الجابري_القاسمي ..ثنائية أخرى

> صالح حنش:

> الثنائية اصطلاح شائع في الوسط الفني، يستخدم للدلالة على المستوى المتطور للعلاقة بين طرفيها في إطار العمل الفني المشترك والمثمر، وعلى صعيد الواقع تؤخذ الساحة الغنائية بالعديد من الثنائيات التي أسهمت إسهاما فاعلا في تطور وازدهار الحركة الفنية الإبداعية، كما أن بعضها اتسم بالتنوع عند بعض أطرافها وشخصياتها، ولعل الموسيقار (أحمد قاسم) من بين أبرز وأشهر المبدعين في هذا المجال تعددا وتنوعا في الثنائيات عموما، ومع شعراء وكتاب النص الغنائي، ومن بينهم - على سبيل المثال - الشاعر أحمد الجابري الثنائية التي لها خصوصياتها وظروفها، كسواها من الثنائيات.
إن ثنائية (الجابري - القاسمي) الغنائية تكتسب أهميتها التاريخية والإبداعية بمقدار ومقياس ما قدمته من عطاءات على صعيد الخاص والعام.. وربما ظرافة الصدفة التي أسست لها وجمتعهما في أحضان القاهرة بمصر خمسينيات القرن الماضي، على هامش الابتعاث للدراسة، الجابري طالب الاقتصاد والقاسمي طالب معهد الموسيقى، فكانت البداية غنائيتي (المي والرملة) و(يا مركب البندر)، والبواية التي دخل منها الشاعر أحمد الجابري إلى مجال الأغنية وتأليف النص الغنائي بعد أن كان نتاجه الشعري مقتصرا على القصيدة التقليدية الفصيحة، وفتحت له قنوات التعامل والعمل المشترك مع نخبة متميزة من الملحنين.
أحمد الجابري و أحمد قاسم
أحمد الجابري و أحمد قاسم

هناك ما يربو على (20) نصا غنائيا هي خلاصة ثنائية (الجابري - القاسمي) كنتيجة عددية لهذه الثنائية، إلى جانب نتائجها النوعية، أبرزها ما تكون - في ثناياها- من ثنائيات للجابري في ذات الفترة الزمنية وبنفس المستوى مع المرشدي، أيوب طارش وعبدالرب إدريس، وثنائيات أخرى للقاسمي مع شعراء آخرين.
إن الثنائية لا تعني بالضرورة التقيد بمصدر واحد وفريد من مصادر التأليف الغنائي، كما يعتقد ويتصور البعض، بل إن ذلك ربما يكون عائقاً ومعرقلاً للتطور والتنوع، ولعله أحد أسباب التكرار الممل الدافع نحو النفور وضعف القاعدة الجماهيرية، وإلى التغييب للتباري التنافسي، والسعي نحو تقديم الأفضل والأحسن شكلا ومضمونا، والذي يعتبره الكثير من الباحثين والمهتمين والنقاد أحد أسباب الجفاف وهبوط مستوى العطاء في المنتوج الفني اليوم.
لقد أنتجت تلك الفترة التي أطلق عليها (العصر الذهبي) للأغنية شكلا جديدا من العلاقة بين أطراف العمل الفني المشترك، وهو الشكل الذي أطلقت عليه ـ شخصيا ومجازا ـ تسمية (الثلاثيات)، ومن نماذجها غنائية (مش مصدق)، الكلمات (لطفي أمان) واللحن مرة (القاسمي) وأخرى (المرشدي)، وثلاثية أخرى هي (غصب عني) (الجابري - القاسمي - الزيدي). عن رأيه في اللحنين المقدمين لـ(غصب عني) سئل الشاعر (الجابري) ضمن حوار إذاعي من إذاعة عدن أكتوبر 2008م، فأجاب قائلا: “إن الزيدي في لحنه حقق رغبتي وأمنيتي في اللحن الذي أردته شخصيا، أما أحمد قاسم فقدم لحنا تعامل فيه مع النص وكلماته فقط بصفة مجردة وبصرف النظر عن شخصية وهوية مؤلف النص”.
بالمناسبة سألني أحد الأصدقاء في جلسة من جلساتنا الثقافية (الأسبوعية) في الملتقى الثقافي بخور مكسر، وعلى هامش حوار في هذا السياق وتعليقا على تسمية (الثلاثيات)، سأل هذا الصديق عن توقعاتي المستقبلية بظهور شكل جديد من العلاقة يمكن أن يطلق عليه (الرباعيات) بإشراك الصوت المؤدي المطرب، كطرف رابع، فكان ردي باختصار هذا وغيره ممكن، بشرط توفر الإرادة وتصحيح الاختلال الناتج عما تعرضت له حركتنا الثقافية والفنية في العقود الماضية. وهذه مهمة ومسئولية أصحاب الشأن وأهل الفن وذوي العلاقة والمهتمين، وما عليهم إلا التوجه نحو الخطوة الأولى بتجاوز حالة التغني بالماضي والتباكي على ما مضى، تحت شعار (إيقاد شمعة خير من لعن الظلام).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى