الـذئـب أصـلــه خــروف

> المحرر الأدبي

> (في مكان مجهول لا تعرف موقعه بسهولة يعيش راعٍ وأغنامه، لكن الراعي لا يشبه الرعاة الآخرين، فهو لا يعرف للرحمة معنى، ولا يعتقد أن للألم وجودا، كان ظالمًا يحمل بدل الناي هراوة.
وكان لا يكن لنعاجه أية شفقة أو محبة، فهو يحلبها يوميًا ثلاث مرات حتى يسيل الدم من أثدائها، وعندما تشكو ذارفة الدموع من عينها، ينهال عليها ضربًا على رؤوسها وظهورها، لم تحتمل النعاج وحشيته فكانت تتناقص يوما بعد يوم .. لكنه ازداد قسوة .. وراح يطارد الأغنام المتبقية في الجبال والسهول حاملاً هراوته في يده.
كان بين الأغنام خروف وديع نحيف، وكان الراعي يريد حلبه، والحصول منه على حليب عشرين بقرة، رغم أنه خروف، وليس نعجة !!.
وفي يوم من تلك الأيام غضب الراعي منه وضربه ضربًا مبرحًا جعله يهرب .. فقال له الخروف: “يا سيدي الراعي أنا خروف قوائمي ليست مخصصة للركض، أتوسل إليك لا تضربني ولا تلاحقني”، لكن الراعي لم يستوعب ذلك ولم يكف عن ضربه.
ومع الأيام بدأ شكل أظلاف الخروف يتغير لكثرة هروبه إلى الجبال الصخرية، وطالت قوائمه، وازدادت سرعة، لكن الراعي لم يتركه.. فاضطر الخروف للركض أسرع، ولكثرة تمرغه فوق الصخور المسننة انقلعت أظلافه، ونبتت مكانها أظافر من نوع آخر (مدببة الرأس ومعقوفة)، لم تعد أظافر بل مخالب.
مرة أخرى لم يرحمه الراعي فواصل الخروف الركض، فكان أن شفط بطنه إلى الداخل، واستطال جسمه، وتساقط صوفه، ونبت مكان الصوف وبر رمادي قصير وخشن، وأصبح من الصعب على الراعي أن يلحق به، ومن كثرة مطاردة الراعي جعل الخروف يرهف السمع حتى يستعد للهرب كلما سمع صوت قدوم الراعي، ومع تكرار المحاولة انتصبت أذناه وأصبحت مدببة قابلة للحركة في كل اتجاه، ولكنّ الراعي كان يستطيع أن يصل إليه ليلا وضربه براحته، فالخراف لا ترى في الظلام، وفي ليلة قال الخروف له: “سيدي الراعي، أنا خروف، لا تحاول تحويلي إلى شيء آخر غير الخروف”، لكن الراعي لم يستوعب ما سمع !.
فأصبح الخروف يسهر ليلا، ويحدق بعينه في الظلام .. ولكثرة تحديقه كبرت عيناه، وبدأت تطلقان شررا، وغدت عيناه كعودي كبريت في الليل.
فبدأ الخروف يهاجم الراعي عندما كان يحصره في حفرة ما لحماية نفسه من الضرب.. فغضب الراعي أكثر، وضاعف من قسوته بجنون، فاضطر الخروف أن يستعمل أسنانه، لكنه لم يستطع ذلك لأن أسنانه داخل ذقنه المفلطحة.
وبعد محاولات دامت أيامًا بدأت أسنانه تنمو، وفيما بعد استطال لسانه أكثر، وأصبح صوته غليظًا خشنًا، ولم يستوعب الراعي ذلك.. وواصل ما يفعل وبالقسوة نفسها.
ذات صباح شتوي استيقظ الراعي مبكرًا ليجد المكان مغطى بالجليد، تناول هراوته التي سيحثّ بها نعاجه المتبقية على حليب عشرين بقرة، وذهب إلى الزريبة، لكن ما إن خرج من الباب حتى وجد بقعًا من الدم الأحمر فوق الثلج، ثم رأى أشلاء أغنام متناثرة .. لقد قُتلت كافة النعاج ومُزقت.
ظلل عينيه بيديه ونظر بعيدًا فرأى الخروف يلعق بلسانه الطويل الدماء من حول فمه .. نهض الخروف وسار بهدوء نحو الراعي وكان يصدر صوتًا مرعبًا .. وبينما الراعي يتراجع إلى الخلف مرتجفًا قال متمتمًا: “يا خروفي الجميل” .. عوى الخروف قائلا: “أنا لم أعد خروفًا”.
كرر الراعي ما قال .. عوى الخروف قائلا: “في السابق كنت خروفًا، ولكن بفضلك أصبحت ذئبًا” .. وجرى وراءه !) .. قصة عزيز نيسن (أديب تركي).
ترى هل فهم رعاة الظلم من أهل السياسة أن أبناء الجنوب سيستذئبون يومًا .. وإن غدًا لناظره لقريب !!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى