هشام باشراحيل قبل أن يُصبح مُحاربًا

> آزال مجاهــد:

> تعهدت لنفسي بأن أكتب مرثيتي سنوياً في ذكرى رحيل فقيد عدن بشكل خاص، واليمن عمومًا هشام باشراحيل، وذلك بعد مواراة جسده الثرى، وبعد أن رأيت بأم عيني آثار أفضاله ما زالت ماثلة عليَّ شخصيًا، وعلى كثيرين ممن هم حولي، تمامًا كما سمعت المزيد من الناس يتحدثون عنها أيضًا بأسى وحزن اعتصرنا ويعتصرهم جراء فقداننا وفقدانهم الرجل الإنسان "هشام باشراحيل"، قبل فقداننا لجزًء من تاريخ هذه المدينة.
بعيدًا عن كونه أحد أهم معالم ورموز الإعلام اليمني يظل هشام باشراحيل في نظري ونظر الكثيرين غيري صاحب فلسفة عملية لا يمكنك إلا أن تقدرها بمزيد من الاحترام.. رافق عدن فرافقته البدايات وها هي في نهاياته الآن تحفظه بين ثرى أرضها مرحومًا رفقة بقايا تلك الروح بصوتها المبحوح!
سبق لي أن صورت رحيل هشام باشراحيل في ذكرى وفاته الأولى برحيل (أخيل) العدني الفارس العاشق المسالم قبل أن يكون المحارب الذي أبى أن يترك طروادته محترقة إلا بعد أن أحرق روحه معها.. بعيداً عن كل ذلك يتفق الجميع على أن رحيل باشراحيل كان رحيلًا مهيبًا كما كان حضوره وحضور صحيفته الذي اختزل وما زال يختزل أعوامًا طويلة من المهنية والحكمة.
شخصيًا لا أفضل الخوض بشكل اعتيادي في بعض الأمور التي تلامس جوهر الحياة المعيشية للوطن كما هو المواطن بطريقة أقرب ما تكون للسرد منها للتوضيح خصوصًا إذا ما كانت تلك الأمور ذات تأثير كبير يوازي رغبتنا بتغيير واقعنا الذي كان الفقيد هشام يملؤه بالإلهام لشعورك الذي يعتريك فور تعاملك معه - رحمة الله عليه - بأن عدن لا تنكسر مهما أصابها من وهن ولحقت بها من محن، وبأن القادم أجمل على الرغم من أن هناك بعض ممن سكنوها وأدعوا بأنهم قد أحبوها فملؤوها قبل أن يملأها الغرباء بالظلم وارتكبوا بحقها وبحقوق أبنائها ألف جرم وجرم!.. تلك هي عدن في عيون فارسها الذي اختار أن يترجل في لحظات فارقة من تاريخها، وتاريخ هذا الوطن، وتلكم هي رسالته الحية التي لن تموت.
لا تبدو كل تلك الكلمات التي كتبت "نعياً" وما زالت تفرد لنفسها مساحات إضافية على صدر صفحات كل تلك الصحف تفي بالغرض - على الأقل بالنسبة لي - بمنحها للفقيد هشام باشراحيل حقه كما يجب، ذلك أن عدن وحدها أكثر من غيرها هي من بدت متأثرة ومتناثرة منذ سقوط بطلها في آخر الجولات مغشيًا بتاريخ الـ 16 من شهر يونيو 2012.
أجزم هنا أن غياب «الأيام» وتفرق شعبها بين شعاب (القلاقل) الذي استمر خمس سنوات (منحدرات) تخللها سقوط كبير لأحد أجلّ وجوه الإعلام فيها قد ساهم بشكل مؤثر في منح الجهلاء والدخلاء صكا وطنية (وهمية) يفترضون من خلاله أنهم وحدهم من قدموا التضحيات من أجل هذا الشعب.. وعليه فإن الأخير سيظل مدينا لهم كونهم قد تلقفوا فرصة الظهور ليس للتغيير إلى الأفضل كما يدَّعون وإنما للتضليل والتغرير، فكان أن عشنا خمس سنوات (متخبطات) رغم معرفة الكثيرين ما الذي قدمته عائلة باشراحيل حينما خسرت "هشامها" الأكبر وهي الخسارة التي ليس كمثلها خسارة بالنسبة لها دون شك، إضافة لأمور أخرى لا تقارن بمن رحل.
ظهور صحيفة «الأيام» المتجدد "رباعي الأوجه" يعكس صورة الراحل هشام باشراحيل، بل ويجسد روحه من خلال حضور روح الشقيق تمام (أبو أحلام) منقطعة النظير بالاهتمام، وأرواح الأبناء الأوفياء وفاء العظماء محمد وهاني وباشراحيل هشام باشراحيل أبو "هشام" الأصغر الذي سيكبر ذات يوم حتمًا ليسمع ويستوعب ماذا صنع جَدُه - وهو ما حدث مع الراحل في مراحل شبابه أيضاً - وما صنعته هذه العائلة بصحيفتها وبهشامها الأول لهذه المدينة حتى ارتبطت بهم، وارتبطوا بها هكذا ارتباط (تَطَّير) منه البعض اليوم بعد أن نسي أو تناسى فضلها، وتغير بعضهم الآخر وفق معطيات المصالح الشخصية الضيقة التي أهلكتهم، وأهلكت أباءنا معهم!.
الراحل هشام باشراحيل قبل أن يصبح محارباً كان طفلاً يعشق الحياة.. خطفوا منه الحياة فمات الطفل والمحارب في آن معاً وبقت ذكراه حية فينا لتحييه ولتحيينا من جديد دون أن ننسى.
[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى