وإنا على فراقك لمحزونون أيها الشاعر الوطني عمر نسير

> محمد الحاج سالم

> كان يوم السبت الماضي 13 سبتمبر 2014م يوماً حزيناً على قلوب أبناء محافظة أبين والمحافظات الجنوبية خاصة واليمن عامة، حين غيب الموت واحدا من القامات الشعرية الوطنية اليمنية، وعلى حين غرة، ها هو القدر الإلهي الرباني يقبض روح الحاج الشاعر المناضل عمر عبدالله نسير إلى بارئها.. وقد توفي المرحوم ابن نسير صباح يوم السبت الماضي في مستشفى الرازي بمدينة جعار م/أبين عن عمر ناهز الثمانين عاماً بعد صراع مرير مع المرض لأكثر من ست سنوات.
وكانت حياة المرحوم الشاعر عمر عبدالله نسير حافلة بالنضال الوطني والثقافة الوطنية والقيم الإنسانية، وفي شبابه مارس مهنة بيع الأسماك، متنقلا مشيا على الأقدام بين قرى وأودية بنا وحسان، حيث كان يتجمع المزارعون والرعاة على ضفتهما، ثم التحق عاملاً في الحقل التربوي، وكان شاعراً غنائياً ووطنياً يشار إليه بالبنان وتتهافت على إنتاجه الشعري الغنائي والسياسي والعاطفي الأنفس قبل القلوب..ذلك النتاج الشعري الذي ظل يردده الناس سنوات طوال ولم يمحَ من ذاكرة الأجيال على الإطلاق، لأنه يعبر عن معاناة الناس وآلامهم وهمومهم وعن طموحاتهم، ولم يكن في يوم من الأيام شعراً رخيصاً (يطبل) للطغاة أو الفاسدين أو لمن يعيشون على حساب قوت الفقراء والمعدمين، وكان شاعراً تزلزل كلماته عروش المستعمرين وأعوانهم.
بدأ كتابة الشعر وهو في سن صغيرة، وسطر (بن نسير) رصيدا هائلا من القصائد الوطنية التحررية والعاطفية التي غناها عشرات كبار الفنانين في بلادنا، وكان من أبرزها الأغنية الشهيرة الوطنية (برع ياستعمار .. من أرض الأحرار )، وذلك خلال مرحلة حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني، وأغنية (يا رب من له حبيب، ودعتك، مر طيفك، بالله أعطني من دهلك سبولة، وجاني جوابك يا حبيبي جاني لما استلمته فرحت)، وغيرها من الأغاني التي لا يتسع هذا الحيز لذكرها، والتي ما يزال السواد الأعظم من الناس يرددها في مختلف المناسبات.
ورغم عطائه الغنائي الشعري الوطني لم يلق ما كان يفترض أن يقدم له من الرعاية والاهتمام مؤخراً حين داهمه هذا المرض العضال الذي عانى منه لسنوات ودخوله قسم الإنعاش بالعناية المركزة في مستشفى الرازي أبين باستثناء بعض الخيرين من قيادات المحافظة والمهتمين بالأدب والفن والغناء والإعلام والثقافة ممن زاروه أو اتصلوا وتواصلوا مع جهات الاختصاص ونشروا مناشدات لإنقاذ حياته التي كان القدر أسرع لاختطاف روحه الطاهرة إلى بارئها، نسأل الله تعالى أن يكون في برحمته وغفرانه مع الشهداء والصديقين في جنات العلى.
وفي مطلع عام 2010م تم تكريمه من قبل منتدى الوحدة في أبين بمبادرة من قبل كاتب هذه السطور في حفل أقيم خصيصا لهذا التكريم، وكان بحضور الأستاذ محمد علي سالم الشدادي نائب رئيس مجلس النواب، جرى ذلك في إطار النشاط الإنساني والاجتماعي للمنتدى، فهناك عشرات من الأدباء والفنانين والتربويين القدامى والإعلاميين ومناضلي مرحلة حرب التحرير تم تكريمهم، وهناك العشرات من المرضى الذين نقلوا إلى صنعاء والأردن للعلاج.
في مطلع العام 2011م وتحديداً في فبراير تدهورت الحالة الصحية لفقيدنا الكبير ونقل إلى مستشفى الرازي، وكان يعاني ـ رحمة الله عليه ـ من متاعب في القلب.. عندها علمنا من الأخ عيدروس نسير (ابن الفقيد) الذي سلم لنا الأوليات التشخيصية للفقيد، وجهنا استغاثة عاجلة لفخامة الأخ عبدربه منصور هادي نائب الرئيس في ذلك الوقت.. عندها تدخل الأخ عبدربه منصور هادي حينها بناء على الاستغاثة من منتدى الوحدة في أبين وأرسله للعلاج إلى جمهورية مصر العربية بدعم سخي من الإنسان الرئيس عبدربه منصور هادي، وقبل سفره إلى القاهرة التقيته بحضور ولده عيدروس ودار بيننا حوار قصير، لكن هذا الحوار له أبعاد رائعة كشفت عن عظمة الصفات النضالية والوطنية لفقيدنا.. ماذا دار بيننا ؟.. قلت له ياعم عمر: لقد كتبت شعراً عن الزعيم جمال عبدالناصر نهاية العام 1959م.. أجاب: نعم، فقلت له: إن شاء الله بعد العلاج في القاهرة اذهب إلى منشية البكري وزر قبر عبدالناصر
وادخل مسجده الملحق بالقبر واقرأ له الفاتحة!!.
وبعد يومين من سفره القاهرة تلقيت مكالمة هاتفية من الابن البار بوالده عيدروس نسير) من القاهرة، قال إن والدي يسلم عليك ويشكرك، فقد ذهبنا سويا أنا ووالدي في نفس يوم وصولنا القاهرة ولم يبال والدي بحالته الصحية، فقد زرنا قبر جمال عبدالناصر وصلينا في مسجده وقرأنا له الفاتحة.. ما أعظمك أيها الفقيد العزيز وما أروع وفاءك وما أجمل مسيرتك العطرة.
الفقيد نسير من مواليد عام 1932م بزنجبار عاصمة محافظة أبين، وكان من أوائل المؤسسين لاتحاد الأدباء والكتاب بأبين، وله من الأبناء ثلاثة وبنت وأكبرهم محمد.. رحم الله الفقيد المناضل الوطني الشاعر الغنائي المجيد عمر نسير وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه ومحبيه وزملائه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى