كركر جمل

> عبده حسين أحمد:

> رفضت إحدى الفتيات الزواج من (نابليون) عندما كان إمبراطوراً وفي قمة مجده.. وقالت هذه الفتاة: "إنها نظرت إليه من ثقب الباب فوجدته يمسح حذاءه في بنطلونه.. وأنفه في كمّه ويدوس بحذائه ما بصقه على الأرض".. وهذا يعني أنه رجل متخلف حتى ولو كان إمبراطوراً عظيماً.
ولابد أن هذه الفتاة لا قرأت ولا سمعت عنا، ولا تعرف شيئاً عن بلادنا.. فكيف لو عاشت معنا.. ورأت كل شيء عندنا؟ كيف لو رأت رجلاً يشتري القات بأكثر من ألف ريال وثوبه وسخ قد تحّول لونه من أبيض إلى أسود من تزاحم وتراكم الأوساخ عليه، وهو يرفض أن يغسل ثوبه بمائة ريال فقط؟.. وكيف أن بعض الناس يحبون (العلنية) عندنا؟.. فهم يمسحون بأكمامهم أفواههم وأنوفهم في الشارع، وقبل الأكل وبعد الأكل في البيوت، ويبصقون على الأرض في أي وقت وأي مكان، ويتركون بصاقهم كما هو لا يمسحونه بأحذيتهم، ولا يهمهم أن يراه الآخرون أو أن تتقزز منه النفوس.
وكيف يقع الظلم والقهر والحرمان على فئات من الناس، وفئات أخرى تروح وتجيء بحرية مطلقة، وكل شيء فيها منفوخ.. الكروش والأوداج والأرداف والجيوب؟.. فبعد أن كان الظالم (إماماً) كما يقولون أصبح الشعب يعاني ظلماً من نوع جديد، في المأكل والملبس والمسكن والصحة والتعليم.. وكأننا استبدلنا ظلماً قديما بظلم جديد.
وكيف أن بعض العائلات تنام وبطونها خاوية، وتصبح على بطون فارغة وهي لاتستطيع أن تجد الحد الأدنى من لقمة العيش (كدمة أو قرص روتي) لكل فرد في اليوم الواحد؟ وكيف أن هذه العائلات شريفة ترفض وتتأفف من أن تمد يدها لأحد وهي منطوية على نفسها داخل بيوتها قانعة بالستر تطلب الرحمة والفرج من عند الله وحده بمنتهى القناعة والإيمان؟.
وكيف أن الناس أصبحوا غير مقتنعين بالتضحية من أجل أحد؟ فهو لن يضحي أيضاً ولن يساعد أحداً، ولايفهم أن يتعذب الآخرون من الجوع والفقر والحرمان.. فالجوع ليس مشتركاً بين الطرفين.. إنه لطرف واحد فقط.. أما الطرف الآخر فلن يجوع أبداً، ولكن لابأس عنده أن يجوع الآخرون وأن يموتوا من شدة الجوع، المهم ألا يكون هو الخاسر أبداً.
إننا نؤمن تماماً بالمقولة المعروفة (الطعام لكل فم)، ونتمنى لو أنها تترجم إلى واقع ملموس، وإننا نريد أن نشعر (حقيقة) أن الطعام يجب أن يصل إلى كل الأفواه، وليس ضرورياً أن يكون هذا الطعام من كل الأصناف والألوان.. يكفينا لونا واحدا فقط من الطعام.. المهم أن نحس بأننا نمضغ طعاماً، ولابأس ،ن نبتلعه برشفة واحدة من الماء الصافي والنظيف، فليست لدينا أطماع أكثر من ذلك في الطعام، ولانحلم بزجاجات الكوكاكولا ولا ببسي كولا، فقد أصبحت هذه من الكماليات التي لاتطالها أحلامنا.
الفتاة التي رأت (نابليون) من ثقب الباب وهو يمسح حذاءه في بنطلونه وأنفه في كمه ويدوس بحذائه مابصقه على الأرض ثم رفضت الزواج منه.. لو عرفت هذه الفتاة مصيبتنا لهانت مصيبتها عليها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى