عودة «الأيام» .. عودة جديدة للقضية الجنوبية

> قادري أحمد حيدر:

>
حين تذكر «الأيام» الصحيفة تذكر عدن، وحين تكون «الأيام» الصحيفة حاضرة، فأنت ترى بعينيك المغمضتين عدن، والجنوب كله، ولا تحتاج إلى فتحهما، فالمدينة عدن، والجنوب القضية كانتا حاضرتين، وهما هاجعتان في قلب وعقل هشام، وتمام باشراحيل، في صورة كل ماكان ينشر في «الأيام» الصحيفة، وخاصة من بعد اجتياح الجنوب، أرضاً، وإنساناً وثروة، وتاريخاً، وهي حرب إنهاء وإلغاء لشراكة الجنوب في السلطة، والثروة، والدولة، وفي بناء الوحدة.. ومن حينها.. الحرب - انتصبت قامة «الأيام» الصحيفة، معلنة ميلاد الحراك الجنوبي السلمي، والقضية الجنوبية، من خلال كتابات المفكر والمناضل الدكتور أبو بكر السقاف، وبعده بأقلام زملاء وكتاب آخرين، في وقت كان فيه الكلام عن القضية الجنوبية، أو الكتابة عنها، خيانة وانفصال، وجريمة سياسية ووطنية، حينها كانت الصحيفة «الأيام»، تعني القضية الجنوبية، تعني رفض اجتياح الجنوب، رفض الحرب، رفض إلغاء شراكة الجنوب ورفض العدوان عليه، وعلى محاولة طمس تاريخه، وتراثه الكفاحي والوطني.. لأن حرب الاجتياح التي حكمها وأدارها، وقادها، قادة الحرب، وتجار الحروب، من خلال بيان الحرب الذي اعلن من بيان السبعية في 27 إبريل 1994م. وهي الحرب القذرة، التي توحد فيها المسجد الذي تحول إلى ثكنة عسكرية، والمعسكر الذي تحول إلى مئذنة، ومنبر لصلاة المحرب، أعلن من خلالها تحشيد وتجييش الناس باسم الدين، وهما عمليا، من قادا الحرب على الجنوب، عبر فتاوى تكفير الجنوب وأهله الذين يتمترس بهم الكفار المشركين، وفي هذا المناخ الدموي، والحربي، التكفيري الديني، لم يتوقف صوت «الأيام» في إدانة الحرب، ورفع راية القضية الجنوبية.
«الأيام» بالنسبة لي شخصياً، هي صوت الحقيقة، صوت الوحدة اليمنية الحقيقية، صوت الجنوب المطالب باستعادة روح ومضمون الوحدة السلمية الديمقراطية التعددية.. «الأيام» كانت وماتزال صوت القضية الجنوبية التي ماتزال معلقة، وبعيدة عن أي حل سياسي، واقعي، عادل لها، بعد أن جرى قطع وتجاوز وثيقة الحلول والضمانات، التي تم الوصول إليها عبر الفريق المصغر للقضية الجنوبية، وباشراف د. جمال بن عمر الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بالحل الإداري والقسري وبإلغطاء السلطوي، ومن خارج مخرجات الحوار الوطني الشامل، وعبر ضغوط تحالف المركز المقدس (القديم ـ الجديد)، وفي كل هذا المسار الحربي والسياسي والحواري - بعد ذلك - كانت «الأيام» الصحيفة، صوت الحقيقة، كانت هي المدافعة عن القضية الجنوبية بامتياز، وعن قضايا الوطن اليمني كله، كان تسويقها، ومبيعها، وتوزيعها ، يغطي جميع مناطق الشمال، وبنفس تسويقها، وتوزيعها، في مناطق الجنوب، كانت قهوة الصباح، وفاتحة الصبوح، وفاتحة الكلام، دليل على مصداقيتها وموضوعيتها، ومهنيتها، وحرفيتها، وجدارتها الصحيفة المتميزة، ومن هنا كانت الحرب السياسية، والإعلامية، والعداونية، والذي وصل حد العدوان العسكري عليها، وكنت والدكتور سلطان الصريمي، والأستاذ أحمد قاسم دماج، والأستاذ محمد الشيباني، وآخرين من أعضاء اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين المتواجدين في عدن، شهودا على جريمة العدوان العسكري على صحيفة «الأيام» (المنزل، المطبعة، والإنسان)، العدوان الذي طال حتى غرف نوم الأطفال والمكتبة الخاصة، بمثل ما كنت شاهداً على مهزلة المحاكمة الصورية والسياسية، والقهرية، وهي عمليا استمرار للحرب على الجنوب كله، والتي لم تتوقف حتى اللحظة، ومازالت القضية الجنوبية معلقة بدون حل، وتأجل حلها عبر الحلول الإرادية الغوثية القسرية الإلتفافية، فإن القضية الجنوبية ستظل قائمة وتداعيتها، وتراكماتها مستمرة، حتى يتم الاعتراق بها في الواقع، وفي الحلول، وليس في الخطاب، الذي تجري محاولة الالتفاف عليه في واقع التطبيق، والتنفيذ.
إن القضية الجنوبية بهذا المعنى هي قضيتنا جميعا، وليس قضية أبناء عدن، أو الجنوب، هي قضية كل أبناء اليمن، وفي القلب والطليعة منهم طبعا أبناء الجنوب اأصحاب المصلحة السياسية والمباشرة بالحل السياسي العادل، وليس الالتفافي المؤجل إلى زمن مجهول.
إذا كانت القضية الجنوبية هي مفتاح الحل السياسي لكل القضايا الوطنية اليمنية، كما يقولها الاعلام الإيدولوجي والسياسي، فإن المفترض أولاً: أن نرى تجليات هذا المفتاح بصورة عملية وملموسة، ومباشرة، على القضية الجنوبية نفسها، ثم امتداد إثر ذلك إلى كل القضايا الوطنية الأخرى.
أتذكر اللحظة كيف كان قسم معين من الفريق المصغر في فريق القضية الجنوبية برئاسة نائب الامين العام للامم المتحدة جمال بن عمر، ينافح، ويحاور، ويساجل، ويطرح المداخل السياسية، والعملية، ويؤكد على قضية الضمانات للوصول إلى الحل السياسي العادل للقضية الجنوبية، وكان الاستاذ تمام باشراحيل، ورضية شمشير، وبدر باسلمة، وجمع زملائهم في الفريق، بقيادة محمد علي احمد، يعملون دون كلل، وبكل الدأب للوصول الى حلول سياسية عادلة، للقضية الجنوبية، في مواجهة المناورات السياسية، والمراوغات الالتفافية على الحل العادل للقضية الجنوبية، وكنا في الحزب الاشتراكي في قلب هذه المعمعة لمحاولة كسر إرادة القضية الجنوبية، وفي هذا المعترك السياسي والمدني، والحواري الصعب، والشائك كم افتقدنا «الأيام» الصحيفة، وفي قلب هذه المعركة السياسية، والتي هي استمرار للحرب العسكرية ادركت معنى واهمية وخطورة إيقاف صحيفة «الأيام»، التي كانت ستكون عوناً وسنداً لنا في قلب هذه المعركة السياسية الكبيرة، والخطيرة، وهوما يفسر قطع وتجاوز وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية، وبذلك القرار الاداري القسري، بتقسيم الجنوب الى اقليمين وعودته إلى اللحظة السياسية التاريخية الاستعمارية الانجلو سلاطينية.
وفي قلب الفريق المصغر المنبثق عن القضية الجنوبية، كان صوتنا عالياً في الدفاع عن صحيفة «الأيام» ، وكانت قضية «الأيام» احد النقاط الاساسية في النقاط الإحدى عشرة، التي صارت واحدة من اهم مخرجات الحوار الوطني الشامل، إدراكاً منا لاهمية، وحساسية، ومكانة، دور «الأيام» الصحيفة في الخارطة الإعلامية والصحفية الديمقراطية، بإعتبار «الأيام» الصحيفة صوت من لاصوت لهم، صوت للتعددية، صوت الديمقراطية، والحرية، صوت القضية الجنوبية، صوت عدن، المدينة، والمدنية، والصحافة الحرة.
كنت حين أرى الصديق الشهيد هشام باشراحيل - لأنه ذهب غيلة، وقهراً وحسرة - والصديق تمام باشراحيل، بعد الحرب على «الأيام» الصحيفة، كنت أرى وأقرأ روح الفداء، والتضحية والشهادة، اقرأ روح البطولة الحقة، فرد، أو افراد مجردين من اي سلاح، أو قوة، في مواجهة آلة بطش عاتية، وعدوان سافر بلا حدود ، حتى من سلاح الكلمة السلمية ، بعد ان تم اجتياح كل مكان،( المنزل، الصحيفة، المطبعة)، ومن هنا قيمة العودة للصحيفة كتعبير عن مدى فعل المقاومة المدنية السلمية، ولذلك فإن ما قالة الرئيس علي ناصر محمد "عودة
«الأيام».. عودتنا جميعاً"، وبعودة «الأيام» الصحيفة ستعود الحياة إلى الصحافة الحرة، والديمقراطية، والتعددية، وكل ثقة بعودة الروح إلى عدن الكلمة، عدن المطبعة، والصحافة، والتجارة، والصناعة، عدن المدينة، عدن الحرية، والتعددية ، عدن التي علمتنا معنى المقاومة المدنية السلمية، وقبلها علمتنا المقاومة بحرب التحرير الشعبية ضد الاستعمار.
إن عودة «الأيام» الصحيفة هي عودة لنا جميعاً إلى حُضن الحقيقة والحق، حتى لانعد نرى صورة وحدة ثُنائية المعسكر، والمسجد، ثنائية فتوى التكفير الديني، والرصاصة ثابتة إلى حياة اليمنيين خاصة بعدما نشهده في بداية حرب حقيقية على التطرف والعنف والارهاب (القاعدي) باسم الدين، الذي نتمنى ان يشمل جميع اخوات القاعدة، بمثل مالا تتمنى ان لاتبقى هذه الحرب في حدود التكتيك، وتتحول إلى رؤية، وحماسة استراتيجية، شاملة، على القاعدة والإرهاب والعنف في سياق رؤية فكرية وسياسية وطنية واستراتيجية تسير بنا نحو الدولة الاتحادية الديمقراطية، وسيكون للصحافة الديمقراطية، بما فيها «الأيام» دورها وحضورها ، واثرها في كل ذلك.
تحية لـ «الأيام» الصحيفة ، ولـ «الأيام» الاصدقاء، ولـ «الأيام» المطبعة والعمال، ولـ «الأيام» الباعة في كل مناطق البلاد جنوباً، وشمالاً .. تحية لـ «الأيام» على طريق حل عادل ندي، ومتكافئ للقضية الجنوبية، كما نصت علية وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية الواردة في مخرجات الحوار الوطني، بعيداً عن الحلول الارادية، والسلطوية، المناقضة لإرادة القضية الجنوبية وحلها السياسي العادل، مع رجاء ان تلعب «الأيام» الصحيفة والناس دورها في تجميع شتات القيادات الجنوبية الموزعة بين ارادات ذاتية شتى اصغر من قامة القضية الجنوبية، هل لنا أن نأمل بذلك، وكل أمل ان تلعب «الأيام» الصحيفة هذا الدور القائد في هذا الإتجاة.
فالمقاومة المدنية السلمية هي المدخل للعبور في المضيق، حسب تعبير د. ياسين سعيد نعمان، فبدون المقاومة السلمية المدنية في الدفاع عن الحق والحقيقة لا معنى للخلود ولِمَ عادت «الأيام» الصحيفة إلى اهلها وإلى ناسها وإلى عَدن حاملة مرةً عاشرة راية القضية الجنوبية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى