عدن.. أسلحة تباع وتشترى دون حسيب أورقيب وأمن غائب

> تقرير/ جهاد محسن:

> لا شيء في عـدن يوحي إلى أن تطبيع الأوضاع الأمنية قد عادت إلى استقرارها الطبيعي، طالما يساورك القلق وأنت تشاهد توسع ظاهرة حمل السلاح ومظاهر المسلحين كباراً ومراهقين ينتشرون في الشوارع والأسواق، ويتجولون في المناطق والأحياء السكانية،وتقف مفزوعاً أمام فرقعة الرصاص ووميضه المتواصل، وهو يعكر سكون المدينة ويضج سماءها الهادئة.
الوقائع اليومية تتحدث عن أن منهجية التسلح في مجتمع عدن مازال الهاجس الذي يؤرق الكثير من الأسر والعائلات، وما قد ينتج عنه من عواقب ونتائج كارثية ستحصد أرواح المزيد والمزيد من الضحايا المواطنين المدنيين.
* تزايد جرائم القتل والسطو المسلح
لا تتوفر في المشافي الحكومية أو الخاصة أرقام واضحة بشأن عدد الوفيات الذين قتلوا عمداً أو لقوا مصرعهم بطلقات طائشة، كما أن الأجهزة الأمنية هي الأخرى تعتمد آلية غامضة في التعاطي مع مثل هذه القضايا، وحتى مع القضايا المتعلقة بالجرائم المنظمة، مثل جرائم التقطع والسطو المسلح.
ولو أردنا الحصول على إحصائيات ومعلومات بشأن جرائم القتل الفردية أو المنظمة التي وقعت في محافظة عـدن خلال العامين الماضيين، سواء من حيث أعمال القتل المرتبطة برجال الأمن أثناء قمع التظاهرات الاحتجاجية الشعبية، أو من قبل المرتبطة بأشخاص مجهولين قاموا بتصفية خصومهم وسرقة ضحاياهم، سنجد أن الإحصائية تفوق أضعاف المعدلات التي سجلتها المحافظة خلال سنوات طويلة.
ونورد من سجلات بعض الجرائم التي وقعت في عـدن، على سبيل الاستدلال لا الحصر: 1ـ مقتل مواطن يعمل مقاولاً جرى تصفيته جسدياً أمام مرأى المواطنين من قبل مسلحين أطلقوا عليه النار في الشارع العام بمديرية (المنصورة)، 2ـ قيام جماعة مسلحة من 9 عناصر بتنفيذ عملية سطو مسلح لمبنى حكومي بـ(دار سعد) بعد إشهار بنادقهم صوب المواطنين، 3ـ قيام مجموعة مسلحة بمحاولة سرقة مكتب النظافة في منطقة البساتين، 4ـ قيام مسلحين آخرين بتنفيذ عملية سطو مسلح على محل لبيع الذهب والمجوهرات في مديرية (الشيخ عثمان) وقتل صاحبه أمام أعين المواطنين في السوق العام، 5ـ تعرض مواطن يملك سيارة (تاكسي) في مديرية (المنصورة) لعملية تقطع مسلح من قبل 4 مسلحين فتحوا النار على إطارات عربته وقاموا بسرقة 800 ألف ريال من مرافقه، 6ـ مقتل مواطن وإصابة آخر بسبب نزاع على أرضية تم البسط عليها في مديرية (المنصورة)، 7ـ مقتل تاجر (خضروات) وإصابة 3 مواطنين إثر اعتراضهم من قبل مسلحين في الشيخ عثمان، 8ـ قيام مجموعة مسلحة باقتحام مصنع (الغسل والنسيج) في منطقة (القاهرة) وقتل حارس المصنع بأكثر من 20 طلقة في جسده، 10ـ إقدام مجموعة مسلحة باختطاف مالك (تاكسي) واقتياده إلى ساحل أبين بمديرية (خور مكسر) وقتله بهدف سرقة سيارته.
* قضايا أكثر خطورة
وهناك قضايا أكثر خطورة وقعت في عـدن، تتعلق بالتصفيات الفردية، أبرزها عمليات القتل التي ينفذها جماعة من المسلحين المجهولين يقومون بتصفية شباب موضوعين على قائمة التصفيات لاسيما في مديريات الشيخ عثمان ودار سعد والمنصورة.
وهناك أيضاً قضايا إعدام لأشخاص خارج نطاق القانون، نفذها أولياء دم بحق متورطين أو متهمين في قضايا جنائية، مثل قضية أحد الأشخاص الذي أقدم على قتل شاب، وجرى تصفيته مباشرة من أولياء القتيل دون اللجوء إلى جهات الاختصاص القضائية.
هذه القضايا والجرائم الجنائية التي ما انفكت ترتكب في أحياء وشوارع عـدن، تأتي في ظل تنامي دائرة العنف والفوضى، وغياب أجهزة الأمن والعدالة، والتي بلورت تفاصيل وصور عن ظاهرة وقضايا غاية الرهبة الاجتماعية لم تكن معروفة لدى سكان المدينة.
* مسلحون يعبثون بالأمن العام
باتت المظاهر المسلحة فردية أو جماعية، وسطوة السلاح وهيمنته على حياة المدينة، تمثل مصدر قلق وإزعاج لسكان عدن في ظل الغياب والانفلات الأمني، وتصاعد التهديدات المباشرة التي تمس حياة المواطنين وتقلق سكينتهم حتى وهم آمنون في منازلهم، وغالباً ما تشهد مدينة عـدن، اشتباكات مسلحة وتبادل متواصل لإطلاق النار وسط شوارعها ومدنها بين الفينة والفينة، وتسببت بإزهاق أرواح العديد من المواطنين الأبرياء، بما فيهم مسلحين وجنود.
هناك الكثير من المسلحين الذين يلهون بأسلحتهم ويطلقون أعيرتها بكثافة في الهواء وبطريقة تستمري في أنفسهم الغاية النرجسية، لاسيما في حفلات العرس والمناسبات الاجتماعية التي يجري إحياؤها في خضم الأحياء والمناطق الشعبية، دون الاستشعار بحجم الأذى النفسي والمعنوي الذي يتسببون به بحق المئات من العائلات والمرضى والأطفال.
البعض وجد من اقتناء السلاح في منزله وسيلة لتوفير السلامة والأمن لنفسه، وآخرون يستلون السلاح من مبدأ الوجاهة والرعونة في تطبيع عادتهم الريفية واجترارها إلى داخل المدن الرئيسية مثل مدينة عـدن، وهناك من يحمل السلاح كطيش شخصي ويستخدمه لممارسة وسائل البلطجة والغطرسة في ابتزاز الباعة المتجولين أو القابعين على قارعة الطرقات، وفرض عليهم إتاوات يتم استلابها منهم بطرق انتهازية وغير مشروعة.
لا تقتصر ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية وإقلاق سكينة الأمن العام، على المسلحين المدنيين وحدهم، لكنها شملت بتجاوزاتها رجال الأمن والجيش الذين يقومون وبأوقات متباينة بإطلاق أعيرتهم في الهواء وترويع حياة المواطنين دون أن تكون هناك حاجة أو مبرر لاستخدامها، مثلما حدث عندما قامت كتائب الأمن والجيش في يوليو 2013م بإطلاق وابل من الرصاص بكثافة عبر مختلف أنواع الأسلحة البسيطة والمتوسطة، تعبيراً للانتصار الذي حققوه على مسلحي (أنصار الشريعة) في محافظة أبيـن.
* وسائل إدخال السلاح لعدن
تتم وسائل إدخال السلاح إلى داخل عدن، بواسطة وسائط متعددة، تشرف عليها شخصيات وجهات رسمية، وأخرى تتولاها جماعات مستقلة تعمل على تهريب السلاح عبر طرقات ترابية.
حتى المواطنون العاديون أنفسهم، يساعدون في إدخال السلاح إلى عدن، وذلك عبر الولوج بأسلحتهم الشخصية وتمريرها خلسة من نقاط التفتيش الأمنية، أو عبر القيام بدفع رشاوى لجنود الأمن كما كان يحدث في نقطة أمنية مرابطة في طريق عـدن/ أبين، حين قبض على مواطن متلبس بمحاولة إدخال مسدسه الشخصي إلى المدينة، وقام بدفع 1500 ريال، لجنود النقطة أمام أعين المواطنين. وهناك من يقوم بإخفاء مسدسه في حقائب نسائه، ويتمكن من العبور بسلام مجتازاً نقاط التفتيش والمراقبة الأمنية التي تستثني النساء من إجراءات التفتيش.
* جهود أمنية ضعيفة
تعجز الدوائر الأمنية والمؤسسات الرسمية ومختلف الفعاليات الحزبية والحقوقية والمدنية بمحافظة عـدن، من تطبيق آلية تنسيق وجبهة عمل مشتركة لمكافحة ظاهرة حمل السلاح في شوارع عدن، وكذا إخفاقها في مواجهة بعض الظواهر الخطيرة الأخرى، كظاهرة تعاطي وانتشار المنشطات والحشيش والحبوب المخدرة بين أوساط الشباب، ومعالجة قضايا الأمن والتحديات المعيشية والاجتماعية.

وعلى الرغم من دخول الخطة الوقائية التي وضعتها اللجنة الأمنية في عـدن، حيز التنفيذ في رمضان العام الماضي، وأقرت بموجبها حضر التجول بالسلاح في طرقات وأسواق المدينة، وتأمين أمنها واستقرارها بما يعزز تفعيل دور القانون وتطبيق الإجراءات بشأن ممن تم ضبطهم في القضايا الأمنية والجنائية، وتأصيل مبدأ الشراكة الاجتماعية بين المؤسسات الرسمية والأهلية، بهدف ترسيخ مداميك الأمن والاستتباب المحلي.
إلا أن جهودها لم تفلح حتى الآن، تاركة علامة سؤال لدى أذهان العامة من المواطنين، عن سبب إخفاق الأجهزة الأمنية في ملاحقة المسلحين ومصادرة أسلحتهم، والعمل على ترسيخ القانون والنظام، والدفع باتجاه إعادة الاستتباب الأمني في المحافظة إلى ما كان عليه في السابق، واتخاذ موقف حاسم في حماية أرواح المواطنين وصيانة ممتلكاتهم الخاصة، دون الإذعان والرضوخ لأعمال الابتزاز ووسائل القوة التي تفرضها بعض الأطراف أو الأشخاص الذين يريدون تحقيق مطالبهم عبر اللجوء إلى العنف أو ما يسمى بالاحتجاج المسلح.
لهذا فإن إشكالية اقتناء السلاح في عـدن، ومشاهدة المجاميع المسلحة تتجول بحرية مطلقة في أسواق وشوارع المدينـة، ستظل واحدة من القضايا المعيقة في رسم ملامح الدولة المدنية، وهي إشكالية ستزيد أيضاً من تعقيدات الوضع الأمني، وتضع مقدمة لسيناريوهات محتملة من صدامات وصراعات قد تنشأ بين الأطراف المتنازعة.
* أسواق سوداء في (عـدن)
ساعدت المعارك التي شهدتها بعض مدن أبين وشبوة، بين قوات الجيش ومقاتلي الجماعات المسلحة في انتعاش تجارة السلاح في السوق السوداء بمحافظة عدن، هذه الأسواق التي كانت تقتصر أنشطتها قبل المعارك في بيع الأجهزة والمقتنيات المحلية المستهلكة، وتوسعت مع زيادة المعدات والأجهزة والأثاث والمعادن المنهوبة من مؤسسات ومعسكرات وبيوت المواطنين في محافظة أبين.
ومع استمرار المعارك السابقة والحديثة بين الجيش و الجماعات المسلحة، والانفلات الأمني القائم في عـدن، توسعت أنشطة هذه الأسواق، حيث تم إدخال بعض أنواع الأسلحة المهربة ضمن قوائم تجارتها، وبيعها بطرق غير مباشرة عبر وسطاء محليين، بعد شرائها من مواطنين نازحين ووافدين اضطروا لبيع أسلحتهم الخاصة.
ومن أبرز الأسواق السوداء التي ازدهرت فيها (خلسة) تجارة السلاح ومتعلقاته من الذخائر والمتفجرات الحية، سوق (الشيخ عثمان) لبيع المعدات المستهلكة القديمة، الذي كانت تتم فيه عملية الترويج وعقد صفقات البيع والشراء لأسلحة متنوعة ومختلفة المنشأ وبقايا لمواد ومعادن متفجرة، منها أسلحة رشاشة ومسدسات أمريكية وروسية الصنع، وتسلم بين أزقة الشوارع العامة، ومعظم المقبلين لشرائها كانوا من فئات المشائخ ورجال القبائل والشخصيات التجارية.
بلغت قيمة بعض قطع الأسلحة التي كانت ومازالت تباع خلال الأزمة السياسية بأسعار زهيدة أقل من نصف قيمتها الأصلية، فسعر القطعة الواحدة لمسدس من نوع (تاتا) تراوح ما بين 60 إلى 70 ألف ريال، وسعر السلاح الآلي ما بين 150 إلى 200 ألف ريال، وبعض الأشخاص كانوا يقومون ببيع أسلحتهم من نوع (آلي رشاش) من 70 إلى 80 ألف ريال، وبلغ سعر الرصاصة الواحدة بما فيها رصاص "الدوشكا" من 50 إلى 150 ريالاً، وسعر القنبلة اليدوية الواحدة بحسب نوعها ما بين 3000 إلى 5000 ألف ريالاً، كله ذلك كان يحدث أمام مرأى ومسمع رواد السوق.
واليوم تتوارد معلومات عن وجود عمليات ترويج واسعة، لبيع دفعة جديدة من الأسلحة التي تم تهريبها إلى عـدن بعد الاستيلاء عليها في محافظة أبين، في أعقاب سيطرة القوات الحكومية على المحافظة ودحرها للجماعات المسلحة من البلدات التي كانوا يسيطرون عليها بأبين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى