الفقر والعنف الأسري وغياب دور الجهات المختصة أسباب رئيسة لتزايد تشرد الأطفال

> تحقيق/ وئام نجيب

> كم هو مؤلم على المرء أن يعيش منذ بدء حياته يتيماً فاقداً لرعاية أحد الأبوين وعطفهما وحنانهما أو كليهما، وكم هو مؤلم وأشد إيلاماً أن يعيش المرء يتيماً مشرداً ضائعاً في ظل حياة الوالدين، حكايات مريرة وأشد مرارة ضحاياها، فلذات الأكباد، أطفال في عمر الزهور، وأبطالها آباء تجردوا من مشاعر الأبوة تجاة أبنائهم لإرضاء زوجة أخرى دخلت حياته بعد وفاة أو طلاق الزوجة الأولى أو لظرف معيشي قاهر، وبين هذا وذلك أطفال أُرغموا على العيش مشردين في الشوارع في مواجهة مباشرة مع الأخطار التي تحدق بهم ليلاً ونهاراً، ليس لهم من راع وحام سوى الحافظ الرحمن الرحيم.
مشكلة اجتماعية تحولت إلى ظاهرة في السنوات الأخيرة، نتيجة للفقر المدقع الذي يعانيه كثير من الأسر بعد وفاة معيلها الوحيد، أو لغياب الوازع الديني والأخلاقي لدى الكثير من أفراد المجتمع بدءاً بالأسرة التي تجرد عائلها من أبوته تجاه فلذات كبده ليتركه مشرداً في الأسواق فريسة سهلة للاستغلال في مجالات كثيرة وغير أخلاقية، وكذا لغياب دور الجهات المختصة لحل هذه الظاهرة وعجزها عن إيجاد الحلول الناجعة للتخلص منها.
**معالجات فاشلة**
وفي محاولة للإسهام لحل هذه الظاهرة التي أضحت منتشرة في عدن بعد أن باتت شوارعها ملاذاً لكثير من هؤلاء الأطفال من كثير من مدن ومحافظات البلاد أوجدت مراكز متخصصة تهدف إلى انتشال هؤلاء الأطفال من الشوارع والمحافظة عليه حسب إمكاناتها المتواضعة، مراكز رغم سمو هدفها وقلة عددها، والتي لا تتجاوز الثلاثة لم تحظَ باهتمام الجهات الرسمية والمتخصصة في الدولة، الأمر الذي حال دون أن تقوم هذه الجهات بالقيام بواجبها بالشكل الذي أُوجدت من أجله.
مركز التكافل الاجتماعي بمدينة الشعب بمديرية المنصورة وأحد من أولئك المراكز التي فتحت أبوابها في هذه المحافظة للقيام بهذه المهمة الإنسانية للمحافظة على هذه الشريحة من الضياع والاستغلال وفق ما تتحصل من دعومات من قبل بعض الجهات المهتمة والمتخصصة، والدعم الذي يقدم من الدولة والذي لا يكاد يذكر.
مدير عام المركز هشام هيثم أوضح جانبا من المهام التي يقدمها المركز لهؤلاء الأيتام، وبعض المعاناة التي تواجههم وتحول دون تأدية المركز لمهامه تجاه هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا لجور آبائهم أو لقساوة الزمن وجوره بالقول: “إن مركز التكافل الاجتماعي هو عبارة عن مركز إيواء للأطفال الذين حرموا من رعايه الأبوة نتيجة لوفاته أو لمشاكل أسرية أو ممن تم انتشالهم من الشارع للحفاظ عليهم وحمايتهم”.
وأضاف “حالياً يحتوي المركز على عشرين طفلاً من الذكور، لكون المركز خاص بالذكور فقط، وفيه ينعم هؤلاء الأطفال النزلاء فيه بكل الخدمات بشكل مستمر، كالتغذية، والرعاية الصحية، والاجتماعية، والنفسية من قبل مختصين”.
وواصل هيثم الخدمات التي يقدمها المركز والصعوبات التي تواجهه قائلا: “إن الخدمات التي نقدمها لهؤلاء الأطفال عادة تكون على حسب الإمكانات التي تتوفر لنا”.
**بعضاً من المهام**
مدير مركز التكافل الاجتماعي هيثم أوضح بأن “مهام المركز لا تقتصر على تقديم الخدمات المادية لهؤلاء الأطفال، بل إنه بذل قصارى جهده لإضفاء الروح الأسرية للأطفال التي حرموا منها كدفء الأسرة والحنان والجانب العاطفي، وذلك من خلال توظيف كادر نسائي يقمن بدور الأم لجميع الأطفال وإشعارهم بروح الأسرة الواحدة، بالإضافة إلى القيام بتعليمهم وتوضيح بعض الإشكالات التعليمية التي قد تواجههم في دراستهم النظامية، كون جميعهم يدرسون في مدارس حكومية، بالإضافة إلى تعليمهم عددا من المهارات والحرف كل حسب رغبته وهوايته سيستفيد منها مستقبلاً”.
**موظفون بمبالغ رمزية**
وعن الجهات التي تقوم بدعم المركز أوضح هيثم بأن “منظمة (الانترسوس) لها إسهام كبير في دعم المركز، وذلك من خلال تقدم الدعم المادي الكامل، وكذا الفني والمعدات والآثاث”، وعن دعم الذي تقدمه الدولة قال: “الحكومة اقتصر دعمها على توفير مبنى مع ميزانية تشغيلية فقط، ولم تقدم أي زيادة في هذه الموازنة في الوقت الذي يوجد فيع عدد من الموظفين تابعين للوزارة بعضهم غير رسمين وبمبالغ رمزية”.
**نزلاء المركز**
وعن ما إذا كان للمركز شروط في قبول هؤلاء الأطفال والاقتصار على الأيتام منهم فقط أكد هيثم بأن “مفهوم اليتيم في المركز لا يقتصر على الأطفال الأيتام وحسب، بل كل طفل فقد لرعاية الأب وأضحى مشرداً لا معيل له، وما أكثر هؤلاء الأطفال الذين يعيشون حياة اليتم وآباؤهم ما زالوا على قيد الحياة، فأضحوا مشردين في الشوارع لا راعي لهم يتعرضون لمخاطر الحياة وقصوتها، ولهذا فإن اليتيم بالنسبة إلينا بدرجة أساسية هو كل طفل معرض للضياع، وعلى هذا الأساس يقوم المركز بانتشالهم لرعايتهم والحفاظ عليهم من خلال توفير بيئة مناسبة لهم حتى يبلغوا السن المحددة في المركز وهي 18 سنة، وهي السنة التي يكون فيها قد أصبح الطفل شاباً بكامل قواه البدنية والعقلية وهي مرحلة يستطيع فيها الإنسان الاعتماد على نفسه.
واختتم مدير عام مركز التكافل الاجتماعي هيثم بأن “المركز بسرد عدد من الشروط التي وضعها المركز لاستقبال أي طفل يكون الطفل ليس عليه أي خلافات قانونية، وكذا السن والتي تتراوح بين 10 - 18سنة، وغير ذلك من الشروط التي من شأنها تعمل على خدمة الطفل وحل مشكلته بما هو مناسب، كون هذا المركز يُعد هو خط الدفاع الأخير لحماية الطفل من الضيـاع.
**حكايات مريرة**
غرفة منامات  مركز التكافل الاجتماعي خاصة بالأطفال
غرفة منامات مركز التكافل الاجتماعي خاصة بالأطفال

أطفال في عمر الزهور عبست الدنيا في وجوههم منذ أن وجدوا عليها، ليس لذنب ارتكبوه بل لحرمان بعضهم من أبيه بعد أن فرق بينهما الموت، أو لتخلي آباؤهم عنهم لأمر أو لآخر، أو لذنب لم يقترفه، وأضحى بسببه مشرداً يكابد قسوات الحياة ليلا نهارا، حكايات مريرة بعضها أشد من بعض.
الطفل صالح خالد (11 عاما) أحد نزلاء هذا المركز وأحد ضحايا العنف الأسري لرب العائلة، بدأ خالد سرد حكايته بمرارة بالقول: “كنت أعيش مع والدي وإخوتي في السعودية قبل أن يقوم بالاستغناء عنا وطردنا من البيت عدنا بعدها مع والدتي إلى صنعاء، لكن أمي هي الأخرى كانت تقوم بضربي وأخي دائما لأتفه الأسباب”.
ويواصل “ونتيجة لضربنا المستمر أخذت أخي الصغير وهربنا إلى الشارع لننجو من ضرب أمي، اتجهنا بعدها إلى عدن وفيها عشنا في صندقة بخور مكسر نعاني الجوع والظمأ والخوف، قبل أن يتم أخذنا إلى مركز دار الأحداث ثم إلى مركز دار التكافل الإجتماعي”.
صالح كغيره من الأطفال لديه أحلام الفطولة البريئة يحلم بتحقيقها في المستقبل، وهو أن يكون جندياً في هذا الوطن يحميه ويحرسه، فالأمن هو أساس الحياة.
**والدي توفي وأمي تزوجت**
الطفل محمد رشيد (تسع سنين) هو الآخر له حكاية مريرة وإن كانت تختلف عن سابقتها، بدأت مأساة محمد بعد أن توفى والده وفيها يقول: “بعد وفاة والدي وتزوجت أمي ذهبت وأخي للعيش عند أعمامي، ولكنهم كانوا دائماً يضايقوننا ويضربوننا، وعندما أخبرنا والدتي بما نتعرض له أخذتنا لنسكن عندها، ولكن زوجها أحالنا إلى هذا المركز بعد أن عجز عن توفير مصاريفنا”.
وأضاف محمد “لقد اضطرينا إلى المجيء إلى هذا المركز فهو المكان الوحيد الذي يمكن أن نعيش فيه بأمان ونجد فيه الغذاء والسكن وغيره”، ومن بين المعاناة والأمل طموح كبيرة تراود محمد ويطمح لتحقيقها مستقبلاً، وهو أن يكون مهندساً ميكانيكياً مرموقا.
**سأكون طبيباً وسأصرف على أمي**
الطفل ذياب خالد (14عاما) لم يكن أحسن حالاً من غيره إذ فالكل في الهم سواء، ذياب بدأ سرد حكايته المريرة التي بلغ عمرها سبع سنين بالقول: “دخلت المركز وعمري 7 سنوات بعد أن توفي والد أمي الذي كنا نعيش نحن وأمي عنده، وأما والدي إلى الان لا أعرف عنه شيئاً”.
وواصل سرد حكايتة المريرة بالقول: “بعد وفاة جدي لأمي قامت والدتي بإخراجي وأخي إلى الشارع بغرض التسول لجمع الفلوس فجدي الذي كان يصرف علينا قد توفي”، ويستدرك بالقول: “وعندما كنا وأخي في الشارع نشحت تم أخذنا من قبل أفراد تابعين لمركز مكافحة التسول، وأُتي بنا إلى المركز”.
واختتم بنظرة استشراقية متفائلة إلى المستقبل قائلا: “حلمي أن أصير طبيباً لأصرف على أمي وأختي”.
ولمعرفة مزيد من المعلومات حول هذه القضية الشائكة التقت “الأيام” بمدير عام مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن أيوب أبو بكر محمد لمعرفة دورهم في هذه القضية التي أضحت ظاهرة في المحافظة، وكذا أبرز المعاناة التي يواجهونها وعن هذه الاستفسارات قال: “ إن مدينة عدن لم تكن تعرف هذه الظاهرة إلا في عام 2008م، والتي بدأت بالتسول من قبل اللاجئين الصوماليين، حينها قامت الجهات المختصة باحتواء هذه المشكلة وذلك بإنشاء مركز للمتسولين في ذات العام وتجهيزه مع توفير ميزانية تشغيلية، وبمساندة بعض الخيرين وذلك للقضاء على هذه الظاهرة الجديدة والدخيلة على المدينة، ومعها هذا لم نستطع السيطرة عليها لتزايدهم المستمر”.
وأضاف “أن السبب الرئيس في انتشار هذه الظاهرة في هذه المدينة هو ناتج عن غياب التنسيق وعدم توفر الإمكانيات المناسبة، ولهذا لا يعني أن اتساع هذه الظاهرة بأننا توقفنا عن العمل في هذا المركز، بل إن العمل فيه مازال مستمراً، ولكن وفق ما يتوفر لنا من آليات بسيطة وإمكانات متاحة”.
**جامعيون يديرون هذه الظاهرة**
أوضح محمد في سياق حديثه “لقد وجدنا بأن كثيرا من هؤلاء الأطفال المتسولين يتم توظيفهم من قبل أناس يحملون شهادات جامعية ويمارس ضدهم العنف للقيام بهذه المهمة لجمع الأموال”.
وأضاف “لقد قامت بلادنا في سبيل حماية مثل هؤلاء الأطفال والذين عادة يكونون من المتسولين وأطفال الشوارع ولقطاء أوأطفال معنفين أو أيتام لا تستطيع الأسرة الإنفاق عليهم بالقيام بالتوقيع على كثير من الاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل، وذلك لحمايتهم ووضعهم في مراكز خاصة أنشئت وفق قانون الرعاية الاجتماعية لمعالجة وحل مثل هذه القضايا التي ظهرت في المجتمع، وبالأخص بالقضايا الخاصة بالأطفال الذي هم بحاجة مأساة إلى الحماية من الكثير من الظواهر السلبية الموجودة في المجتمع”.
واستطرد قائلا: “إن هذه المراكز كانت غير موجودة في محافظة عدن لا سيما المتعلقة بدور الأيتام، ولكن اليوم يوجد منها ثلاثة مراكز خاصة بالأيتام (بنات وبنين) وعلى الرغم من قلتها لكنها أسهمت في تخفيف ازدياد ظاهرة لجوء الطفل اليتيم إلى الشارع”.
وتابع بالقول: “من المراكز المتوفرة لدينا حالياً والخاصة بالأطفال الأيتام هي: دار الشوكاني الأيتام (بنين)، ومركزين للفتيات اليتيمات هما: مؤسسة إنسان ودار قطر، كما يجرى حالياً العمل لإيجاد مركز رابع للأيتام خاص بالأولاد تابع لدار قطر”.
**إمكانات محدودة**
وعن عدم تقديم الدعم لمثل هؤلاء الأطفال الفقراء لأسرهم لتقوم الأسرة بتربيت أطفالها بنفسها أجاب بالقول: “إن الأسر الفقيرة كثيرة وإمكانياتنا محدودة وتقتصر على الحالات القسوى والحالات المنعفة”.
وأضاف “أن صندوق الرعاية الاجتماعية في المحافظة يقوم بهذا الدور ويدعم الأسرة، ولكن لا يدعم الأطفال أنفسهم، وأما بالنسبة إلى الأطفال الموجودين في مركز الطفولة الآمنة الخاص بأطفال الشوارع فتوجد لهم تغطية، وذلك باعتبار أنهم مقطوعين عن أسرهم، ولهذا فإن صندوق الرعاية الاجتماعية في مثل هذه الحالات يقدم لهم مبلغا ماليا كل ثلاثة أشهر، وتوضع في حسابهم، يتم تسليمها لهم عند خروجهم من هذا المركز”.
وما بين جور الأهل والمجتمع وغياب دور الجهات المعنية ضاع حق الأطفال من العيش الكريم وما أكثرهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى