التقاعد بين الراحة والألم

> جلال عبده محسن:

>
جلال عبده محسن
جلال عبده محسن
تعودنا وليس بمستغرب من النظام السابق، الذي جعل من المرحلة الماضية مجالا مستباحا لانتهاك العديد من الأنظمة والنصوص القانونية التي جرى العبث بها، والتعامل معها بانتقائية وعشوائية، رغم تشدقه بالنظام والقانون والديمقراطية والشرعية والعدالة الاجتماعية.. وغيرها من المصطلحات الحضارية والعصرية التي تنقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة، بينما نحن في مؤخرتها، وصدّع رؤوسنا بها لسنوات عدة، ولم نجدها سوى مجرد شعارات رنانة، وفرقعات كالألعاب النارية التي تحلّق عاليا ثم تسقط بسرعة.
ومن تلك الإجراءات المعيقة لعملية الإصلاحات الإدارية التي يجري العبث بها، ما يتعلق بإحالة الموظف للتقاعد، فإذا كانت الوظيفة العامة بمثابة الرضا الأساسي الذي يسعى إليه الإنسان في حياته كمصدر لرزقه وسعادته في الحياة، فإن التقاعد هو نهاية المدة القانونية للحياة المهنية، والمرحلة الطبيعية التي يتوقف فيها الموظف عن ذلك العمل بموجب الأنظمة والقوانين المنظمة لذلك، كما هو في القانون اليمني عند بلوغ الموظف أحد الأجلين، إما بالسن المحددة ب) 60 ( عاما أو خدمة (35) عاما بأيهما أسبق، إلا أننا نجد البعض ممن تعدّى أحد الأجلين أو الأجلين معا، وهو لا يزال في الوظيفة العامة، بل ويتشبث بها، مما جعلها مجالا خصبا للأطماع والتكسب اللا شرعي لمثل هؤلاء، حرم معها الكثير من الكوادر الكفؤة والقادرة لشغل تلك الوظائف، وهو الوضع الذي يعد حجر عثرة أمام الموظفين الجدد من فئة الشباب، ومن يعول عليهم في مواصلة المشوار كسنة من سنن الحياة.
ونتيجة لحالة التراخي في تطبيق القانون، فإن ردة الفعل مع بلوغ الموظف للتقاعد تختلف من شخص لآخر تبعا لأمور كثيرة منها، الحالة الصحية للموظف، ومغريات الوظيفة، وكذا ارتفاع الراتب أو انخفاضه.
ويمكن هنا تصنيف الأمر ومن وجهة نظري ضمن حالات ثلاث: الأولى منها، حالة من يتقلدون الوظائف القيادية والعليا وذات السمعة والسلطان، والمستفيدون من بقائهم فيها، فكثيرون من هؤلاء ينظرون إلى التقاعد كونه مشكلة حقيقية بالنسبة لهم، فوجاهة الوظيفة ومغرياتها من الامتيازات والمخصصات والنثريات وصلاحيات التعيينات للأبناء والأقارب ومن لف حولهم، هي من تغريهم بالتمسك بكرسي الوظيفة وتمنعهم من تركها، وتساعدهم في ذلك مراكزهم الاجتماعية.
والحالة الثانية، وهم من يرون في بقائهم بالوظيفة أفضل بكثير من إحالتهم للتقاعد، ليس حبا في العمل، وإنما لضمان استمرارية العلاوات والبدلات والحوافز وغيرها من المستحقات المالية التي يستلمونها، وإنهم سيفقدون كل ذلك لمجرد إحالتهم للتقاعد كونها لا تدخل ضمن الراتب الأساسي وغير محتسبة للتقاعد. أما الحالة الثالثة، فهم من يشعرون بأن فترة بقائهم في الوظيفة بعد تجاوزهم الحد القانوني للتقاعد أمر لا مبرر له، بل ويجدون في إحالتهم للتقاعد راحة بعد طول عناء، علاوة على استرجاع جزء من المبالغ المالية التي كانت تذهب كمساهمة الموظف في قسط التقاعد، ورسوم ضرائب كسب العمل، وإن التعقيدات في إجراءات التقاعد، لاسيما ممن يشترط فيهم حالة التقاعد الجماعي هي من تساعد في عملية تأخيرهم.
وخلاصة الحالات الثلاث أن حالة التراخي، وعدم الجدية والحزم الصارم في تطبيق القانون، وعدم سلاسة الإجراءات وتعقيداتها، وعدم تسوية بعض المستحقات المالية والمحفزة لعملية التقاعد هي من تساعد على بقاء الوضع كما هو عليه آلان، وإذا كان هذا الوضع قد ظل خلال الفترة الماضية في إطار التسيب الإداري والقانوني، فإن الواقع الجديد والمتغير لا يسمح بالتساهل والتراخي في ذلك، والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى