزيز الفنان الكبير الأستاذ نجيب سعيد ثابت لزيارة الشاعر الغنائي الرائع أحمد رحيم بومهدي في منزله بمدينة المنصورة - عدن، وذلك بعد أن تحسنت صحته فذهبنا إليه لتهنئته.
كان هذا هو لقائي الأول بشاعرنا ـ رحمه الله ـ لكنه لم يكن الأخير، بل الخطوة الأولى لعشرات اللقاءات لمدة عامين كاملين، حيث كنا نزوره تقريبا مرة كل أسبوع ، أذكر منهم ـ إضافة إلى الأستاذ نجيب ثابت ـ الفنان أنور مبارك والأستاذ عبد القادر خضر، رحمه الله، وآخرين.
كان شاعرنا إنسانا رقيقا، ودودا، لطيفا، هادئا، متواضعا وبسيطا غاية في البساطة، تحدثنا معا مطولا عن الشعر والغناء وعدن الجميلة الساحرة على الدوام، البهية باستمرار، الغالية بعطائها وتراثها الغني الجميل.
حدثنا الشاعر أحمد بو مهدي ـ رحمه الله ـ عن علاقته الخاصة جدا جدا بالفنان الراحل محمد صالح عزاني، مشيرا إلى أن صوت العزاني هو القريب إلى قلبه، وصداقته بالعزاني كانت عميقة جدا، لدرجة جعلته يؤلف كتابا كاملا عن العزاني بعنوان (العزاني كما عرفته).
غنى للشاعر بومهدي أغلب فناني عدن منهم : محمد محسن عطروش، نجيب سعيد ثابت، عصام خليدي، عبد الكريم توفيق، عوض أحمد، نوال حسين، وفاء أحمد، فضل كريدي، وآخرين.. ومن حضرموت غنى له : الفنان الكبير كرامة مرسال ومحفوظ بن بريك.
ومن أشهر الأغاني ذات الانتشار الشعبي الواسع للشاعر الكبير أحمد بومهدي أغنية: (الطير الأخضر) التي تقول:
ألا يا طير يالخضر ** فين بلقاك الليلة
أنا ماباك توعدنــــي ** وتنسى وعدي الليلة
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
متى بلقاك بانسمـــر ** ألا يا غصن من بانة
وبالألحان باغنـــي ** وأنته بتقول وادانة
هذه الأغنية أصبحت (تيمة) ملازمة للأعراس في عدن، بل ولأغلب مناطق اليمن، واستطاعت هذه الأغنية أن توحد مشاعر الفرح الإنساني لدى قطاعات واسعة من شعبنا، كبارا وصغارا، صوت العزاني الرقيق الأنيق الجميل ساهم كثيرا في انتشار هذه الأغنية.
أغلب الأغاني الشعبية التي كتب كلماتها الشاعر بومهدي حصدت اهتماما شعبيا كبيرا.. من تلك الأغاني الرائعة : شلني يا دريول ، شعوني غريب ، ربنا يصلح الشأن، وأغانٍ أخرى كثيرة، يقول في قصيدته (شعوني غريب) :
شعوني غريب ** يا أهل ذا الساكن
أباكم تدلونـــي ** على مطرح المحبوب
شعوني غريب
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أبا شوف ذا الفاتن ** لعله ينسيني
ليالي ونا مغلــوب ** حليف النحيب
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
في مهجته ساكن ** وكيف ينسيني
واسمي معه مكتوب ** بأني حبيب
للشاعر أحمد بومهدي حضور ملموس في النص الوطني الغنائي، تميز خلاله بمحتوى متوازن يدعو لتمجيد الوطن وبنائه وتنميته، وليس تمجيد الحاكم الطاغية أو الحزب الواحد، انظر ماذا يقول :
بلادي إلى المجد هيا انهضي
وسيري بعزم الشباب الأبي
بدأنا كفاح البناء فاهنــأي
لينعم شعبي بعيش هني
بلادي .. بلادي
فديتك أيام حمل السلاح
وسار الفدائي على مبدأي
وخضت مع الخصم أقسى كفاح
نزعت به اليوم حريتي
بلادي .. بلادي
أمامك يا شعب درب طويل
علينا إذا نصنع المستحيل
جميعا سنهتف لا .. لا لن نميل
ونحيا على رغم أنف العميل
بلادي .. بلادي
كذلك له أغنية وطنية مميزة لا تقل جمالا عن سابقتها، ترددها وسائل الإعلام باستمرار عند الاحتفال بالمناسبات الوطنية، مثل ذكرى (ثورة 14 أكتوبر) أو الاستقلال الوطني (30 نوفمبر)، لأن هذا النص مكتنز بالمشاعر الوطنية الجياشة، والعزم والإصرار، والإرادة .. تأملوا ماذا يقول :
بالنار والحديد والكفاح المجيد
نال شعبي الشديد حقه من جديد
فهنيئا له فجره من جديد
لاح إشراقه للطغاة من بعيد
كل شبر سقاه إخوتي بالدماء
في سبيل الحياة كم من الأوفياء
كتبوا بالدماء قصة للخلود
سوف يحكونها إخوتي والجدود
هذا مطلع إحدى أهم الأغاني الوطنية في سجل الغناء الوطني في بلادنا، علما أن نشاط أستاذنا بومهدي لم يقتصر على الشعر الغنائي، بل زاد عليه البحث في مجال التراث، والعناية بالتوثيق الذي نجح فيه نجاحا باهرا وملموسا، نجده في كتبه المطبوعة، وتلك التي لم تطبع بعد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى