سيـــادة القانـــون مطـــلبنا

> محمد سعيد عبداللة محسن

> القانون وضع لتحمي الدولة الإنسان من أخيه الإنسان وتحمي من خلاله مصالح وحقوق الناس، تصون الملكية الشخصية والخاصة والعامة، بالقانون وحده تترسخ العدالة وتثبت الحقوق.. وبالقانون تبنى الأنظمة السياسية، وبالقانون يقضى على أية مظاهر كالفساد والإفساد والثأر أو غيرها..بالقانون تنفذ خطط التنمية والموازنة العامة للدولة. وبالقانون تصان القيم وتسود الرحمة والعدل والحقوق المتساوية. فالدستور كما هو معروف في كل بلدان العالم وكما يعرفه السياسيون وفقهاء القانون هو عقد اجتماعي وأساس بين الدولة ومواطنيها وهو أساس ومصدر القوانين والتشريعات ومرجع للجميع.
**ترسيخ ثقافة القانون**
تنفيذ الدستور والقانون يتطلب ثقافة قانونية عامة في المدارس والجامعات ومن قبل أجهزة الأعلام، من توكل لهم مهمة التنفيذ ينبغي أن يتمتعوا بقيم واستقلالية ونزاهة وإخلاص ويكونوا مؤهلين تأهيلا مهنيا وعلميا عاليا، وعلى وجه الخصوص السلطات الثلاث، وفي المقدمة القضاة والعاملين في السلطة القضائية والنيابة العامة وأجهزة الضبط باعتبار أن القضاء هو المرجع الأول والأخير للمواطن.. كما أن أجهزة الأمن والبحث والتحري والسلطات المحلية ينبغي أن تكون مستوعبة للدستور والقانون ومتقيدة به.. فالمواطن عندما يشعر أن القانون فوق رأسه، له وعليه.. وليس فيه صغير أو كبير ولا مكان فيه للوساطة والمحسوبية، أو النفوذ أو القوة أو المال لا يمكن له سوى التقيد والامتثال للقانون، لا يمكن له أن يتهرب من دفع الضرائب والرسوم أو الفواتير التي عليه للدولة كما هو الحال حاليا أو قيادة سيارة بدون ترخيص أو بدون رقم أو ملكية.. ولا يمكن له أن يمد يده إلى المال العام أو يفرض شيئا مخالفا للقانون، أو أن يرتشي أو أن يسرق، أو يهرب المشتقات النفطية أو المتاجرة بالممنوعات وتهريب الأسلحة والمتفجرات والبشر أو يخالف نظام المرور أو يترصد لغريمه فيثأر منه، أو أن يسطو على منزل أو قطعة أرض أو أي شيء لغيره بالقوة أو يستغل السلطة والنفوذ .. ولا يمكن له أن يحمل سلاحا غير مرخص له مهما كان مركزه، لأنه يرى القانون دائما أمامه وفوق رأسه. عندما يغيب القانون تسقط هيبة ومكانة الدولة وتحل محلها العصابات وفرق التخريب والتهريب والخصومات والثارات والصراعات على النفوذ والمصالح.
**غياب دولة القانون**
ما يحدث اليوم من تمرد على الدولة، من عدم دفع الضرائب ومواجهتها بالسلاح هو انعكاس لغياب الدولة على أرض الواقع، هذاالغياب كلنا يعرف أنه ترسخ بفعل المصالح التي نشأت لدى قوى متعددة واسعة خلال 35 سنة أبقت البلد بلا دولة، ونتيجة للتحالفات غير المبدئية وغير الأخلاقية نبشت كل جيف ونتانة ومخلفات الماضي، ووظفتها مثلما أحيت العصبية القبلية والمذهبية والسلالية، وشمال جنوب، وغرست ثقافة الكراهية بين المواطنين.
إن تطبيق سيادة القانون يعتبر جوهر وأساس الدولة، ومن دون تطبيقه على الكبير قبل الإنسان العادي لايمكن لليمن أن تشهد استقرارا.
إن الخسائر البشرية والدماء التي تتساقط كل يوم بفعل التهاون والتلاعب وعدم تطبيق القانون والصراع على المصالح، “فأصغر الشرر يشعل النار” كما يقول المثل، مثلا هل كان يمكن أن تحدث أزمة وحرب عام 1994م لو طبقت اتفاقية الوحدة وتم العمل بدستورها وبالقوانين والقرارات التي أقرت من قبل مجلس الرئاسة ومجلس النواب ومجلس الوزراء وتصرف الجميع كشركاء في بناء الوطن لا مشاركين ملحقين لأن ثقافة الشراكة ليس لها مكان في عقولهم ولا يقبلون بها فحدث الغدر وكانت الحرب فخسرت البلاد آلاف الشهداء والجرحى وعشرات المليارات بكل ما تركتها من نتائج وآثار سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ونفسية وثقافة الكراهية، وهل كانت الحروب الستة التي دارت في صعدة وفقدت اليمن آلاف القتلى والجرحى ستحدث لو أحسن من بيدهم القرار وأداروا حوارا بعقل مفتوح بعيدا عن التكبر والمكابرة والغرور الذي يكررونه اليوم، وهل كان سيحدث تعليق للعلاقة بين حلفاء حرب صيف 94م المؤتمر والإصلاح عام 2007م وحدوث توتر نتيجة الصراع على السلطة والثروة وتوسع الخلاف ما أوصل الأوضاع الى ما وصلت إليه، لننظر كيف كانت الأوضاع في الأشهر الأولى من عام 1990م وكيف هي اليوم؟.
التحالفات غير المبدئية وشعارات التكفير والتخوين وسياسة الضم والإقصاء والتهميش والاستحواذ على السلطة والثروة والوظيفة العامة أوصلت اليمن لتكون رهينة تحت الوصاية تصفى الحسابات على أرضها وبدم أبنائها.
**أبرز المعضلات**
نحن اليوم أمام معضلات رئيسية نعانيها كشعب ووطن منذ زمن، نتيجة لأن الدستور والقانون وضع تحت الأقدام من قبل السلطات الثلاث لأن بناء الأجهزة والمؤسسات فصلت على مقاس الحاكم ليكون هو الدستور والقانون وهو السلطة، وأدى ذلك إلى ما نحن فيه اليوم، أبرز هذه المعضلات التي تجعل الدولة ضعيفة والقانون غائبا ومدجنا ليحل محله قانون القوة والعرف هو الصراع الداخلي الدائم في اليمن نتيجة لعوامل وأسباب عدة لعل أبرزها الفقر والتخلف، وانتشار السلاح بمختلف أنواعه المتوسط والثقيل والمتفجرات والقنابل خارج يد وسيطرة الدولة وبيد مواطنين ومليشيات قبلية وأحزاب وتنظيمات وشيوخ قبائل، وغياب الاستقرار الأمني والسياسي والتهريب للأسلحة والمتفجرات والممنوعات المختلفة، وتفشي ثقافة الفساد والإفساد وتوسع القاعدة التي تسرح وتمرح على طول اليمن وعرضها.
**الوحدة الوطنية**
هذه المعضلات حلها يتطلب ضرورة تكاتف الجهود لوحدة وطنية صحيحة وصادقة أساسها الشراكة الوطنية فعليا، من خلال إرادة سياسية فعالة وحشد كافة الأحزاب والقوى المختلفة وتركيز كل همها وجهودها لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بما يضمن سرعة إنجاز القضايا الرئيسية وفي المقدمة الدستور. وضمان انتخابات حرة وشفافة ونزيهة.
ويجب بناء أجهزة تنفيذية تلتزم وتحترم القانون، وحكومة كفاءات صارمة وموحدة ترعى مصالح المواطنين وتتابع حقوق الشعب والدولة من الكبير قبل الصغير، وقضاء عادل وصارم لمتابعة ذلك تحت إشراف ومتابعة ورقابة رئاسة الجمهورية والحكومة والسلطة التشريعية المنتخبة، إلى جانب الأجهزة الرسمية من جيش وأمن ومخابرات وتكاتف وتضامن ودعم شعبي، خاصة أن ثقافة الفساد وقانون القوة وتدهور القيم ترسخت وهيمنت على الواقع في كل هيئات ومؤسسات السلطة. مع ضرورة الإسراع بتطبيق نظام البصمة وفتح الخدمة الوطنية والتجنيد الإجباري.
**حشد الشارع**
ينبغي أن تكون هناك حركة جماهيرية شعبية واسعة في الريف والمدن مدعومة من الدولة تقودها الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية والمثقفين والكتاب والصحفيين والسلطات المحلية وكل إنسان مؤمن بأمن واستقرار الوطن والمواطن وبدولة النظام والقانون، فتكون المهمة متابعة تسليم السلاح الثقيل والمتوسط والمتفجرات والقنابل إلى الدولة خلال فترة زمنية محددة مع منح المكافآت المجزية من قبل الدولة لكل من يبادر ويساعد في إنجاز ذلك.
إن جوهر ونهج الخيار الديمقراطي السلمي والتداول السلمي للسلطة أن تجرى انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسة بلا سلاح وتكون الدولة هي وحدها فقط من يملك السلاح. مع ضرورة وضع المواطن بالصورة أولا بأول، وإجراء صلح عام لمدة خمس سنوات بين القبائل على طريق حل قضايا الثارات بين القبائل.
ترشيد الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي والحزبي، ينبغي الوقوف أمامه لكي يلعب دورا وطنيا ومشخصا وناقدا وموجها بشكل موضوعي ويسهم في تنفيذ المخرجات من خلال خطة وآلية إعلامية يشترك في وضعها الإعلاميون والأدباء والمثقفون ويتوافق عليها الجميع وأن تكون السياسة والخطاب السياسي والإعلامي توحيديا وموحدا حول القضايا المتعلقة بحياة اليمنيين وبناء مستقبل دولتهم ووطنهم.
اليمن لا يمكن أن يستقر ولا يمكن أن تتوفر فيه البيئة السياسية والتنموية والسلم الاجتماعي وفرص الاستثمار أو يحترمها الغير طالما بقي الاستقرار غائبا والدستور والقانون مدجنا وظل السلاح منتشرا على طول البلاد وعرضها والتهريب (عيني عينك)، وطالما ظل الفساد مرشدا ودليلا ولا وجود لدولة القانون إلا على المواطن البسيط ولا وجود لقضاء عادل فعليا إلا ما ندر.
فقانون القوة والسلاح هو النافذ والمتنفذ والسائد، يرافق كل ذلك مشكلات عدة: بطالة وقات ومخدرات وحبوب بأنواعها المختلفة وفقر وتهريب وخدمات سيئة وصراع على السلطة وتوظيف كل ذلك لتصفية حسابات من خلال حروب متواصلة يتبناها أصحاب المصالح داخل وطننا بالنيابة ولصالح أطراف خارجية.. إلخ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى