في دائـرة الضـوء..زيدان .. نجم من ذهب في سماء فرنسا!

> «الأيام الرياضي» متابعات:

> يقول خبراء كرة القدم: "إن أفول نجم لا بد أن يقابله بزوغ نجم آخر!"، ولعل الوقائع أكدت مقولتهم هذه عندما تزامن اعتزال الأسطورة ميشيل بلاتيني عام 1987م مع أولى خطوات زين الدين زيدان في مركز التدريب التابع لنادي كان.
شكلت أكبر مدن الجنوب الفرنسي مرتعًا مثاليًا تعلم فيه زين الدين قيم التواضع والاحترام، وهما صفتان ظلتا تلازمانه على امتداد سنوات مسيرته الحافلة، والتي بدأها بقميص نادي كان أمام نانت في مباراة ضمن منافسات الدوري الفرنسي الممتاز لعام 1989م، علمًا أن عمره لم يكن يتجاوز (17) ربيعاً آنذاك.
ويتذكر الأسطورة هدفه الأول الذي سجله عام 1991م أمام الفريق نفسه، كما يتذكر بحنين عائلة إلينو التي عاش في حضنها عندما كان طالبًا في أكاديمية نادي محافظة كوت دازور .. وقالت السيدة نيكول: "لقد استضفنا وأوينا العديد من لاعبي (كان) الشباب، لكنه الوحيد الذي ما زال يتصل بنا والوحيد الذي عرف طريقه إلى النجاح، وإنه ذلك الشاب الودود الذي كان يأكل البطاطا المقلية بين شريحتين من الخبز كل أربعاء".
**** مزاج قوي
تعوّد زيدان على تلقي الضربات الموجعة من الخصوم الذين كانوا يسعون إلى إيقافه بأي شكل من الأشكال، لكنه لم يكن يتمالك نفسه أحيانًا، وكان يرد الصاع صاعين، مما كلفه الطرد والإيقاف في أكثر من مناسبة، بيد أن جي لاكومب وجد الوصفة السحرية لإيقاف هذا السيناريو، حيث خاطبه مدير مركز التدريب في نادي كان قائلاً: "اسمع يا بني ستتعرض للضرب طوال مسيرتك، بل وحتى اللحظة الأخيرة من مشوارك، وهذا هو حال اللاعبين ذوي الموهبة الخارقة مثلك، وإذا حاولت أخذ الثأر بنفسك فستقضي حياتك كلها في مقعد البدلاء، وأنت تشاهد الآخرين يتبارون فوق أرضية الملعب"، وبعد إسداء هذه النصيحة، طلب منه إخراج طاقته الزائدة في شيء يفيد الفريق، مقترحًا عليه تنظيف حجرة الملابس بعد كل مباراة أو حصة تدريبية، وهو ما لم يتردد ابن مارسيليا في الاستجابة إليه.
وبعدما نضج واشتد عوده، انتقل زيدان من كان إلى بوردو عام 1992م، حيث صنع لنفسه اسمًا وأسطورة، فقد بات معشوق جماهير قلعة شابان ديلما بفضل أهدافه الساحرة وتسديداته المحكمة من الركلات الحرة ومراوغاته الباهرة وتمريراته الحاسمة، ولم يقتصر استمتاع صانع الألعاب على أرضية الميدان فحسب، بل امتد إلى خارج الملعب كذلك، فقد تحدث مدربه السابق رولان كوربيس أنه تعجب لرؤيته "في إحدى الأمسيات وهو يداعب الكرة بكعبه في حجرة الملابس الممتلئة عن آخرها، غير آبه بما يدور حوله" .. متابعًا "لقد عايشت العديد من المهرة، لكنني لم أرَ في حياتي لاعبًا مثل زيزو؛ وإذ كان بإمكاني أن أمضي الليلة كلها وأنا أتفرج عليه".
ثم بات زيدان مشهورًا على الصعيد الفرنسي بعدما خاض أول مباراة له مع المنتخب الوطني عام 1994م، حيث بدأت جماهير الديوك ترى في النجم الصاعد الخليفة الشرعي لبلاتيني، وبعدما كان الزرق متراجعين في النتيجة بهدفين نظيفين أمام جمهورية التشيك، أقحم إيميه جاكي نجمه الصاعد أمام جماهير بوردو في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي ظرف دقيقتين، سجل زيزو هدفين رائعين، أحدهما برأسية مركزة والثاني بتسديدة محكمة من مسافة بعيدة بعد مراوغة خطفت ألباب الحاضرين، ورغم مساهمته الجليلة في إنقاذ فرنسا من هزيمة كانت تبدو محققة، إلا أن زيدان اعتبر "اللعب بالرأس والتصويب باليسرى من أبرز نقاط الضعف" لديه.
**** على خطى بلاتوش
عاد زيدان ليتألق في كأس الاتحاد الأوروبي خلال موسم 1995م/1996م، حيث سجل هدفًا من أروع ما شاهدته العين في ملاعب كرة القدم على مر العصور، ففي موقعة ثمن النهائي أمام بيتيس الأسباني، سدد زيدان كرة هوائية ساقطة من مسافة أربعين مترًا لم تلمس الأرض إلا بعدما تجاوزت خط المرمى، كما ساهم في قيادة بوردو إلى فوز تاريخي (3-0) على ميلان في إياب ربع النهائي، علمًا أن مباراة الذهاب انتهت لصالح الإيطاليين بهدفين نظيفين، وصحيح أن النادي الفرنسي لم ينهِ المسيرة بتحقيق اللقب، بعد خسارته في النهائي أمام بايرن ميونيخ، لكن زيزو ضمن مكانته بين عمالقة الكرة الأوروبية، لينتقل نهاية الموسم إلى قلعة يوفنتوس بناءً على توصية بلاتيني، وكتب زيدان اسمه بأحرف من ذهب في سجلات الساحرة المستديرة؛ إذ فاز بلقب الكالتشيو مرتين (1997م و1998م)، ثم حصد كأس السوبر الإيطالي (1997م) وكأس السوبر الأوروبي (1996م)، إضافة إلى كأس إنتركونتينونتال في العام ذاته، لكن استمتاع الداهية لم يكن يقتصر على المستطيل الأخضر، فقد روى ليبي في إحدى مقابلاته: "في يوم من الأيام، خرجت من المطعم حوالي الساعة الحادية عشرة ليلاً ورأيت زيدان يداعب الكرة مع أشخاص آخرين في أحد الأحياء، حيث كان له أصدقاء جزائريون، قلت له: ماذا تفعل في هذه الساعة المتأخرة؟، فأجابني إنني استمتع باللعب برفقة أصدقائي، ثم قلت له: نعم أنت محق، هذا جميل، لكن إياك أن تذهب إلى الفراش متأخرًا".
**** رفاق الدرب
بعدما بات معشوق الجماهير في فرنسا وخارجها، وبعدما عبر بلاتيني عن افتخاره بتسليم رقم (10) إلى لاعب من طينة زيدان، يتذكر ابن مارسيليا أيام الصبا مع أصدقائه، حيث صرح قائلاً: "مثل جميع الأطفال الآخرين، كنا نتبارى في الحي للفوز بكأس أسميناها كأس العالم، وبعدما شاركت في بطولة كأس العالم الحقيقية، استحضرت تلك الذكريات على الفور".
ولم تتوقف مسيرة إنجازات زيزو مع منتخب بلاده، فقد عاد ليقود الزرق إلى القمة في نهائي كأس الأمم الأوروبية 2000م، عندما فاز الديوك على إيطاليا في روتردام. لكن ذلك لم يكن كافيًا لإطفاء عطش الأسطورة الفرنسي، الذي كان ما يزال يسعى وراء لقب دوري أبطال القارة العجوز، بعدما خسر مباراتين نهائيتين مع يوفنتوس، لكن انتقاله إلى ريال مدريد بموجب صفقة قياسية في صيف 2001م كان كفيلاً بتحقيق آخر أحلام النجم الذهبي، الذي سجل هدف الفوز في شباك باير ليفركوزن بتسديدة من الروعة بمكان، فيما اعتُبر أجمل هدف في تاريخ المسابقة، فقد تلقى تمريرة في طبق من روبيرتو كارلوس لينبري للكرة برجله اليسرى ويرسلها طائرة داخل المرمى.
ذلك كان أقصى ما حققه زيدان مع العملاق الأسباني، رغم حضور نجوم آخرين أمثال رونالدو وفيجو ومايكل أوين وديفيد بيكهام؛ إذ غاب أبناء العاصمة عن منصة التتويج في جميع المسابقات بين عامي 2003م و2006م.
وبينما بلغ زيدان قمة عطائه الفني، بدأ مستوى الفريق المدريدي في التراجع، مقابل أزمة نتائج في المنتخب الفرنسي، الذي عجز عن الاحتفاظ بلقبه العالمي في نهائيات 2002م، حيث ودع المنافسات من دورها الأول !، ثم تكرر سيناريو الإخفاق في بطولة أمم أوروبا 2004م، حيث توقفت مسيرة الديوك في ربع النهائي على يد اليونان، التي واصلت طريقها بثبات نحو القمة.
**** شكرًا على سحرك
عدل زيدان عن قراره اعتزال اللعب دوليًا، فعاد إلى صفوف منتخب بلاده في غمرة معاناة الفرنسيين للتأهل إلى نهائيات كأس العالم 2006م، وعبر المدرب ريمون دومينيك عن سعادته بعودة صانع الألعاب، حيث قال في تصريح له: "الكل مبتهج ومتفائل بشأن تأهلنا، أما أنا، فلا أفكر في التأهل فقط، بل أطمح إلى ما أبعد من ذلك بكثير"، وبالفعل ضمن الديوك مشاركتهم في النهائيات، لكن زيدان أكد توقفه عن اللعب بشكل نهائي مباشرة بعد انتهاء العرس المونديالي.
وعقب بداية متعثرة ومشوار محفوف بالمخاطر على الملاعب الألمانية، بدأ زيدان يتأهب لتوديع كرة القدم بعد المباراة الأخيرة ضمن مرحلة المجموعات، لكن باتريك فييرا وتييري هنري أهدياه فرصة أخرى للمضي قدمًا بتمكنهما من هز شباك توجو، ثم كادت النهاية أن تأتي على يد الجار الأسباني في ثمن النهائي، قبل أن ينتفض زيدان نفسه ويؤجل اعتزاله بهدف في مرمى كاسياس، كما تكرر السيناريو ذاته أمام البرازيل والبرتغال، اللتين عجزتا عن الثأر من صاحب القميص رقم (10) الذي أطاح بالسيليساو في نهائي كأس العالم 1998م وبالكتيبة الأيبيرية في نصف نهائي بطولة الأمم الأوروبية 2000م.
لكن موقعة الحسم أمام إيطاليا لم تكن بنجاح سابقاتها نفسه، رغم أنها بدأت على نحو مثالي بعدما تمكن زيدان من وضع فريقه في المقدمة من ركلة جزاء بديعة خادع بها العملاق جيانلويجي بوفون، ثم جاءت اللحظة المشؤومة التي تلقى فيها البطاقة الحمراء بعد نطح المدافع ماركو ماتيرازي الذي لم يكف عن استفزاز مشاعره.
وقبلها بأسابيع معدودة، كان زيزو قد ودع قلعة سانتياجو بيرنابيو وسط حضور جماهيري بلغ (80) ألف متفرج حملوا قميصه على المدرجات ورفعوا لافتة كُتب عليها (شكرًا على سحرك).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى