لقمة العيش تظل هي الصوت الأعلى بين كل الأصوات

> تقرير/ أحمد الدماني

> تظل لقمة العيش هي الصوت الأعلى بين كل الأصوات التي يطلقها ملايين المواطنين، فنجد أنه مع حدوث أي مليونية نجدهم منتشرين في كل زويا الساحات، البعض منهم لدية أعلام والبعض يحمل أساور وشعارات وصور ، هكذا يتكسبون لقمة عيشهم، ويكون الإقصاء غير موجود، فالساحة التي تقام فيها المليونية تجمع مئات الآلاف لا يكمنون في قلوبهم الحقد على هؤلاء البائعين متناسين من أين هم، ولماذا يختارون المليونيات لكي ينحشروا في عامة الشعب؟.
فمثل ما توجد أصوات تنادي للحرية هناك أصوات تعلو فوقها أصوات تسعى لجعل المواطن يعيش بكرامة وعزة.. أصوات تعلو وتردد، لقمة العيش هي الصوت الذي يجب أن يحترمه الآخرون بعيدا عن السياسات وأجوائها النتنة.
شماليون يبيعون صور وأعلام جنوبية:
بينما كانت الساحة تزدحم بالوفود القادمة من كل المحافظات الجنوبية لإحياء الذكرى العشرين لإعلان فك الارتباط، كنت لنا جولة صغيرة تضمنت البائعين لكل الشعارات والصور والإعلام الجنوبية التي يتسابق عليها أبناء المناطق الوافدين إلى عدن، فتجدهم يشترون من هؤلاء مع أن بعض البائعين يتكلم اللهجات الشمالية، إلا أن الشعب والجماهير لا يبالون ولا يتلفظون عليهم، بل يعطوهم كل سبل الراحة لكي يبيعوا ويتكسبوا لقمة عيشهم.
يقول الإعلامي والناشط في الحراك الجنوبي عدنان السيد "نحن نحضر إلى ساحة الفعاليات لكي نوصل رسالة إلى المجتمعات الدولية والإقليمية لكي يروا أن الشعب الجنوبي شعب مسالم لا يحمل أية كراهية ولا أحقاد للمواطنين الشماليين المقيمين بعدن، ففي كل مليونية يحييها الحراك الجنوبي بعدن تجد بين المتظاهرين عشرات البائعة الشماليين يجولون باريحية وبدون أية مضايقات، فهم بالأخير أشقاء لنا حتى وأن صرنا دولة وهم دولة، فهناك علاقات أسرية لا يجب أن ننكرها بيننا وبين أشقائنا في العربية اليمنية.
هكذا يجب أن يكون الإنسان قبل أن يحمل قضيته، فالبسطاء يظلون بسطاء مهما اشتد بهم الزمن، لذا نجد خليطا بين بائع من أصول جنوبية والأخر من أصول شمالية يقطنون في مساحة واحدة، رغم الاختلاف بين الجنوبي الذي يقول إن قضيته هي استعادة دولة، وذاك الشمالي الذي يحمل قضية هي إعالة أسرة بأكملها، تاركا السياسة ومتجه إلى لقمة العيش.
البائعون في المليونيات الجنوبية:
يفترش المكان الأخ محمود علي من أبناء مدينة تعز يبع شعارات وأساور مرسوم عليها علم الجنوب، كان معنا في حديث مقتطف عن قدومه إلى مليونية 21 مايو الذكرى العشرين لإعلان فك الارتباط، وعن جلوسه بين الكم الهائل من الجنوبيين الذين يطالبون بانفصال دولتهم.. الأخ محمود يرد علينا "أنا خرجت من قريتي لكي أطلب الله على عائلتي ولا يهمني ماذا سيقول البعض، ولكنني مع كل مليونية أحجز لي مكان بين الجنوبيين لأبيع أساور مرسوم عليها علم دولتهم وشعارات وصور لرئيسهم البيض".

ويتابع كلامه "نحن في تعز ندرك أن قضيتهم قضية عادلة ومطلب حق، ولكن نحن حالنا مثلهم مظلومين، وقد حرمنا من الحقوق التي نصت عليها قوانين الدولة المدنية التي يتحدثون عنها من قبل الوحدة وأيضا بعد الوحدة، ولكنني عندما أفترش مكان في ساحة الفعاليات أبيع مستلزماتي مثلي مثل الجنوبيين الذين يبيعون الأعلام والأساور التي نحضرها مع بعض ولا أتعرض لأية مضايقة منهم، فهم متفهمون ويدركون ما معنا (طلبة الله)".
لم يكن محمود الوحيد بين الكم الهائل من البائعين غير الجنوبيين في ساحة الفعالية، فقد كان هناك العشرات يبيعون أشياءهم بكل بساطة، فلقمة العيش في ظل دولة تعيش أسوأ حالتها أجبرت المواطنين على عدم انتقاء نوع العمل الذي سيقدمون عليه.
نحن نعرف أنهم مثلنا مظلومون فلا نضيق عليهم أثناء المليونيات:
يقول الشاب محمد سعد من أبناء مديرية الشيخ عثمان، هو أيضا أحد البائعين للشعارات الثورية والأعلام الجنوبية: "نحن في كل مليونية نتسابق على من سيكون في المكان الحساس الذي يجذب المتظاهرين لكي يأتوا ويشتروا منه، ولكن نجد أن البائعين من المناطق الشمالية هم السباقون إلى هذه الأماكن، ومع هذا لا نضايقهم ولا نحسسهم بأننا أولى بهذا المكان، لأننا نعرف ما معنا لقمة عيش، فتجد كل البائعين من أصدقائي وغيرهم يتجاهلونهم ويتركونهم يبيعون أشياءهم دون أن يضايقهم أحد من البائعين ولا حتى من المتظاهرين".
وأضاف: "فأنا كنت مثلهم في يوم من الأيام عندما كانت ساحة التغيير تعج بالمتظاهرين في 2011 م كنت أملك مفرشا في العاصمة صنعاء أبيع فيه شعارات وصور وأساور وغيرها، فكان الشماليون لا يضايقوني، بل كنت أبيع أكثر من الآخرين، فهم يقدرون معنى قمة العيش، لذا نحن نتعامل معهم في عدن بكل احترام فهم في الأخير ليس لهم ذنب ويعيلون عشرات الأسر في مناطقهم".

نحترم هؤلاء فهم يكسبون لقمة عيشهم بشرف:
يقول البعض أن العنصرية انتهت بين الجنوبيين وأنها تحولت إلى عنصرية جديدة بين شمالي وجنوبي، وهذا الشيء الذي أسقطه الجنوبيون في مليونياتهم، الانسجام بين البائعين الشماليين والجنوبيين في ساحة الفعالية كان الفيصل لكي يدركه البعض من الأخوة الشماليين الذين ادعوا بأن المواطن الشمالي يعيش تحت قهر وذل في الجنوب.
يقول الناشط والقيادي محمد السقاف في كل مليونية حضرتها أجد أشقاء شماليين يبيعون في وسط الحشود لم أسمع يوما أن هناك بائع تعرض لمضايقة أو إهانة من قبل إخوتنا الجنوبيين لأنهم يدركون أن قضيتنا ليست مع هذا المواطن المسكين ولا مع بايع الأيسكريم ولا بائع الحلويات لكي يقول البعض إننا نعاملهم بطريقة مقززة.
نحن ندرك معاناتهم التي جعلتهم يأتون من قراهم ومحافظتهم لكي يسعوا لكسب رزقهم وإعالة أسرهم، بل أحيانأ أرى أن إخواننا الجنوبيين يشترون منهم ويتجاهلون البائعين الجنوبيين، لكي لا يقول البعض أن الجنوبيين عنصرون، لا يتعاملون إلا مع إخوانهم فقط.
هكذا تظل الرحمة مزروعة بين المواطن الشمالي والجنوبي، وإن غاب عنها نوع الترابط، فالكل يحمل قضية، ولديه مسئولية، فمثل ما يرى البعض أن قضية الأوطان وتحريرها قضية كبرى، البعض يرى أن لقمة العيش هي أكبر قضية يواجهها الإنسان في حياته.

يظل صوت الحق هو الصوت الذي يعتلي كل المنابر، ينطلق معه أحمال وأعباء مواطنين، البعض منهم لم يختار هذا الشيء بإرادته والبعض الآخر فرضته عليه قسوة الحياة، فالدولة أصبحت غير كفيلة لكي تعطي أبناءها الحياة الكريمة، والوضع صار مزريا ويتناقض مع ما يتمناه المواطن البسيط.
والنسيج الذي جسده البائعون في ساحة المليونيات الجنوبية كان أكبر دليل على أنه لا يأس مع الحياة ولا يوجد فرق في لقمة العيش بين بائع شمالي وبائع جنوبي، فالكل لديه أسرة يعولها، ولديه قضية اسمها (لقمة العيش).. الصوت الذي لا يستطيع إخراسه أي نظام ولا حكم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى