بدوي الزبير.. الفنان الشاعر

> الفن «الأيام» سعيد صالح بامكريد :

> اشتهر كثيراً بلقب (بدوي الزبير)، غير أن اسمه هو أحمد يسلم خميس زبير، واشتهر مطرباً وملحناً بارزاً أكثر منه شاعراً .. ولد بمدينة شبام بوادي حضرموت في العام 1950م، تلك المدينة التاريخية الشهيرة ببيوتها الطينية الشاهقة المغروسة في قلب صحراء الربع الخالي، حتى وصفوها بقولهم (مانهاتن الصحراء) .
درس الابتدائية والمتوسطة في شبام، عمل موظفاً بعد الدراسة في القطاع الحكومي في شركة المياه، ثم في إدارة البريد لينتقل بعدها موظفاً في وزارة الثقافة فناناً متفرغاً حتى وفاته .
ظهر ميوله للموسيقى والطرب مُبكراً خلال الأنشطة المدرسية، ثم شق طريقه للمشاركة في حفلات الأعراس والاحتفالات الرسمية في المناسبات المُختلفة .
برز عازفاً متميزاً للعود وملحناً مجيداً متمكناً وعاشقاً حقيقياً للتراث، استوعب ـ إلى حد كبير ـ مفهوم (التناغم الموسيقي )، بسبب إجادته لأغلب الآلات الموسيقية، إلى جانب العود مثل : الكمان والإيقاع .
ينظر إليه أهل شبام بوصفه شخصية اجتماعية رائعة وذات شعبية كبيرة، ويرى فيه زملاؤه نموذجاً للفنان الخلوق، فقد أسهم ـ بفعالية ـ في تأسيس الفرقة الموسيقية لمركز شبام .
كذلك ساهم ـ جاداً ـ في تأسيس فرع اتحاد الفنانين بمحافظة حضرموت عام 1972م، وعضوا في جمعية فناني حضرموت للموسيقى والتراث الغنائي، التي مقرها مدينة المكلا منذ تأسيسها عام 1996م.
قدم حفله الغنائي الأول في حضرموت الساحل مدينة المكلا عام 1973م، وفي نفس العام قام بتسجيل أعماله باستديوهات في ساحل حضرموت .
كانت له مشاركات دولية، حيث تلقى دعوات من فرنسا وبريطانيا، كما سجل له التلفزيون الألماني ثلاث أغانٍ.
آخر مشاركة دولية له كانت في مارس 2000م بالولايات المتحدة الأمريكية، بدعوة من المعهد الموسيقي العالمي بمدينة نيويورك، حيث قدم حفلين موسيقيين نالا التصفيق الحار والرضا الطيّب.
قدم أغانياً من مختلف ألوان الغناء اليمني بايقاعاته المتنوعة العدني والصنعاني واللحجي .
أغلب القصائد التي كتبها بدوي الزبير (الشاعر) قام بدوي الزبير (الملحن والمطرب) بأدائها وتقديمها .
نصوص الغناء (الزبيرية) في أغلبها تحمل نكهة مدينة شبام العريقة، التي تشبه النخيل في الصبر والحكمة والصمود.
يقول في قصيدته الذائعة الصيت التي أطلق عليها (لا ملامة على من يحب لاملامة ) :
( غريبة هذه الدنيا غريبة
عجيبة شفت فيها أشياء عجيبة
خل الطمع يا ابن آدم
لا سرحت وضويت سالم
حمد ربك إذا حزت السلامة
نصيبه ، كل من تهنا نصيبه
تعيبة ، طريق المحبة تعيبة
ياريتنا بالعشق عالم
كان امتحت هذه المعالم
ومن كثر السهر بانت وسط عيني علامة
مصيبة ، ما قنع قلبي مصيبة
نسيبة ، واترك العشق نسيبة
لأجله أنا دوب هايم
وهو يبات الليل نايم
طرفي تزعل ما هنى ساعة منامه )
وعلى نفس النهج الحضرمي السلوكي الرفيع، نجد في أشعار بدوي الزبير استمرار الدعوة للصبر، باعتباره مفتاح النجاح والأسلوب الأمثل لتحقيق المقاصد والأهداف في مختلف مراحل الحياة ودروبها المتعرجة وتحدياتها الصعبة، ها هو يقول في قصيدته ( لا خاب كل من صبر ):
( أحباب قلبي جفوني
وللضنا خلفوني
وحدي نصالي قدر
ياريتهم صارحوني
إن كانت جفت عيوني
من كثر البكاء والسهر
هم قصدهم بس يبوني
بالغصب أغمض عيوني
ومن يغطي القمر
وإن قصدهم يدفنوني
ونذوق ريب المنون
والعمر عاده ما قصر
كان الله بعوني
إذا الحواسد جروني
وخذ من زمانك عبر )
كلماته بسيطة في ألفاظها منبثقة من الثقافة الشعبية الممتلئة حكمة وخبرة ، لذا نجدها ذات معانٍ عميقة جداً، وتحمل روحانية شفافة، عند تأملنا في النصوص الزبيرية نلمس عناية حقيقية بأمكنة معينة مثل : شبام ، سيئون، مخصصاً قصائد بعينها مثل قصيدتيه :
( يا مسقط الرأس دام عزش يا مدينة شبام )، والأخرى : ( لقانا بايقع وسط سيئون)، قد نفهم جيداً دافعه لهاتين القصيدتين، حيث الأهل والأصدقاء والأحبة والذكريات وليالي السمر، تبقى قصيدته الجميلة حول صنعاء التي سماها ( يا رُبَىْ صنعاء عسى يعود اللقاء بعد الفراق)، تتطلب قراءة خاصة بذلك.
في قصيدته عن مسقط رأسه (شبام) كان واضحاً في أفكاره ومشاعره وأحاسيسه تجاه تلك المدينة، التي وصفها بدقة وعناية بقوله : (أمي)، وتحدث عن ضرورة حمايتها والدفاع عن معالمها بوصفها كنزا تاريخيا ملكاً للبشرية جمعاء .
يقول عن مسقط الرأس :
( أمي ولا برضى بشيء غير أمي
واجب نفديها بروحي ودمي
يغلب علي الأصل والدم
ما دام المعالم باقية
الله يحرسها دوام
كيف أنساها أبي رُبى وعمر
ولا بترك أصحاب لي فيها وهمي
لا ذكرتهم ينجلي كل هم
متى من فوق العالية
با ينجلي هذا الغمام
تعبت من غربة ومن ينصف لظلمي
أحلم بها دايم ما أظن يخيب حلمي
النور إذا سجاه الليل أظلم )
مدينة سيئون بالنسبة للشاعر مكان اللقاء بالأحباب والأصدقاء، مكان السمر والفرح والبهجة، منبع الشعر والأدب والفن، وقد صاغ شاعرنا بدوي الزبير قصيدته المسماة (لقانا بايقع في وسط سيئون)، مبيناً مساحة الحب التي تجمعه بهذه المدينة الساحرة. يقول في المقطع الأخير من هذه القصيدة :
(ورق قلبي وتحييه ابتسامة
منهم ولأجلك كم تحملت الملامة
ودعنا قول كل عاذل ومفتون
وطيفك قد زعل جفني منامه
ويكفي من جفا خل الغشامة
وقلبي صار في عشقتك مرهون
سمح بالوصل من قبل الحتامة
وذا وقت اللقاء ولعام عامه
قضيت العمر في أنغام وفنون
رحم عاشقك أسقيه المدامة
فشوقي زاد لك يا مول شامة
ومنك الوصل بعد الهجر مسهون).
لكن (صنعاء) المدينة والناس والمطر والشعر والحب والغناء الجميل تحتل مكاناً خاصاً في قلبه، عبر عنه شعراً في قصيدته التي أطلق عليها :
(يا رُبى صنعاء عسى يعود اللقاء بعد الفراق)، يؤكد الشاعر بدوي الزبير صعوبة فراقه صنعاء، أو فراقها عنه .. ها هو يقول :
( طريق الحبيب
عندي قريب
لو يطول البعد من المشرق إلى ما تغيب
وذا ما يهم كله سوا
اللقيا بخلي والتلاقي
ومن لي يجيب
غير الحبيب
إذا دعيته قام تو لبى
النداء لي يستجيب
وحس عنده همومي تنجلي بأحلى عناق )
استطاع شاعرنا بدوي الزبير أن يرفع عالياً من شأن قصيدة الحب الممتلئة عفة ورفعة ورقة، بل ورسخها في مشهد الغناء الحضرمي، الذي هو أصلاً يتسم بالنظافة والصدق والرقة والجمال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى