الأشروح في قَدَس.. عقد مرصع في جيد المواسط .. من ينقذها؟

> استطلاع/ محمد العزعزي

> تتميز عزلة قَدَس في المواسط بتعز بدورها الريادي والنضالي برفض الظلم والاستبداد، فأهلها عشاق الحرية والحياة الكريمة، وفي هذا الإطار فقد كان لقدس دور بارز في مقاومة الاستعمار التركي والتعسف الإمامي والحكم الكهنوتي للنظام البائد، ويتحدث الناس عن ماضيهم المقاوم لكل أشكال الظلم والظلام بزهو وتطلعهم لإزالة المظالم وألوان الاستبداد والتطلع لمستقبل يسوده الأمن والاستقرار وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعبروا عن ذلك بانتفاضة 1927م ضد النظام الاستبدادي القائم على الجباية المالية، ما أدى إلى عزلة أبنائها لمدة عامين، وشهدت قدس صوراً مختلفة من الاضطهاد شملت نهب الأموال وتدمير المنازل وتشريد الأسر، وما تزال تلك الانتفاضة محفورة في الذاكرة الشعبية فأكسبت أبناء قدس شهرة واسعة في كل الأرجاء، وشاركوا في ثورة 1948م، فعكست إرادة الشعب باعتبارها ضرورة كفاحية، كما انخرطوا في الأحزاب والتنظيمات الوطنية وأسسوا نادي أبناء قدس في عدن عام 1935م وساندوا ثورة سبتمبر 1962م، كما أسهموا في الدفاع عن الثورة والمقاومة الشعبية، ورفضوا حكم الرئيس السابق صالح عام 78م ما أدى إلى إعدام بطل حرب السبعين عيسى محمد سيف واختفاء شقيقه عبدالله الطالب في كلية الطب حتى اليوم..
هذه المنطقة تقدم نماذج رافضة للاستبداد بصوره وأشكاله المختلفة، وحرمت حاليا من شربة ماء نظيفة، وتقع تحت خطر الانزلاقات الصخرية وجرف التربة الزراعية رغم المناشدات فلا مجيب.. فمن يرد لها ولأهلها الاعتبار؟؟.
**الموقع الجغرافي**
تقع عزلة قدس في الجنوب الغربي لمحافظة تعز بمديرية المواسط، وتبعد عن مدينة تعز حوالي 70 كيلومتر، وتعد ملتقى لكثير من الطرق كطريق النشمة وطريق طور الباحة - عدن.. أهم قرى الأشروح هي: بني سعيد (جميمة)، بني علي، الرُدْع (بضم الراء وسكون الدال)، بني هبة، الدمنات، السادة، عبابة، الديام، الجاهلي، الأقروض، وتخترقها بعض الأودية التي يجري فيها الماء في فصل الصيف عند سقوط الأمطار الموسمية.
**التسمية وأهمية الموقع**

تسمية الأشروح يوحي بالانشراح والسرور وربما الشرح لما يصعب فهمه، وتدلل الشواهد الطبيعية على طيب هوائها وخصوبة أرضها وانتشار الرقعة الخضراء في قرى المنطقة بالإضافة إلى تميزها بوسطية موقعها الجغرافي وبسلاسلها الجبلية الشاهقة، وكذا بروضة وديانها الخصبة وطيب هوائها.
**جمالية الموقع**
ويصف حمدان عيسى نجل عيسى محمد سيف المنطقة بقوله: “إنها قَدَس التي أنجبت خيرة أبناء الوطن أمثال محمد الوحش الذي يعتبر أحد أبطال السبعين، والشهيد عيسى محمد سيف الذي قتله النظام البائد وعبدالحبيب سالم الذي اغتاله النظام السابق وعبد العزيز الدالي وزير خارجية الشطر الجنوبي سابقاً، وعبدالله نعمان الأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وسلطان حزام العتواني وعبدالله الحامدي نائب وزير التربية والتعليم وعبدالوهاب مغلس ومحمد ناجي أحمد وأخيه المفكر أحمد وآخرين”.
وأضاف: “ليس هذا فحسب، بل إن ما يمكن أن يتبادر إلى ذهنك وأنت تصادف أولى القرى في “قدس” السؤال عن “الأشروح” حيث ولد وترعرع أحد القادة العظام، إنه الشهيد “عيسى محمد سيف” قائد حركة 15 أكتوبر 78م ضد حكم الرئيس السابق علي صالح والذي أعدم مع مجموعة كبيرة من قيادة التنظيم الناصري والذين مازالوا وسيظلون يسكنون ذاكرتنا الوطنية والوجدان الإنساني”.
وفي هذا السياق قال محمد شرف القدسي: “تتعدد جمالية الأشروح حيث تمتاز بخصوبة أراضيها المحتضنة لوديان عدة وتتصف بجنان مناظرها الخلابة تجذب الناظر إليها من أول نظرة، فتزرع في النفوس الانشراح والسرور، ومن أهم تلك الوديان وادي العجب ووادي الأشروح ووادي صبن ووادي الجنات، وتكتمل روعة قدس بسفوحها الخضراء وسلسلة جبالها المكسية بالاخضرار في موسم الأمطار، فترتسم لوحة جمالية من إبداع الخالق قال عنها المرحوم الخالد الذكر عبد الله شمسان الدالي: (شوقي إلى خضرة الجنات في قدس .. منابع الزيتون والرمان والبلس)
وقال الشاعر محمد عبد الباري الفتيح - رحمه الله:
شمس الشروق بين الجبال لواهب .. تشرب ندى الأسوام والشواجب.
**المقومات الاقتصادية**
تعتمد هذه المنطقة على الإنتاج الزراعي الحبوب الغذائية من أهمها الذرة الرفيعة والدخن والذرة الشامية بكميات بسيطة والخضروات بأنواعها والفواكه.
**المحاصيل النقدية**

أهمها محصول البن المهدد بالزوال بسبب جرف السيول للأشجار المثمرة والتربة الزراعية خصوصا وادي “الابتال” الأكثر تضررا لتعرضه للدمار الشامل هذا العام ومنافسة زراعة القات مؤخرا.
**تربية الحيوان**
تربية بعض الحيوانات وهي الماعز والضأن كما تربي الأبقار والدواجن والطيور.
**مشروع المياه**
عبدالله حزام سيف العتواني قال أنشئ مشروع مياه الثورة عام 1978م وبه ما يقارب 550 مستفيدا والماء متوفر لكن أكبر مشكلة يواجهها مشروع المياه هي عدم سداد المواطنين الفواتير الواجب دفعها، وطالب بسداد راتبه الموقوف منذ ثلاث سنوات ما اضطره للعمل بحرف أخرى بالأجر اليومي.. من جانبه قال خالد عبده غانم: “فشل المشروع يعود إلى تضارب النافذين بالمنطقة وعدم وصول المياه لكل مواطن مما يؤدي إلى رفض المواطنين دفع الفواتير، والمشروع متعثر لعدم وجود إدارة عاقلة، فالناس يرشحون الإدارة في النهار ويتآمرون عليها في الليل، وأغلب المسؤولين من هذه المنطقة لكنهم لم يساعدونا في حل أزمة المياه”، وقال: “متعهد مادة الديزل مشكلة المشروع، إلى جانب سلبية المجتمع والمجالس المحلية وفشل الإدارات والحسابات وبلغت المديونية مليونين ونصف المليون وهي خسارة دون فائدة”.
قال حمدان عيسى محمد سيف: “للأسف تعرض مشروع مياه الأشروح في الفترة الأخيرة لانتكاسة بسبب سوء إدارته ما أدى إلى توقفه عن العمل منذ ما يقارب السنتين ومازال حتى اللحظة ... وليس هذا فحسب، بل أصبح هناك الكثير من الاختلالات أهمها: تلف بعض الآلات والمكائن التي تضخ المياه إلى جميع قرى المنطقة وتراكم الديون المستحقة للمشروع بملايين الريالات لم تستطع الإدارة تحصيلها من الأهالي بسبب فقدان الثقة بين الجانبين بالإضافة إلى عدم محاسبة أمناء الصناديق السابقين والحاليين والمتضرر الأول والأخير هم أسرنا التي تعيش بدون مياه ولا يستفاد من الأمطار التي تذهب هدرا كل عام لعدم وجود حواجز مائية”.
**الانهيارات الصخرية**

المهندس فيصل محمد أحمد قال: “يواجه أهالي الأشروح في قدس خطر الانهيارات الصخرية التي تهدد حياة ومساكن الناس، هذا الظاهرة التي زادت خلال السنوات الماضية، آخرها كان قبل عامين، وانزاحت صخرة من جبل قرية المشارقة وهددت قرية معادن في قدس مما تسبب في نزوح السكان إلى مناطق متعددة خاصة بعد مقتل ثلاثة أطفال وتدمير منازل قبل سنوات عقب سقوط صخرة على منزل في المنطقة، وتوجد حوالي 25 صخرة خطرة من الدرجة الرابعة وأكثر من 30 صخرة خطورتها من الدرجة الثالثة”.
وطالب الأهالي محافظ تعز شوقي هائل والسلطة المحلية بتفتيت الصخور في الأماكن العالية وعمل جدران ومصدات تحت الصخور للحد من خطر الانزلاقات وملء التشققات الصخرية بمواد إسمنتية.
وأبدى المهندس رشاد أحمد سعيد مندوب الصندوق الاجتماعي للتنمية الاجتماعية وعدد من أهالي قرى عمقين ومعادن والأكدوع والمشارص الواقعة تحت الخطر تخوفهم من المخاطر التي قد تصيب قراهم جراء تكرار كارثة السقوط، كما عبر المهندس رشاد عن أسفه بسبب تعرضه وفاعلو الخير لهجمة شرسة من قبل بعض النافذين للمضايقات والعرقلة لأسباب سياسية، معبرا عن شكره لكل من تعاون لإزالة الصخور في الفترة السابقة لكن الخطر مازال قائما على القرى مع احتمال سقوطها في أية لحظة.
**الصحة**
قال الدكتور أكرم درهم علي مدير المركز الصحي: “في البدء أشكر صحيفة “الأيام” على وصولها إلينا وبذل الجهود.. لقد أنشئ المركز الصحي عام 1996م وافتتح عام 1998م وبه كادر مكون من (11) موظفا وقام هذا المركز بتدريب (112) متدربة وذلك للقيام بالتأهيل والتثقيف الصحي ويقدم هذا المركز خدماته لحوال (16) ألف مواطن من القرى المختلفة في قدس وبني حماد والايفوع، ويستقبل يوميا ما يقارب من (40) مريضا”.
وقال الطبيب المساعد محمد سعيد قاسم: “أهم احتياجات هذا المرفق بناء غرفة للمولد الكهربائي ورصف الطريق المؤدية إلى المركز وتوسيع المركز لكي يؤدي خدماته الطبية بشكل أفضل وكذا جهاز الموجات فوق الصوتية وأثاث وأجهزة طبية وزيادة الاعتمادات المالية الشهرية، حيث الاعتمادات الحالية تعتبر غير كافية لتقديم خدمات أفضل، وكذا توظيف قابلات جدد للحد من وفيات الأمهات، ونقدم جهودا مضنية خدمة للمرضى، وناشد كل فاعلي الخير تقديم الدعم المادي والمعنوي للمركز”.
**التربية والتعليم**
دخل التعليم منذ وقت مبكر في هذه المنطقة ويوجد في المنطقة ثلاث مدارس أقدمها مدرسة الاشراق الابتدائية التي كان اسمها مدرسة الإنقاذ ثم مدرسة الشعب وسماها عيسى محمد سيف مدرسة الإشراق وهذه المدرسة تحتاج إلى إحلال وإعادة البناء وتأثيث لتقادمها وتعاني من العجز في المعلمين وهذه المدرسة تخرج منها الدكتور عبدالله الحامدي والعديد من المسؤولين ومدرسة الفاروق الأساسية التي بنيت مؤخرا لكنها تعاني العجز بالرغم من وجود معمل وقاعات دراسية كافية ويدفع الأهالي (500) ريال شهريا عن كل طالب بالصف الأول للتعاقد مع مربي بالصف الأول الأساسي كما يوجد مجمع 22 مايو الأساسي الثانوي ويستقطب طلبة من عزل مختلفة وعدد المعلمين فيه (20) والإداريين 4 وعدد الطلبة (750) طالبا وطالبة ويوجد عجز في المعلمين والوسائل والمعامل والكتاب المدرسي، ونقص في عدد القاعات الدراسية وسكن المعلمين”.
وناشد الأهالي الأخ محمد حمود شمسان وكيل محافظة تعز للتخطيط ونائب الوزير الحامدي وكل الشخصيات الاعتبارية إنقاذ مدرسة الإشراق كونها الأقدم وتحمل قيمة تاريخية.
المواطن عبدالله محمد عبدالله الحاج (65 عاما) قال: “السيول جرفت سائلة الحجبين، ونطالب بإصلاح الأراضي وتعويض المزارعين وتسوير المقابر وأهمها مقبرة الشيخ تاج الدين في (ذو غنيمة)”. وقال منصور أحمد سلام: “إن الغش في الطرقات أدى إلى تشقق طريق الإسفلت في وادي الاشروح واحتقان المياه لعدم وجود عبارات في بعض الأماكن”. من جانبه زاد محمد شرف بقوله: “تساقطت الصخور في مطران وتضايقت الطريق في بعض الأماكن”.
**حالة خاصة**
أمام المركز الصحي وجدنا أقدم موزع صحف في تعز يدعى عبده عثمان سالم ثم تطور ليعمل في مكتبة الطليعة وانتقل إلى صنعاء وافتتح مكتبة (الصحوة) الخاصة به، ثم أصيب بحالة نفسية لأسباب مجهولة وهو يعاني من الفقر الشديد بالرغم من أنه من أوائل من نشر الثقافة في المجتمع لكن المجتمع جحد دوره التنويري.. فمن له؟؟
أما بعد:
الأشروح في قدس قطعة من الفردوس المنسي على الأرض وهي جزء أصيل في النضال وحركة التحرر الوطني ويتصف أهلها برفض الرفض وتحدي التحدي في مقاومة الاستبداد وهي السيف الأصيل في مقاومة الظلم والطغيان عبر الزمن .. هذه هي اشروح قدس ولا أزيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى