ثــروة عــدن السمكــية تستنزفها الشبــاك (الإســرائيــليــة) وتعبث بها السـفن الكــبيرة

> تحقيق/ جمال الدين عمر

> يواجه الصيادون في عدة مناطق ومواقع ساحلية في محافظة عـدن جانبا من الصعوبات التي أصبحت تمثل تهديدا مباشرا على حياتهم ومصدر رزقهم.. واليوم نجدهم يخرجون عن صمتهم للتحدث عن جانب من المعاناة التي تواجههم في عرض البحر، ولم يجدوا لها آذانا صاغية من السلطات الرسمية في إطار المحافظة.
وللتعرف عن كثب على جانب من مشكلات الصيادين في عدن، قامت «الأيام» بزيارة ميدانية لعدد من القرى والمواقع الساحلية، وتحدثت مع الصيادين البسطاء حول أكثر ما يتعرضون له من تحديات ومعاناة.
كانت محطتنا الأولى في خليج (رامبو) بمدينة التواهي كونها تعد موقعاً معروفا لصيادي السمك وتحتضن مقر ورصيف خفر السواحل في عدن، وهناك التقينا بالحاج ياسين بن ياسين عبدالغني، وهو صياد يمارس المهنة منذ أكثر من نصف قرن.
يفيد الحاج ياسين بأن ليست هناك مضايقات مباشرة يتعرض لها الصياد من قبل جنود خفر السواحل، وقال: “نحنُ نمارس أعمالنا البحرية كالمعتاد، إلا إذا تجاوز أحد الصيادين بقاربه الخطوط الحمراء المعروفة لدينا منذ سنين، منها محيط دار الرئاسة أو تجاوز نقطة (فنار) رأس مربط التي تعتبر مدخل الميناء، أو حاول الاقتراب من أحد الأرصفة بقصد أو دون قصد فإنه سوف يمنع من قبل خفر السواحل”.
وفي مرفأ صيادي السمك بمنطقة جولد مور (الدبلوماسي) قابلنا صياداً آخر من ذوي الخبرة يدعى العم محمود محمد سالم الذي أكد ما أشار إليه الحاج عبدالغني، وقال: “أعمل في مهنة الصيد منذ حوالي 42 عاماً، ولم أسمع أن صياداً تعرض لمضايقات خفر السواحل إذا لم يتعد الحدود”، معتبراً أن “بعض ما يشاع عن تعرض الصيادين لمضايقات كثيرة في عرض البحر محض وافتراء يروجها مهربو الممنوعات والمحرمات”، حد قوله.
**الشباك الإسرائيلية تقتل الأحياء البحرية**
وفي منطقة قرية (الخيصة) الساحلية بمديرية البريقة التقينا بعدد من صيادي المنطقة الذين تحدثوا عن جانب من معاناتهم، وقال كل من الحاج سعيد محمد والشاب علي مسعود: “قبل 8 أشهر نفذت بعض الإجراءات الصارمة ضد كل قارب صيد يمارس أسلوب الاصطياد الجائر، أو يقوم باستخدام الشباك المحظورة مثل الشباك (الإسرائيلية) التي تم حضرها واستخدامها دولياً، لما لها من تأثيرات سلبية على الحياة البيئة، فهي صنعت بطريقة مزدوجة النسيج ولها فتحات صغيرة جداً تجرف كل شيء يمر بجانبها وتقتل كل ما يلتصق بها، بالإضافة إلى وجود شباك جرف لها نفس وظيفة الشباك (الإسرائيلية)”.
في قرية (خليج) الصيادين بمديرية صيرة، كان لنا لقاءات مع عدد من صيادي المنطقة الذين عبروا عن مخاوفهم الصريحة حيال ما تشكله الشباك “الإسرائيلية” من خطر على المياه والشواطئ المحلية.
‎كمية الأسماك في تقلص مستمر
‎كمية الأسماك في تقلص مستمر
**تقلص كمية الأسماك**
قال لــ«الأيام» العديد من الصيادين الذين التقينا بهم في عدد من القرى الساحلية في عدن إنه “توجد أنواع غريبة من شباك الصيد التقليدية والمتطورة تعمل على جرف كل ما هو عائم في الماء بينها كائنات وأسماك صغيرة يحظر اصطيادها، وتقوم هذه الشباك بدور “المكنسة الكهربائية” بشفط كل الأسماك واليرقات والبيوض والحيد المرجاني الذي يعد المرعى الأساسي لهذه الكائنات، ومنبع الحياة البحرية”.
ويتحدث الصياد هاني عبدالله: “كنا نصطاد منذ سنين في مياه “خليج عدن” ولم نواجه صعوبات مثل التي أصبحنا نواجهها اليوم”، مضيفاً: “بالأمس كانت عملية الاصطياد تتم بصورة عادية وسهلة ولم نكن نشكو من إشكاليات وصعوبات لأننا كنا ملتزمين بالقوانين وبقواعد الصيد، ولا نتجاوز النقاط والمناطق المحظور الاقتراب منها”.
ويواصل: “لكن اليوم أصبح بعض الصيادين يجتازون الخطوط الحمراء بحثاً على الأسماك والرزق، والسبب في ذلك يعود إلى تلاشي الحيد المرجاني وتقلص كمية الأسماك في مياه محيط خليج عدن، إثر أعمال الصيد الجائرة التي توسع نشاطها خلال السنوات الأخيرة ومخالفة الكثير من الصيادين التعليمات المطالبة بالحفاظ على الثروة السمكية ومنع استخدام الشباك الممنوع مثل الشباك “الإسرائيلي”.
**سفن المتنفذين تلوث البيئة**
معاناة الصيد في غياهب البحر لا تقل عن معاناة التحديات الموجودة على البر، حيث تعد سفن الاصطياد الكبيرة والبواخر التجارية والنفطية، واحدة من الأزمات والمتاعب التي يعاني منها صيادي عـدن.
يقول عدد من الصيادين في مناطق صيد مختلفة من عدن “إن سفن الصيد تضر بأماكن تكاثر الأحياء والكائنات البحرية، وتتعمد جرف الأسماك عشوائياً، وانتقاء أصناف محددة ورمي بعشرات الأطنان غير المرغوبة للبحر بعد نفوقها، وهذا تدمير وإهدار فادح للثروة السمكية التي تعد من مصادر الثروة السيادية ببلدنا”، حد قولهم.
إلى جانب أنهم يشكون من تجاوزات البواخر النفطية والتجارية، قائلين: “هذه السفن تقوم بصب مخلفات العوادم والمازوت إلى عرض البحر، مسببة تلوثاً مستمراً وكوارث بيئية تقضي على الحياة البحرية، وتقلص من كمية الأسماك الموسمية”.
ويستطردون: “لكن أكثر الإشكاليات البيئية التي نواجهها وجود أسطول كبير من البواخر الناقلة للنفط تابعة لرجل أعمال يمني، تبحر يومياً في حدود المياه الإقليمية اليمنية، وتقوم بالتخلص من سموم زيوتها الملوثة في نطاق شواطئ عـدن، دون وضع اعتبار لسلامة البيئة وأنظمة الملاحة الدولية”، حسب كلامهم.
يقول أحد الصيادين: “إن تلوث البحر ليس كارثة بحق كائنات حية، وإنما أيضاً كارثة للصياد فهي تخسره خسارة مادية، موضحاً: “بقع الزيت والديزل التي تصبها سفن النفط تعلق بشباكنا ما يتلفها بالكامل ولا نستفيد منها مرة أخرى، وشبكة الصيد نشتريها بسعر غال ما بين 300 ألف إلى 500 ألف ريال للشبكة الواحدة”.
يقول الصيادون إن “كثيرا من قوارب الصيد تأتي إلى شواطئ عدن للصيد من خارج نطاق المدينة، وهناك سفن أيضا تتبع بعض المتنفدين تعمل على جرف الأسماك بكميات وفيرة تفوق الأوزان المطلوبة والمسموح بها”.
وأشاروا إلى أن “هذه السفن وشبكات الاصطياد أصبحت تهدد وبشكل مباشر مياه خليج عدن، وقد تعجل بانقراض الأحياء البحرية بسبب أعمال التدمير للمراعي وجرف الشعب المرجانية التي تستغرق عملية زراعتها ما بين 20 إلى 25 عاماً، وتتطلب مراقبتها لسنوات حتى تنمو وتزدهر، وهذه عملية ليست بالأمر الهين أو السهل”.
‎قوارب الصيادين في صيرة
‎قوارب الصيادين في صيرة
**حياة البحر في خطر**
يبدي الصياد صالح عمران قلقه البالغ من استخدام بعض الصيادين لشباك صيد ممنوعة دولياً، معتبراً “تلكم الشباك تمثل خطرا على حياتهم ومصدر رزقهم”. وقال عمران: “مهنة الصيد توارثتها أباً عن جد، ولا توجد لي مهنة سواها وإذا تركتها فإنني سأموت أنا وعائلتي من الجوع”.
وأضاف مناشداً الجهات المختصة بـ “تطبيق الأنظمة والقوانين المتعلقة بحماية وصيانة البحار والحياة البيئة في سواحل عدن”، والتي ـ كما قال “إنها تدرك ما يدور من تجاوزات وأمور خطيرة لكنها تغض الطرف ولا تحرك ساكنا لإنقاذ شواطئ وثروة المدينة من جرائم الاستنزاف والتدمير والاعتداء الواسع”.
«الأٔيام» ترافق عددا من الصيادين على متن قاربهم في ساحل خليج عدن
«الأٔيام» ترافق عددا من الصيادين على متن قاربهم في ساحل خليج عدن
**مؤامرة تدمير السواحل**
وبلكنة غضب وانفعال تحدث الصياد مهران سعيد: “للأسف منذ سنوات نعاني من تقلص الشعب المرجانية في مياه سواحل عدن بسبب عدم التزام سفن الاصطياد التابعة للجهات النافذة بقوانين الصيد، وعشوائية الجرف التي تمارسها”.
وأضاف: “مكاتب الشركات الخاصة تأتي بسفن صيدها إلى عدن لقتل الحياة في بحر (خليج عدن) والتي تتمتع فيه بوفرة الصيد وأنواعها الغنية، من خلال الجرف العشوائي لأنواع نادرة من (الروبيان والجمبري والحبار والتونة) التي لا يقتصر طلبها على السوق المحلي، بل أنها تلقى إقبالا كبيرا على المستوى الخارجي، لهذا يأتون إلى عدن ويمتصون كل الأحياء البحرية في عدن، ويذهبون بعد أن يتركوا وراءهم أثرا بيئيا سلبيا، ونظل ـ نحن الصيادين الصغار ـ متفرجين فقط، ونخشى أن يأتي يوم ونذهب إلى البحر لنصطاد ولا نجد سمكة واحدة”.
**تقصير بسبب صعوبة الإمكانية**
وأمام ما يواجهه الصيادون في عدن من استخدام لشباك محظورة في نطاق السواحل المحلية، ومن أعمال الجرف العشوائي للأسماك والشعب المرجانية من قبل السفن الكبيرة، ذهبنا إلى مدير خفر السواحل في عدن عبدالرب الديواني وتحدثنا معه عن بعض ما تناوله الصيادون من هموم وشكاوى، وأوضح الديواني معترفاً بوجود شيء من القصور في وظيفة أجهزة خفر السواحل في التعامل مع بعض قضايا الصيادين، وقال: “لم تتمكن حراسة خفر السواحل من تغطية ومراقبة كامل الشريط الساحلي لعدن”.
وفي رده على سؤالنا عن نوع الإجراءات التي تطبق بحق المخالفين أو الأشخاص الذين يستخدمون ما يُعرف بالشباك الإسرائيلية المحظورة، أجاب: “نحن لدينا إمكانيات محدودة وليس بوسعنا ملاحقة سفن أو زوارق تفوقنا سرعة، إذ تبلغ سرعة زوارقنا 18 عقدة بحرية، و زوارقهم 20 عقدة بحرية، ومعظم زوارقنا تعمل بالديزل وأغلبها من المفترض أن تكون حالياً في رصيف التقاعد”.
ويضيف: “كما نواجه صعوبة في مراقبة الشريط الساحلي لعدن الذي يبلغ طوله 181 كيلومتر مربعا، يمتد من العلم شرقاً إلى قرية القعو غرباً، ويبلغ عدد الجمعيات السمكية 5 جمعيات تعاونية و 5400 صياد سمك تعاوني وفرد، ويعمل هؤلاء الصيادون على عدد 1063 قارب صيد تقليديا، وتنتشر في عدن مراكز إنزال سمكي يزيد عددها عن 8 مراكز موزعة على طول الشريط الساحلي للمحافظة، ولهذا نضطر إلى مراقبة الجهة الغربية الأكثر نشاطاً لمهربي السلاح والأدوية والسجائر وبعض السلع المهربة”.
ويختتم قوله: “عادة ما نترك سفن الصيد تصطاد حيث شاءت وكذلك الحال بالنسبة للقوارب التقليدية، ولا نضطر إلى تفتيشها أو مضايقاتها إلا في حال وجود بلاغ عن قارب مشتبه به، أو قام بتجاوز أحد الخطوط الحمراء، أو تجاوز حدود مسافة الإبحار المحددة له وحاول الدخول إلى الميناء أو الرسو إلى جانب نقاط الأمن والمواقع الدبلوماسية”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى