عظيم مصابنا فيك يا مرسال

> سالم عمر مسهور:

> يغيب عن حضرموت نجم من نجومها .. يخفت في حضرموت صوت حنينها .. يرحل عنها أستاذ من أساتذتها الكبار والكبار جداً .. مصاب حضرموت في رحيل ابنها كرامة سعيد مرسال لا حدود له، فالراحل عن حضرموت رمز كل ما فيها من طينها، ورملها وبحرها وجبالها، وحداء صوتها.
يوم فقدت حضرموت الشاعر حسين أبوبكر المحضار -يرحمه الله- فقدنا معه كثير من ذلك الذي يربطنا بالأرض والهوية .. الموروث في الكلمة توارى كما توارت نجوم سبقت حداد الكاف وغيره .. الموروث في الكلمة يرادفه موروث اللحن والإيقاع والصوت .. هي سُنة كونية أن تتوالى الأجيال وتتعاقب وهي تنهل من معين موروثها، ومن علاماته الفارقة الصانعة لهذا الموروث الإنساني الباهر.
قد تكون حضرموت دون غيرها في جزيرة العرب ظاهرة في موروثها.. هذا لأنها عاشت في انسجام فريد في ثقافتها وقيمها الخاصة.
عندما جاء محمد جمعة خان باللحن والإيقاع الهندي وجد في حضرموت مكاناً شاغراً كغيرها من ألحان وإيقاعات جاءت من الشرق الأسيوي وكذا الأفريقي .. حضرموت هي الحاضنة لهذا الانسجام الفريد الذي جمع الوطن بالشتات، وبقي في حضرموت قوة الكلمة ورصانتها ولم تنفر من كل هذا التداخل الفريد الذي جعل من حضرموت علامة فارقة تماماً في محيطها، بل ومتقدمة لولا شحة الإمكانيات وقلة الحيلة ..
تخبو في حضرموت هذه النجوم الواحدة تلو الأخرى .. هذه النجوم التي فعلت في الروح ما لم تفعله كآبة الأيام المتوالية .. مع رحيل الأساتذة الكبار في حضرموت تتعاظم فينا حالة الشجن الذاتية .. كذلك فعلها كل الراحلين.. كل في فلكه .. وفلك كرامة مرسال فلك الصوت واللحن والكلمة والإنسان معاً.
يغيب هذا الإنسان بعفويته .. بروحه .. بإطلالته التي جعلته رمزاً إنسانياً سيبقى أبداً خالداً ما دامت حضرموت حية موجودة من ساحلها إلى أطراف صحرائها .. الرمزية التي أختص بها مرسال هي أنه حضرمي في بساطة كل شيء فيه .. هذا هو مرسال الرمز الذي رحل وترك من ورائه ميراثاً لا يحصى ..
(المحبة ولاشيء في المحبة لوم) .. (متيم في الهوى) .. ومنذ ربع قرن (يا ربان السفينة) .. (وبسألك يا عاشور) .. ومئات أغنيات صنعت فينا الحنين للوطن .. الحنين للطين .. الحنين للمكلا وسيؤن .. الحنين لكل ما في حضرموت من شيء، هذا لم يصنعه غير أفذاذ .. أساتذة كبار .. أساتذة عباقرة .. كتبوا وغنوا للأرض وإنسانها معاً؛ لذلك يكون الحزن برحيلهم.. بحجمهم الكبير وبعقبريتهم المتفردة .. رحلوا وتركوا لنا الموروث الذي يحاكي الأشياء التي تعتصرنا كلما تذكرنا الوطن، وكلما تذكرنا أن لنا روحاً فيه تنادينا من خلال صوتهم ولحنهم وكلمتهم ..
أبا صبري .. أسطورة حضرمية ترحل .. روح حضرمية تتوارى .. لن نفي شيئاً ونحن في مقام الحزن على فقدان الأيقونة الحضرمية التي تشمل كل حضرموت .. رحمك الله عدد حبات رمل حضرموت .. ورحمك الله عدد ما طلعت شمس على حضرموت .. ورحمك الله عدد ما غنى الطير في حضرموت .. رحم الله كرامة مرسال .. وعظم الله أجر حضرموت في مصابها .. وإنّا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى