بدأ نشاطهم دينيا واستثمروا فراغ السلطة والانقسامات!! تقرير الحلقة (3)..الحوثيون: من صعدة إلى صنعاء

> قسم التحقيقات:

> تنشر «الأيام» تقرير (مجموعة الأزمات الدولية) من (الحوثيون.. من صعدة إلى صنعاء) باتفاق خاص و حصري لصحيفة «الأيام» و نشر التقرير في 10 يونيو، وتم نشر المخلص التنفيذي في حينه، والآن ننشر التقرير كاملاً على حلقات.. و (مجموعة الأزمات الدولية) هي منظمة مستقلة غير ربحية وغير حكومية، تضم حوالي 150 موظفاً في خمس قارات يعملون من خلال التحليل الميداني وحشد الدعم وممارسة الإقناع على المستويات العليا من أجل منع وتسوية النزاعات الخطيرة.
لا يقتصر انتقاد الحوثيين على حزب سياسي أو مجموعة سياسية واحدة. يخشى المتشككون من سائر أجزاء الطيف السياسي المؤتمر الشعبي العام، والإصلاح،والمستقلون إلخ. من أن الحركة بطبيعتها تميّز ضد غير الهاشميين وتعادي فكرة الحكومة الجمهورية.
كما أن هناك مخاوف واسعة من أن الجماعة، بصرف النظر عن طموحاتها الأيديولوجية، تبني دولة داخل الدولة في الشمال قادرة على لي ذراع الحكومة المركزية. رغم ذلك، يختلف المنتقدون حول التهديد الذي تشكله. البعض يرى في الحوثيين تحديّاً وجودياً للدولة ينبغي مواجهته بالقوة.
بالنسبة لآخرين، فإن المجموعة عبارة عن مفارقة تاريخية، ومجرد تحفة من الماضي تعززت قوتها مؤقتاً لكنها ستخسر في المحصلة عند مواجهتها بالمنافسة السياسية. اليوم،تشكّل مجموعة الإصلاح /علي محسن/ آل الأحمر أبرز منتقدي الحركة العلنيين. كثيرون في المؤتمر الشعبي العام يشاطرونهم آراءهم،لكنهم متحالفون مع الحوثيين لإضعاف خصومهم السياسيين.
سيوضع التزام الحوثيين بدولة مدنية،وبالتعددية والديمقراطية موضع الاختبار بمرور الوقت، وسيتأثر توازن الآراء داخل الحركة حيال هذه الأفكار بإشراكها، أو عدم إشراكها، في العملية السياسية. حتى مع مناقشة الجماعة لهذه الأفكار، فإن مطالبها الأكثر إلحاحاً وطموحاً هي أيضاً الأكثر وضوحاً، رغم أنه لا يتم التعبير عنها دائماً بشكل واضح.
أولاً، تسعى إلى تشكيل حكومة جديدة وإلى أن يكون لها حصة في صنع القرار على المستوى الوطني، رغم أنه يبقى من غير الواضح مدى تقاسم السلطة الذي يعتبرونه كافياً أو حتى مرغوباً به. نظراً لمخاوفهم من أن يتم تهميشهم وأن يهاجَموا مرة أخرى من قبل خصومهم المستفيدين من سيطرتهم على أجهزة الدولة، فإن الحوثيين يطالبون بدور في مؤسسات الحكومة، بما في ذلك في الأجهزة الأمنية؛ ويعتبرون أن الحكومة الحالية هي خليط فاشل من قوى النظام القديم غير القادرة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. يبدو أن أولويتهم هي تغيير رئيس الوزراء، إضافة إلى عدد غير محدَّد من الوزراء، بدلاً من إعادة توزيع الحقائب الوزارية، على سبيل المثال. في حين أنهم مصممون على إضعاف قبضة الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام، لكن ليس من الواضح تماماً بموجب أية شروط سيقبلون بحقائب في الحكومة، وهي خطوة ستجعلهم يتعرضون للمساءلة عن أداء الحكومة.
ثانياً، تبدو الحركة الحوثية مصممة على اقتطاع مجال محلي للنفوذ قابل للحياة اقتصادياً وسياسياً. يرتبط القتال في أقصى الشمال، في جزء كبير منه، بالسيطرة والنفوذ السياسيين على إقليم أزال الفيدرالي المستقبلي، الذي يضم صعدة، وعمران، وصنعاء وذمار.
في هذا الإقليم، انتشر الحوثيون عسكرياً ويصرون على حقهم في نشر آرائهم الدينية والقيام بالأنشطة السياسية السلمية، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كانوا سيضمنون نفس الامتيازات للآخرين. على سبيل المثال، فإن أحد عقبات التوصّل إلى وقف إطلاق نار دائم في عمران، كانت مطالبة الحوثيين بعقد تجمعات سياسية لنشر أفكارهم، بما في ذلك عرض شعاراتهم، فرفض أنصار آل الأحمر ذلك. كما أن الحوثيين يطالبون باستبدال شخصيات عسكرية وسياسية محلية إشكالية، مثل قائد اللواء 310 ومحافظ عمران.
وفي الوقت نفسه،فإنهم غير راضين عن التقسيم الحالي للحدود الفيدرالية ويدفعون،سياسياً وعسكرياً،لمراجعتها.
يقبلون الفيدرالية من حيث المبدأ،لكنهم يرفضون الخطة الفيدرالية التي تقسم البلاد إلى ستة أقاليم على أساس أنها لا تستند إلى معايير سليمة. نتيجة لذلك، يقولون إنها لن تسوّي قضية الجنوب بتقسيم الجنوب إلى إقليمين وتقسيم البلاد بين الذين يملكون والذين لا يملكون،وكلا الأمرين سيلحق الضرر في المحصلة بالهوية الوطنية. قد يكون الأمر الأكثر أهمية أن إقليم أزال الذي يشمل معاقلهم الشمالية ليس له منفذ على البحر، ويحتوي القليل من المياه،وموارد طبيعية محدودة وعدد كبير من السكان. من غير المفاجئ أن الحوثيين يجادلون بأن محافظات حجة، التي فيها ميناء، والجوف، التي تحتوي موارد طبيعية، أكثر قرباً ثقافياً وجغرافياً إلى صعدة وبالتالي ينبغي أن يشملها إقليم أزال بدلاً من محافظة ذمار الأكثر سكاناً والمعزولة عن البحر والواقعة إلى جنوب العاصمة.
* المضامين السياسية
أ.توازن القوى في الشمال
من الصعب المبالغة في تقدير التغيّر الحاصل في ميزان القوى في الشمال. آل الأحمر الذين كانوا أقوياء في الماضي فقدوا سيطرتهم على حاشد، قاعدتهم القبلية. وكتجمع قبلي،فقد حاشد أيضاً نفوذه السياسي؛ أصبح الآن لا مركزياً نسبياً، ودون قائد فعلياً. وقد خسر الإصلاح وعلي محسن النفوذ السياسي أيضاً،رغم أن خسارتهم أقل. بوقوفهم تكتيكياً على الحياد، سمحوا لآل الأحمر بامتصاص الخسائر العسكرية، لكن نسبياً وفي مواجهة الحوثيين، فإنهم باتوا أضعف اليوم مما كانوا قبل عام. كما أن السلفيين في دماج وكتاف يعتريهم الضعف أيضاً، حيث تقلصت قدرتهم على الدعوة تحت سيطرة الحوثيين. على النقيض من ذلك، فإن صالح وحلفاءه في المؤتمر الشعبي العام، على الأقل في الوقت الحاضر، يحققون مكاسب. أكبر خصومهم آل الأحمر، والإصلاح وعلي محسن تراجعت مكانتهم. كما أن صالح يستفيد من الفوضى وعدم قدرة الحكومة على وقف العنف وحيث بات المواطنون، على نحو متزايد، يثمّنون الاستقرار النسبي الذي ساد خلال فترة حكمه.
في مؤشر على الروح الرجعية، باتت صور ابن صالح، أحمد علي صالح، غالباً إلى جانب المشير عبد الفتاح السيسي أمراً مألوفاً في العاصمة.
إلاّ أن مكاسب الحوثيين هشة بقدر ما هي كبيرة. صحيح أنهم حققوا سلسلة من الانتصارات، لكنهم من بعض النواحي باتوا أكثر هشاشة مما كانوا من قبل. إن السيطرة الحوثية على أجزاء من عمران، أهم مكاسبهم الجغرافية خارج معاقلهم التقليدية، حصلت دون مقاومة نسبياً وحتى إنهم لقوا الترحيب من قبل طيف واسع من خصوم آل الأحمر. لكن الحوثيين يدفعون الآن باتجاه خطوط حمر من شبه المؤكد أن تجاوزها سيدفع أطرافاً كانت حيادية أو حتى داعمة لهم إلى التحوّل ضدهم. بشكل خاص، إذا اندفعوا إلى العاصمة فإنهم سيواجهون جبهة موحدة تتكون من هادي،وعلي محسن، والإصلاح وحتى المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح، الذين سيتحالفون حيال التهديد المشترك. كما أنهم سيخسرون دعماً تكتيكياً يقدمه الشباب ذوي الميول الليبرالية، والنساء ونشطاء المجتمع المدني، الذين رحب العديد منهم بانتصاراتهم ضد قوات النظام القديم، خصوصاً ضد آل الأحمر.
كما أن المكاسب السياسية والعسكرية تكشف الجماعة أيضاً أمام المخاطر المتزايدة لخطأ في الحسابات. يمكن للقادة الميدانيين الحوثيين وأنصارهم، الذين يشعرون بمزيد من الجرأة بفضل انتصاراتهم الأخيرة، أن يظنوا أن إنجازاتهم، الناتجة إلى حد كبير عن المعارضة المشتركة لخصوم مشتركين، تمثّل دعماً شعبياً حقيقياً، وبالتالي يندفعون إلى مزيد من التوسع. ربما هذا ما يحدث في عمران حيث قوبل تقدم الحوثيين نحو عاصمة المحافظة، مدينة عمران، بمقاومة شرسة، خصوصاً من اللواء 310 ورجال القبائل المرتبطين بآل الأحمر والإصلاح. إضافة إلى أن المحافظة على نفوذهم في المناطق التي استولوا عليها مؤخراً يتطلب توازنات دقيقة. في عمران، على عكس صعدة، قاعدة دعم الحوثيين أضعف،وتعتمد سيطرتهم إلى حد كبير على معاهدات عدم الاعتداء والتحالفات المؤقتة مع الشيوخ..على الحوثيين أن يتحركوا بحذر وإلا فإنهم سيواجهون رد فعل عكسي من القوى المحلية.
ب.المرحلة الانتقالية بالخط العريض
مع وقوع الرئيس هادي بين فكي كماشة مركزي القوى التقليديين في الدولة صالح/ المؤتمر الشعبي العام من جهة وعلي محسن /الإصلاح/ آل الأحمر من جهة أخرى فإن مكاسب الحوثيين قد توفّر له هامشاً أكبر للمناورة في تعزيز العملية الانتقالية المترنّحة في البلاد. مع تزايد ضعف معسكر صالح وتقييد مكاسب الحوثيين لتحالف علي محسن/ الإصلاح/آل الأحمر المنافس، بات لدى الرئيس نظرياً فضاء سياسي أوسع لإشراك لاعبين من خارج دائرة المؤتمر الشعبي العام اللقاء المشترك. كما يُعتقَد أن هادي لديه تفويض شعبي لمواجهة الحوثيين أنفسهم، خصوصاً فيما يتعلق بأسلحتهم الثقيلة، التي باتت، بعد انتصاراتهم الأخيرة، تشكل مصدر قلق لشرائح وطنية واسعة.
إلاّ أن مضامين المكاسب التي حققها الحوثيون ليست إيجابية بالكامل بالنسبة لهادي والمرحلة الانتقالية. لقد وسّع القتال الفجوة بين خطاب الإصلاح الوطني في العاصمة وواقع تضاؤل سلطة الدولة على الأرض. مع تلاشي الثقة بالمرحلة الانتقالية، تعززت جاذبية المواجهات العنيفة لتحقيق غايات سياسية. انهيار حالات وقف إطلاق النار وتصاعُد المواقف المتجدِّدة تضيف إلى المظالم وتُضاعف من حالات الرغبة بالانتقام،ما يعقّد وضع تفاصيل مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وتنفيذها.
من شأن العنف المتجدّد وواسع النطاق أن يعرقل أو يقوّض الاتفاقيات الجديدة، وكذلك استمرار الوضع الراهن، لكن بإيقاع أبطأ.
في الوقت الحاضر، يبدو أن الصراع استقر في حلقة مفرغة من العنف المتقطّع تتبعه فترات من السلام الهش، يخطط المقاتلون خلالها لتجدّد المواجهات في حرب استنزاف بطيئة الإيقاع. لقد اكتسب الحوثيون مزيداً من الجرأة بفضل انتصاراتهم الأخيرة وقد يتوسعون أكثر في عمران، وصنعاء، وحجة والجوف وهي أفعال ستدفع إلى مقاومة متجددة من خصومهم الذين باتوا أضعف لكن لم يهزموا.
هؤلاء الخصوم، المتيقظون، يحثّون الدولة على التدخل لعكس مسار المكاسب التي حققها الحوثيون؛ وقد يشعرون بإغراء إعادة إشعال القتال من أجل جر الدولة إلى الصراع. كما أن من شأن التصعيد الذي قد لا يجد ضابطاً له أن يدفع شرائح كبيرة من الجيش للانحياز إلى أحد الطرفين، ما سيعرّض المؤسسات الوطنية للخطر. هذا يحدث أصلاً في عمران،حيث جرّ القتال القوات الجوية ويهدد بجر هادي والجيش بشكل عام إلى حلبة الصراع.
من شبه المؤكد أن مزيداً من التدخل العسكري للحكومة سيعقّد ويوسّع الصراع،وهي حصيلة لا يستطيع هادي، ولا البلاد،تحمّلها. في نيسان/أبريل 2014 ، أطلق الجيش حملة في الجنوب ضد القاعدة التي أصبحت أكثر جرأة، ما دفع إلى هجمات انتقامية في العاصمة وعلى البنية التحتية النفطية والكهربائية.
القتال ضد القاعدة يثير عنصر المذهبية ويؤدي إلى تصاعد التوترات في الشمال. إنه يوفّر للحوثيين مبرراً آخر للاحتفاظ بأسلحتهم دفاعاً عن النفس ومع مجادلة خصومهم بأنه إذا رأت الدولة أن من المناسب محاربة القاعدة، فإنها ينبغي أن تفعل الشيء نفسه مع الحوثيين، الذين يصورونهم على أنهم ميليشيا إرهابية. علاوة على ذلك، فإن الدولة على شفا الانهيار المالي وقد لا تكون قادرة على دفع الرواتب بعد أشهر في غياب دعم مباشر للموازنة أو قرار لا يحظى بالشعبية برفع الدعم عن وقود الديزل. قد يكون هذا المزيج من تجدد القتال في الشمال، واستمرار الحملة ضد القاعدة وحدوث أزمة مالية أكثر مما تستطيع الحكومة احتماله.
كما ترتبط الأحداث بالشمال بديناميكيات سياسية انفجارية في الجنوب. تبقى شرائح كبيرة من السكان في الجنوب ملتزمة بالاستقلال. هذه المجموعة، التي رفضت المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، تنتظر فرصة لدفع أجندتها إلى الأمام. في غياب الدعم الدولي أو الإقليمي، وبالنظر إلى الانقسام الداخلي العميق بين الزعماء الانفصاليين،فإن الاستقلال لا يبدو قريباً. إلاّ أن اتساع القتال في الجنوب بشكل يجر الجيش إليه يمكن أن يدفع إلى إعادة التقييم، وزيادة فرص الاندفاع بشكل أكثر قوة نحو الانفصال. في الحد الأدنى، فإن بعض النشطاء الجنوبيين يأملون في أن الصراع في الشمال سيقوّض عملية تنفيذ خطة الفيدرالية المكوّنة من ستة أقاليم، ما يمكّنهم من استبدال تقسيم الجنوب إلى جزأين بإقليم جنوبي موحّد.
غداً الحلقة الرابعة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى