شكيب جُمن .. بين الريشة والقوس

> صالح حنش

> عشرة أعوام وثلاثة، منذ أن رحل الفنان الموسيقي والتشكيلي (شكيب جُمّن) عن دنيانا الفانية، بعد صراع مرير مع المرض، قضى معظم سنوات عمره ناسكاً زاهداً في محراب الفن، مثابراً في أداء رسالته الإنسانية والمجتمعية السامية والمقدسة، متسماً طيلة حياته ومشواره الفني بنكران الذات، تارة مع الريشة في المرسم، وأخرى في قوس الكمان، وبينهما مشوار حافل بالعطاء الزاخر والمثمر، وعلى الرغم من قصر زمنه (العمري) إلا أنه تمكن من الارتقاء إلى مصاف أعلام الفن الغنائي والموسيقي والأعلام التشكيليين في القرن العشرين!.
ففي سن مبكرة من حياته بدأت تتفتح براعم موهبته الفنية، ويروي أحد أقرانه ممن عايشوه وزاملوه (طفلاً) في منطقة نشأته (حافة العيدروس)، كود الحشيش، حارة القاضي بكريتر، يروى عن شكيب ميله إلى التعاطي مع الفنون التي عشقها منذ طفولته وممارسته لها بعفوية الأطفال، حتى في ألعابه، وربما كانت بدانة جسمه المعيق له في ممارسة العديد من ألعاب الأطفال التي تعتمد على الحركة العامل الأساسي في التوجه إلى الرسم والموسيقى لإشباع احتياجاته الروحية والوجدانية، ساعده في ذلك طبيعة الظروف والأوضاع التي كانت تعيشها عدن من نشاطات وفعاليات ثقافية وفنية في إطارها العام كمدينة، وكذلك في إطار كريتر وفي محيط السكن أو محيط المدرسة، فقد التحق شكيب جمن بالمدرسة (الابتدائية) في فترة إدخال مادة التربية الموسيقية في المقررات الدراسية وازدهار الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية في المدارس (الأنشطة اللا صفية)، التي وفرت إمكانية تنمية موهبته وتطوير قدراته الفنية بتوجيه ورعاية معلميه الأفذاذ، ولعل أولهم وفي مقدمتهم المربي الجليل والموسيقار الخالد الأستاذ يحيى مكي.
من مظاهر عشق شكيب جمن - الجنوني - للفن والموسيقى ومنذ طفولته عندما كان طالباً أن آلته الموسيقية (الموليد يكا) لم تكن تفارق حقيبته المدرسية، مستثمراً أية فرصة للعزف عليها حتى في فترة الاستراحة بين الحصص الدراسية.
شخصياً تعرفت على شكيب جمن الطالب في المدرسة الإعدادية (المتوسطة) المجاورة لمدرستنا الابتدائية (المرسابة) عندما كان يحضر إلى مدرستنا - عصراً ـ بعد الدوام بزيه المدرسي، للمشاركة في الأنشطة المدرسية ومساعدة الأستاذ شكيب عوض والأستاذ وديع هائل في الإشراف والتوجيه والتدريب على الأعمال الفنية وله دور معهما ومع إدارة المدرسة في تأسيس فرقة موسيقية مدرسية أسميناها فرقة (اللوتس الموسيقية) كما كان له الدور في تأسيس الفرق الموسيقية المدرسية وفرق الأطفال وحتى الفرق الأهلية في ستينيات القرن المنصرم مثل فرقة (البراعم)، فرقة (الزهور)، فرقة (الأنامل الذهبية).
هناك محطة أخرى جمعتني - شخصياً - بالفنان شكيب جمن في البيئة الفنية والمحيط الفني في عام 1973م، في مقر فرقة المسرح الحديث بكريتر أثناء الاستعدادات والتحضيرات للمهرجان المسرحي الأول، وكانت مهمته الإشراف والتنفيذ لأعمال الديكور والإضاءة للأعمال المسرحية المشاركة للفرقة، ووضع الموسيقى التصويرية والمقطوعات المصاحبة للعمل، وهي محطة تمكنت فيها من التعرف على شكيب جمن الفنان المبدع المتميز بقدرة فائقة كفنان تشكيلي ومصمم ديكور مسرح، وفي تحويل السكون إلى حركة وتحويل الصمت إلى صوت بصدى وبدونه، وبما هو متوفر من إمكانيات وخامات، وفي هذا السياق أتذكر أن أحد الأعمال المسرحية المشاركة في المهرجان لفرقة المسرح الحديث يتطلب الديكور وجود صخرة على الخشبة، حسب رؤية المخرج الأستاذ محمود أربد، وعندما طرح الموضوع الفنان شكيب جمن طلب كمية من قطع الفلين الأبيض المستخدم في تغليف وحماية الأجهزة الكهربائية والإليكترونية كالثلاجات والمسجلات، وغيرها، وعمل منها إكسسوارا لصخرة مقاربة من حيث الشكل بعد طلائها، خفيفة الوزن كبيرة الحجم، يسهل حملها ونقلها.
ولا أنسى أو أهمل محطة غير مباشرة تعرفت فيها على شخصية شكيب جمن الفنان المبدع المثقف، ألا وهي محطة تلفزيون (عدن) وخصوصاً ضمن طاقم برنامج الأطفال، في الإعداد والتقديم والديكور، وهي الفترة التي شهدت فيها برامج الأطفال أوج ازدهارها في تاريخ تلفزيون (عدن) ومنها تخرج العديد من المواهب من الأطفال في شتى مجالات الفنون، أصبح البعض منهم - اليوم - نجوماً لامعين، منهم شقيقه الموسيقي (عارف) والتشكيلي رسام الكاريكاتير الأول (عدنان) كنموذج للجيل الذي تخرج من مدرسة شكيب الفنية، ثم تلاهما نجله أحمد شكيب، وحسبي أنه قد خلد اسمه قبل رحيله في أغسطس 1991م فيما تركه من إرث إبداعي لم يبخل به على تلامذته وورثته الشرعيين والفنيين، وهو في تقديري أكثر دلالة وأثمر فائدة من مجرد إطلاق اسمه على استوديو من استوديوهات تلفزيون (عدن).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى