فــرقــة مـحـسـن .. أسطــورة تـبخــرت!

> تقرير/ بليغ الحطابي

> تحول معسكر الفرقة الأولى مدرع (المنحلة) إلى مزار يقصده سكان العاصمة صنعاء والمناطق المجاورة بقصد الاطلاع على ما كانت تحتويه الفرقة كأسطورة عسكرية لاكتها كل الألسن، وحيكت حولها القصص عن سطوة قائدها ورهبته.
تجد الكثيرون يتنفسون الصعداء بزوال هيلمان اللواء علي محسن الأحمر الذي انهار وتبخرت أسطوريته في لحظات، وهو القائد الذي عرف عنه الشدة والدهاء والخبث أيضا والجبروت، حسب ضباط في الفرقة.
غير أن كل ذلك لم يصد عنه أو تمنع عنه مآلات الفشل القهقري والسقوط المخزي، الذي حصده منذ خروجه عن نظام صالح كأقرب الناس له، عقب الفترة التي قضاها في أحضان ما سمي بثورة الربيع العربي، بعد إعلان تأييده لها في 21 مارس 2011م.
**المخرج الآمن**
كان الجنرال العجوز قد تمكن من تحقيق مخرج آمن له فيما بعد قرارات الهيكلة وتعيينه مستشاراً للرئيس لشؤون الأمن والدفاع إلا أن جنونه السلطوي وهستيريته جعلاه لا يغادر مركز صنع القرار، فشارك هادي إدارة المرحلة ليكون - طبقاً لمراقبين - سبباً وعامل فشل كبير لإخفاقات هادي في قيادة المرحلة الانتقالية الأولى التي انتهت بإعلان وثيقة مخرجات الحوار ولجنة التقسيم للأقاليم.
وأنت تجول في ساحة المعسكر التي قد لاتدركها الأعين لكبر مساحتها ولكونها ساحة غير مستوية ولاتزال عبارة عن أودية وشعاب مترامية الأطراف فإنك قد تحتاج مابين (4 - 5) ساعات لتستكمل جولتك الميدانية وتقرأ تفاصيلها وتتعرف ذاتيا على مكوناتها لعدم وجود أي من جنودها وباتت في حراسة مسلحي جماعة الحوثي الذين لا يعرفون شيئا عنها وعن ما بداخلها وماكانت عليه وكيف أصبحت، وقد يراودك الفضول لتوجيه سؤال لأحدهم عن شيء ما، إلا أنهم لا يفيدونك بشيء، لتضطر إلى البحث عن إجابة بين تفاصيل وردهات المكان وما كان يحتويه.
أرض شاسعة أنى لها أن تموت بجور وظلم العقلية العسكرية والرعونة وحب الأنا والسلطة والجاه والسلطان التي كان عليها صاحبها (محسن) ويظلم ويقهر أبناء تلك المناطق والأحياء السكنية لعاصمة يزيد تعدادها عن مليوني نسمة فضلا عن المناطق المحيطة بها، وأن يُحرموا من هكذا متنفس قد يكون مشروعاً استثمارياً عملاقاً على مستوى الشرق الأوسط.
أكثر من (50) ألف لبنة عشارية تقدر أرض الفرقة المنحلة.. ويرى مختصون في هيئة الأراضي والمساحة أن بإمكانها أن تحتضن أكبر مجمع حدائقي سياحي واستثماري ومتنفس عام على مستوى الشرق الأوسط.
**لا وجود لأي حراسة رسمية**
وحسب حراسة المعسكر من جماعة الحوثي فإن عدد الزائرين لها منذ سقوطها في 21 سبتمبر الماضي يتزايد يوميا، كما أنهم قد يضطرون إلى منع الزيارة حفاظاً على ممتلكات الدولة، كما يقولون، لكنهم يفتحون الأبواب بتوجيهات وأوامر من قيادة الجماعة.
**ثقافة الفيد**
ويبدو أن ثقافة الفيد لم تغادر الجموع القبلية التي جاءت لتحاصر صنعاء في ثورة الحوثي التي يقال إنها ثورة الشعب ومن أجل مطالب الشعب.

ويقول أحد الحراسات إنه ليست لديهم أوامر بمنع عملية النهب كون ذلك يعتبر (فود) حسب قوله، أو غنيمة.. كما ردد ذلك عدد من القيادات في جماعة الحوثي حين كانت توجه لهم أسئلة حول المنهوبات من الأسلحة وغير ذلك في عمليات الاقتحام وغير ذلك التي نفذت على عدد من المنازل أو المكاتب التابعة لحزب الإصلاح أو مقرات ومعسكرات الجيش امتداداً من صعدة مرورا بعمران وحتى صنعاء.
وهو ما يعني أنه لا يمكن استعادتها أو استرجاعها وتخرج تماما من أية حسبة سياسية أو اتفاقات تلزم جماعة الحوثي بتسليمها للدولة، وهو أكده عدد من المحللين والمراقبين.
وأنت في الطريق للاطلاع عن خفايا وأسرار الفرقة تصادفك مناظر استفزازية قد تكون من أطفال أو شباب أو كبار في السن (من الجنسين) وهم يسارعون إلى جمع أكبر قدر ممكن من مقتنيات الجنود والضباط ومن كانوا في تلك العنابر والهناجر و(الدشم) وغيرها من مكونات المعسكر، في حالة تدمير ونهب متعمد.
**بقايا فرقة وتحريض**
لاشيء ثمين لما يجمعه أولئك المواطنون.. لكنه بالنسبة لهم فهو صالح وثمين ويمكن الاستفادة منه.
فما تبقى ليس سوى بقايا زي وملابس مستخدمة للجنود لم يعد أحد منهم متواجد هناك أبداً، وبضع آليات معطوبة منعها العطب من نهبها أو تهريبها على أيدي الحوثيين الذين أخرجوا الآليات والمعدات والأسلحة الثقيلة كالدبابات والمدافع والعربات وغيرها، إلى جانب ما تركته مليشيا محسن وقبائله التي حشدها لحمايته وفرقته من الحوثيين والتي لا يخلو فيها مكتب أو مكتبة حتى غرف الجنود وحاجاتهم في هذا المعسكر من كتب تحرض على القتال ضد (الشيعة الروافض والأثنى عشريين) التي تقول تلك الكتب والملازم إنهم يسبون الصحابة ويطعنون في خلافتهم وغيرها من الأشياء المقيتة المنكرة التي لايستحق ذكرها.
يكاد العبث يستوطن ذلك المكان الذي كان احتجاز مساحته في الأصل عبثيا، فأينما ذهبت بالنظر تجده ولا يكاد يفارقك أثناء زيارتك للمكان.. الكل يستهجن وينتقد سكوت الدولة وصمت المسؤولين أيضا الذي كان بعضهم خارجا من أقبية هذه الفرقة وغرفة عمليات الإخوان ومصانع إنتاج الفساد.
**صور للذكريات**

الجميع في تلك الساحات المتعددة يلتقطون صورا تذكارية، والبعض يتحدثون عن ذكريات لهم فيها حينما كانوا جنودا فيها، والأطفال يفرح كل منهم بعثوره على خوذة أو شيء مما يستخدمه الجنود.
**حديقة في مهب الريح**
في ساحات المعسكر أو الحديقة المستقبلية تشاهد مسلحي الحوثي يجوبون بالأطقم المسلحة عددا من تلك الساحات الداخلية (وسط الموقع) وجوار مقر القيادة التي لم تسلم هي الأخرى من أعمال النهب والعبث والفوضى من قبل من يحرسونها قبل أن يتم رفع ما بها من تكدسات القمامة، وتنظيف المكان - كما بدا في الزيارة الأخيرة - ليمنع الزوار من دخوله بعدها بتوجيهات قيادية كما قال لنا حراس المبنى. وبحسب بعضهم، أنهم منعوا من أسموهم الجهاديين القادمين من صعدة حتى من دخول المكان.
لم يعد ذلك المكان سوى ذكرى قد تكون للبعض مؤلمة، لكنه في ذات الوقت سيبقى أسطورة خلدها أولئك العاشقون للسلطة والمتسلطون على مدى ثلاثة عقود، لفرقة كانت هي دار للرئاسة وللحكم ولإنتاج خيارات الشعب ومصائره.
**العملية الأولى**
نقل لـ«الأيام» عدد من سكان المنطقة المحيطة بمقر الفرقة أن اللواء محسن قام بتسليح المواطنين في تلك المناطق مقابل حمايته وفرقته ولمنع أية حالة اعتداء من جهتها للمعسكر الذي يحيطه سور مرتفع نحو 2,5 متر، ولشراء ولائهم أيضا كما قام في فترة سابقة بتجنيد بعض أبنائهم.
وكرر تسليحهم قبل دخول الحوثيين إلى جانب مجموع القبائل الذين جاؤوا من مأرب والجوف ومناطق أخرى مع مشائخهم الذين كانوا أيضا برفقة محسن داخل القيادة وكان يجتمع بهم يوميا لمناقشة الوضع قبل اقتراب الحوثيين منه، كما أكد ذلك ضابط كان موجودا هناك.
ضابط آخر أكد لـ«الأيام» أن محسن وجه بصرف سلاح لكل شخص مع خط ناري يتكون من 90 طلقة، بالإضافة إلى تزويدهم بالذخائر بشكل يومي.
**العملية الثانية**
وتمثلت عملية النهب والتدمير الثانية بتوجيهات رسمية، حيث فتحت مخازن السلاح أمام القبائل الذين جاؤوا للقتال إلى جانب قائد الفرقة.
وذكر جنود - رفضوا ذكر أسمائهم - أن توجيهات من اللواء علي محسن للقائد الميداني المقداد بفتح مخازن الأسلحة أمام مشائخ القبائل ومليشياتهم وفتح بوابة الفرقة الشرقية ليكون خروجهم منها، وذلك طبقا لما تناولته تقارير صحفية نقلا عن معلومات استخباراتية.
عمليات النهب تلك - حسب المصادر - تمثلت فقط في الأسلحة الخفيفة والمتوسطة إلى جانب ذخائر متنوعة وصواريخ كتف، بينما الأسلحة الثقيلة من دبابات ومدافع وعربات ومدرعات وصواريخ وغيرها وبعض الأطقم المسلحة كانت من نصيب مليشيات الحوثي بعد دخولهم الفرقة.
حيث استولى الحوثيون على: 11 دبابة، و15 مصفحة،11 مدرعة، 36 مدفعا مختلفا، 20 مدرعة نوع (بي تي آر)، 400 رشاش مختلف (م-ط)، 200 آر بي جي، 100 صاروخ (لو) وأخرى.
هذا إلى جانب ما تبقى من ذخائر وأسلحة خفيفة آلية لما تبقى من ما نهبته القبائل ورجال محسن.
ما سبق ليس سوى اليسير من بقايا (الفرقة الناجية)، لكن في الوقت ذاته ما يزال السؤال الكبير هو الذي يحير عامة الناس في العاصمة وحتى في الوسط الثقافي والنخب الوطنية المختلفة وهو كيف سقطت أمبراطورية محسن العسكرية؟ وكيف استسلم للأمر ومجاميع المليشيات المسلحة؟ وغير ذلك من الأسئلة التي سيجيب عنها الوقت والتاريخ والأحداث المتداعية المتسارعة التي تشهدها البلاد عقب السقوط المريب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى