في دائـرة الضـوء..روماريو: عندما تطغى الموهبة والإلهام!

> «الأيام الرياضي» متابعات:

> على مدى عشرات السنين لم يمل العالم ترديد مقولة المخترع الأمريكي توماس ألفا إديسون: "العبقرية قوامها 1% من الإلهام و99% من العرق".. ففي معظم قصص النجاح يوجد عنصر فارق يتعلق بالتفاني في العمل، وبذل الجهد، وليس من المعقول أن يتحول شخص ما إلى عبقري بغير سعي وعمل، لكن بالنسبة إلى روماريو سوزا فاريا، لم يكن هذا صحيحًا تمامًا.
وقد نصدق المهاجم العظيم أو لا نصدقه في قوله: "عندما ولدت، أشار أبي بأصبعه وقال: هذا هو!"، لكن ما لا يُنكر هو أنه قطع مسيرته كلها بثقة من يعلم علم اليقين أنه خُلق ليكون من عباقرة منطقة الجزاء، حتى بدون 99% من العرق، وكان من يقينه أنه لم يحاول حتى أن يخفي الأمر.
حتى أولئك الذين كانوا يتحملون مزيدًا من المشقة بسبب تلك السمة العجيبة التي يتمتع بها لم ينقطع عجبهم للسهولة التي كانت تسير بها أموره، فمدربه في برشلونة يوهان كرويف على سبيل المثال كان يضطر أحيانًا رغمًا عنه لمنح روماريو، حسب قول هذا الأخير، عدة أيام من الراحة ليسافر إلى البرازيل؛ إذ كان روماريو يقول له: "إذا سجلت هدفين، هل تتركني أذهب؟"، فيقبل الهولندي، وينزل النجم الكبير قصير القامة أرض الملعب، فيسجل الهدفين، ويسافر! بهذه السهولة! وكان كرويف محقًا حين وصفه قائلاً: "كان يتميز بقدرات مدهشة، وحتى بدون أن يبذل جهدًا، كان يفعل أشياء عبقرية".
**** البداية والانطلاقة
لكن قبل أن يصبح قلب الهجوم الذي تسير الأمور معه بصورة طبيعية كانت الحياة صعبة وقاسية، فقد نشأ روماريو في منزل متواضع بحي فيلا دا بينيا، في ريو دي جانيرو، حيث بدأ يلعب في إستريلينيا، وهو فريق لكرة قدم الصالات أنشأه والده إديفاير، إلا أن غيابه وسط حجب هذا المحيط الفقير لم يحل دون سطوع موهبته، وعندما بلغ سن (13)، لفت انتباه نادي أولاريا، وبعد وقت قصير انضم لناشئي فاسكو دا جاما، ومن هنا بدأت القصة المعروفة.
وحين أتم (19) سنة، في عام 1985م، دخل في عداد الفريق الأول لنادي فاسكو، وعلى مدى السنوات الثلاث التالية كان بمثابة بطل حقيقي لجماهير ملعب ساو جانواريو، وساقه أداؤه إلى المنتخب البرازيلي الذي فاز بالميداليات الفضية في مسابقة كرة القدم بألعاب سيئول الأولمبية 1988م، تلك الدورة التي نال هو لقب هدافها برصيد سبعة أهداف في ست مباريات، وكان ذلك كافيًا ليذيع صيته وتتجاوز شهرته الحدود البرازيلية، وكان بطل أوروبا – آنذاك - نادي بي أس في إيندهوفن، تحت قيادة جوس هيدينك هو أسرع المبادرين للتعاقد معه، وفي هولندا، توّج روماريو بطلاً للدوري ثلاث مرات، وهناك توطدت ثقته بنفسه وأصبح معروفًا بأنه هداف مهاب الجانب، ولا يكف عن الكلام، وقد أقر هيدينك بعد سنوات من ذلك الوقت قائلاً: "إنه أكثر اللاعبين الذين عملت معهم إثارة للاهتمام قبل المباريات المهمة، عندما كانت الأعصاب تتوتر، كان يقترب مني ويقول: (اهدأ أيها المدرب؛ روماريو سيسجل وسوف نفوز)، وكان يسجل بالفعل، في ثمان من كل عشر مباريات من تلك، كان يحرز هدف الفوز".
**** (30) هدفًا ولقب عالمي
كان التعامل مع روماريو بشخصيته المندفعة، المتبجحة أحيانًا، أصعب بالنسبة لمدربي المنتخب البرازيلي، الذين لا يحتكون به بصورة يومية، ولهذا السبب على وجه الخصوص كانت مسيرته مع السيليساو موسومة بالأهداف وبالصدامات على حد سواء.
وقد بدأت صورته كبطل قومي تتشكل في كوبا أميركا 1989م، عندما قطع أصحاب القمصان الصفراء الشهيرة مدة جفاف غابت عنهم فيها الألقاب واعتلوا منصة التتويج في (الماراكانا) عقب الفوز على أوروغواي بهدف وحيد سجله هو برأسه، ولكنه سرعان ما تلقى أول صدمة حين أصيب قبل انطلاق نهائيات كأس العالم إيطاليا 1990م (FIFA) بثلاثة أشهر، وبعد جهد جهيد استطاع أن يتماثل للشفاء ودعاه سيباستياو لازاروني للفريق، ولكنه لم يلعب سوى عدة دقائق في مباراة ضد أسكتلندا، ولم تكن مشاركته الأولى في المسابقة الكروية العالمية الكبرى توحي بما سيحدث بعد ذلك أو تشير إليه من قريب أو بعيد.
كان روماريو عقب تلك البطولة على وشك بلوغ ذروة مجده الكروي، ووقع لفريق آخر كان بطل أوروبا - آنذاك - ويقوده المدرب يوهان كرويف، هو برشلونة، ليكون رابع أجنبي في التشكيل في وقت لم يكن الملعب يحتمل أكثر من ثلاثة، ولم يكن الآخرون سوى البلغاري خريستو ستويتشكوف والهولندي رونالد كومان والدانمركي مايكل لاودروب، ومع وجود كل هؤلاء العمالقة، وصل روماريو ليصرح قائلاً: "إنه شرف لي أن أكون هنا"، ويعد عند تقديمه بجرأته المعهودة بأنه في موسم 1993م/1994م سيسجل (30) هدفاً!، فماذا حدث؟ لقد وصل إلى الجولة الأخيرة في الموسم وفي جعبته (29) هدفًا، وأتم (30) في (33) مباراة، وخرج من الملعب فائزًا بلقب الهداف وبدرع الدوري بهذه البساطة!.
والمشكلة الوحيدة هي أن روماريو رغم كل هذا لم يكن يتلقى الدعوة للانضمام إلى المنتخب، ليس بعد شكواه العلنية من عدم تلقيه الدعوة من كارلوس ألبرتو بريرا لخوض مباراة ودية في أواخر عام 1992م، لكن معاناة منتخب البرازيل في حملة التصفيات كانت في صالح المهاجم العبقري؛ إذ طالبت الجماهير بالاستعانة به، وقبل وقت قصير من خوض آخر مباريات التصفيات ضد أوروغواي في ملعب (الماراكانا) أصيب مولر، وجاء روماريو فورًا بناء على طلب الجماهير ليشارك كأساسي يحمل آمال الملايين، وكان أداؤه أسطوريًا، وسجل الهدفين اللذين فاز بهما فريقه دون رد، متخذًا بذلك الخطوة الأولى نحو كأس العالم 1994م (FIFA)، تلك البطولة التي كان هو أبرز معالمها، وفاز بالكأس ليتخذ مكانه عن جدارة بين عظماء اللعبة.
لقد شارك روماريو تقريبًا في كل العمليات الهجومية التي قام بها الفريق البرازيلي في الولايات المتحدة الأمريكية 1994م، ونال كرة (adidas) الذهبية كأفضل لاعب في البطولة، ويؤكد يوهان كرويف: "أنا متأكد من أن البرازيل ما كانت لتفوز بدونه، وهذا شيء يتفق عليه الجميع، وكان روماريو، إلى جانب لاعبين اثنين آخرين أو ثلاثة، من أفضل ممارسي اللعبة في عقد التسعينيات".
**** بكاء وأهداف
بعد تلك الحقبة بدأت مدة تركت لدى الناس شيئًا فشيئًا انطباعًا بأن أيام مجد النجم القصير قد ولت، وكانت البداية بقراره الرحيل عن أوروبا في عز تألقه، ليعود إلى البرازيل والانضمام لصفوف فلامينجو، خصم فاسكو دا جاما، النادي الذي انطلق منه إلى سماء كرة القدم العالمية.
لكن روماريو كان - دائمًا - يتخطى حدود التوقعات، سواء في المجد أم الإحباط، وعند الحديث عن الإحباط، تتبادر إلى الأذهان ذكريات مناسبتين: أولاهما أنه اضطر لمشاهدة كأس العالم 1998م (FIFA) من خارج الملعب بسبب تعرضه للإصابة، والثانية أنه لم يشارك في كأس العالم 2002م (FIFA) أيضًا بقرار من المدير الفني لويز فيليبي سكولاري، وفي المناسبتين ظهر روماريو بين الجمهور وبكى.
ثم جاء زمن تبدد فيه الخوف من الانطلاقات الخطيرة التي كان يشنها روماريو، الذي أصبح مجرد مهاجم أوسط يضع اللمسة الأخيرة، وينهي الهجمات، وكان ضعف لياقته البدنية ظاهرًا جليًا في مناسبات لا تعد ولا تحصى، وغلب على أداؤه البطء بشكل ملحوظ، وعلى هذا الحال سارت أموره في فاسكو وفلامينجو وفلومينينسي وفي بعض التجارب التي خاضها في الخارج، ومع ذلك، تأخرت نهاية المسيرة سنوات وسنوات، وبلغت منه العبقرية أن توّج هدافًا للدوري البرازيلي سنة 2005م، وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، واحتفل أيضًا عام 2007م بتسجيل ألف هدف في حياته، وذلك طبقًا لحسابات تشمل مبارياته غير الرسمية.
كل هذا يكفي العيش مع ذكرياته على وقع الإلهام وحده، وحسب اللاعب نفسه، تتلخص نظرته إلى عمله في قوله: "لم أكن رياضيًا قط، لو كنت اتبعت النظام في حياتي، لكنت سجلت أهدافًا أكثر، لكنني لا أعلم ما إذا كنت سأشعر بالسعادة نفسها التي أشعر بها الآن"، ولا شك أنه كان مصيبًا في نظرته تلك، ولكنها بالتأكيد ما كانت لتصلح لأي كان.
**** هل تعلم:
- أن روماريو في أغسطس 2009م، بعد سنة ونصف من الاعتزال، أعلن عودته من أجل الوفاء بوعد كان قد قطعه لوالده المتوفى: هو اللعب مع نادي أمريكا، ذلك النادي الذي كان والده إديفاير يحبه كثيرًا.
- أن الحسابات تقول إن روماريو سجل هدفه الشخصي رقم (1000) في يوم 20 مايو 2007م، وكان ذلك من ركلة جزاء نفذها ضد نادي سبورت دو ريسيفي، في ثاني جولات الدوري البرازيلي ذلك العام.
- أن تجربة روماريو الأخيرة مع فاسكو دا جاما تضمنت مشاركة متميزة كمدير فني، حيث ناب عن سيلسو روث في مباراة ضد نادي أمريكا المكسيكي، فاز بها مع فريقه (1-0)، وشارك فيها بنفسه كمهاجم بديل في الشوط الثاني.
- أن روماريو في 2010، حلّ في المرتبة السادسة من حيث عدد الأصوات التي حصل عليها في ريو دي جانيرو، وسمح له ذلك بدخول مجلس النواب لمدة ولاية تمتد حتى نهاية عام 2014م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى